النّظام العالمي الجديد نهاية عام 2020…
} د. أحمد الزين
أحداث كثيرة عصفت بالعالم منذ بداية الألفية الثالثة وما قبلها بقليل، وسواء كانت هذه الأحداث مفتعلة أم غير ذلك فإنّ حصولها كان يشي دائماً بتغييرات في النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، فمن انهيار الاتحاد السوفياتي أوائل التسعينات من القرن الماضي، هذا الانهيار الذي أنهى التوازن الدولي ونقل العالم نحو الأحادية الأميركية، إلى أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 التي شكّلت ذريعة أميركية لصياغة عالم تتبلور فيه أحاديتها فأشعلت حروباً امتدّت نيرانها من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان إلى ليبيا وسورية لتحصد ملايين الأرواح وتدمّر البنى الاجتماعية والاقتصادية للبلدان المستهدفة… وها هي تقف اليوم لتقرع أبواب إيران… وفنزويلا.
لا شكّ في أنّ أميركا التي استطاعت أن تشعل العالم وأن تحاول إعادة رسم خرائطه لم تستطع أن تتحرّك فيه وحدها بحرية مطلقة.. فهناك شعوب تقاوم وهناك إدارات أميركية منذ جورج بوش الابن إلى دونالد ترامب تثبت مرة بعد مرة أنها محكومة بالعنجهية والغرور ولا تتمتع بالحكمة اللازمة لفهم طبيعة الشعوب المستهدفة، ولعلّ دونالد ترامب يشكّل أوضح تجلّ للغرور وغياب الحكمة في الإدارات الأميركية التي تعاقبت في السنوات الأخيرة، وهناك روسيا البوتينية التي تتحرّك هي أيضاً وفي تحرّكها كثير من الإعاقة للمشاريع الأميركيّة وبالتالي فإنّها وإن استطاعت أن تدمّر فإنها لم تستطع أن ترسم الخرائط كما تشاء.. وفوق كلّ ذلك هنالك الصين التي شكّلت تحدّياً اقتصادياً عظيماً لا يمكن للولايات المتّحدة تجاهله ولا يمكن للعالم أن يبقى مغمض العينين عن رؤية ذلك العملاق الضخم الّذي يبحث لنفسه عن عالم جديد يكون له فيه الحضور الذي يناسب حجمه.
لقد كانت سنة 2011 شاهدة على سطوع نجم مارد روسي ورث امبراطورية كانت تشكل مساحتها أكثر من ضعفي مساحة القارة الأوروبية، إنه فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين الذي شكّل التحدي الأكبر للأحادية العالمية القاتلة وهو اليوم يخوض صراعاً ضدّ هذه الأحادية في سورية وفي مجلس الأمن وصولاً إلى الفضاء السيبراني… وعند مجيء دونالد ترامب إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتحدة تجلّت للعالم شخصية بوتين التي شكّلت نقيضاً صارخاً لشخصية ترامب ليبدو الأول ممزوجاً بدهاء كبير مصحوب بصمت مخيف وقيادياً فيما بدا الآخر(ترامب) إنساناً مغروراً يعتمد على دعم اللوبيات والمنظمات الإنجيلية واليهودية المتطرفة وهو يخدم مشاريعها القائمة على رؤى تتعلق بتكريس سيادة اليهود على العالم وخاصة دعم جاكوب روتشيلد الذي يُقال إنه رئيس الماسونية لكن في الحقيقية هو الشخص الثالث في سلم هذه المنظمة الأكثر شهرة بين المنظمات السرية…
وكانت المواجهة العسكرية في سورية بين روسيا وأدوات الولايات المتحدة الأميركية المتمثلة بجبهة النصرة وداعش تلك الأدوات التي أكدت الاتهامات المتبادلة بين ترامب وهيلاري كلينتون في فترة الانتخابات الرئاسية 2016 أنها لم تولد إلا من رحم بلاد العم سام.. وقد استطاع “أبو علي” بوتين عبر تدخله في الوقت المناسب أن ينقذ الدولة السورية من التفكك والانهيار من خلال دعمه للرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة المنظمات الإرهابية التي تموّلها المخابرات الأميركية..
لعبت الولايات المتحدة الأميركية بسلاح القرم للردّ على فلاديمير بوتين والهزائم في سورية، فكان ردّ القيصر مدويّاً من خلال حليفه في كوريا الشمالية التي كرّست شيئاً من انكسار الهيبة الأميركية عندما تلقت تهديدات دونالد ترامب بمحوها عن الخارطة إذا قامت بتجارب نووية بالتحدي وتكرار التجارب النووية حتى كان اللقاء الذي طعن الجبروت الأميركي في الصميم بين الرئيسين الأميركي والكوري الشمالي..
أصرّت الإدارة الاميركية على محاولة ضرب روسيا من خلال البوابة الأوكرانية ومحاولة شقّ صفّ الكنيسة الارثوذكسية، وكانت محاولة ذكية، لكن الردّ المزلزل في خاصرة الولايات المتحدة الأميركية من خلال الساحة الفنزويلية جعل الإدارة الأميركية تتراجع عن جميع مخططاتها لضرب روسيا “القيصر”.
الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني، والتهديدات الأميركية الفاشلة بالحرب على فنزويلا.. أزمة اللجوء من الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أوروبا وما أظهرته هذه الأزمة من ضعف وتفكك أوروبي.. اغتيال القائدين سليماني والمهندس في العراق وما تبعه من ردّ إيراني حاولت أميركا استيعابه عبر التقليل من شأنه.. أحداث وأحداث تتوالى على مسرح العالم تحتاج إلى من يفكّ الطلاسم ليفهم أيّ عالم جديد سيولد من رحمها!
ثمّ جاءت كورونا… وها هو العالم يخوض مواجهة من نوع آخر وها نحن نرى بأمّ العين كيف سقطت دول كبرى في هذه المواجهة وصعدت دول وبينما كان الفرز قبل كورونا بين دول تابعة للمشروع الأميركي ودول رافضة أو مقاومة لهذا المشروع، انقسم العالم بعده بين دول واتحادات ضعيفة عاجزة حتى عن صناعة أدوات الوقاية كالكمامات وأجهزة التفس (الاتّحاد الأوروبي، والولايات المتحدة) ودول صاعدة بقوّة وأثبتت جدارتها في المواجهة (الصين، روسيا، إيران) ودول كانت تعتبر ضعيفة لكنّها استطاعت بفضل الجهود الصادقة والسياسات الرشيدة أن تحدّ من انتشار الفايروس وتجنّب شعوبها المآسي التي طالت دولاً كانت تعتبر في أعلى سلّم الدول المتطورة وخير مثال على هذه الدول لبنان الذي أبدت حكومته قدرة على التعامل مع الأزمة العالمية.. هكذا لم يعد للبوارج الأميركية قيمة وقد غزاها الفايروس في عرض البحر، وفقد الاتحاد الأوروبي جدوى وجوده حين لم يقدّم المساعدة لدوله المنكوبة بالوباء كإيطاليا وإسبانيا… فالتجأت هذه الدول إلى الصين وروسيا لطلب المساعدة، وفقدت مليارات وتريليونات الدولارات المكدّسة في البنوك الدولية قيمتها طالما أنها لم تستطع أن تقدّم أدوات الحماية لممرض أو طبيب يعمل في المستشفيات الأميركية ويلبس أكياس النفايات ليقي نفسه من العدوى… أين كلّ هذه الأسلحة النووية المكدّسة تحت الأرض وفوقها تقف عاجزة أمام جرثومة لا تراها العين لكنها تفتك بالأجسام ولا تميّز بين فقير يعيش على أرصفة إيطاليا أو رئيس مجلس وزراء بريطانيا… واضح أنّ لهذه المواجهة نتائجها… في هذه الحرب الجرثومية أخطأت كثيراً الإدارة الأميركية عندما لم تقدّم الدعم لإيطاليا المنكوبة فاستغلّ القيصر الروسي وهبّ لنجدة ايطاليا التي تضمّ في ربوعها دولة “الفاتيكان” الأب الروحي للكنيسة الكاثوليكية المسيحية في العالم. اكتسب “أبو علي” بوتين لقباً جديداً هو “أبو جورج” بوتين ممهّداً الطريق لخروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي وربما حلف الناتو والارتماء في الحضن “الروصيني”.
واضح إلى الآن أنّ هذا الفايروس المستجدّ هو الّذي سيرسم خرائط العالم الجديد بعد أن بات واضحاً أنّه قد أسقط مفاعيل ونتائج الحرب العالمية الثانية.. إنّ المواجهة في هذه الحرب ستهدي عرش الأحادية العالمية إلى من يديرها بذكاء واقتدار ولعلّ الرئيس “أبو علي” “أبو جورج” بوتين يبدو الآن الأقدر على لعب “الشطرنج الحربي” كما يبدو العالم رقعة قابلة للّعب النّظيف..
وفي هذا السياق يؤكد مصدر بريطاني مطّلع أنّ “النظام ما بعد الفوضى” سيولد وسيكون هذا النظام بحياكة قيصرية مموّلة بطريقة حريرية تبدأ من الصين إلى روسيا إلى أوروبا التي أعلن العديد من زعمائها أنّ الاقتصاد العالمي سينهار ولن يكون من مخرج إلاّ بالأموال الصينية “المعقمة” الخالية من فايروس كورونا… وككلّ ما يحصل في العالم فإنّ هذا التغيير سيطالنا وقد قالها فلاديمير بوتين: “سورية لي”، وقريبا ستهبط الطائرات العسكرية الروسية في مطار القليعات اللبناني ناقلة معدات روسية وصينية لحفر أحد البلوكات التي تحوي غازاً يجعل لبنان محطة أساسية في طريق الحرير مفشلاً المخطط الأميركي الفاخوري الهادف لزرع الفتنة في الشمال اللبناني في سبيل خلق منطقة آمنة محيطة بالسفارة الأميركية الأكبر في الشرق الأوسط والتي تضمّ مواقع تحت الأرض بمساحة تفوق بسبعة أضعاف ما فوقها..
لبنان كان دائماً هدفاً للدول العربية والغربية ولكن هل يمكن أن يصبح هو البلد الأكثر أهمية في الشرق الأوسط إذا تمّ نقل أوبك إلى لبنان كبديل عن المملكة العربية السعودية، كما يتمّ تداوله في الخفاء؟!
إنّها كورونا تلك الجرثومة التي تغزو العالم وتوقفه على قدم ونصف دون أن تستثني أياً من دوله… فهل تكون هي القشّة التي ستقصم ظهر النظام العالمي لينشأ عالم جديد بدأت تتبلور بعض معالمه بفضل كورونا؟