2% ليسوا أقوى من 98%!
} أحمد بهجة*
على مدى الأيام الماضية حفلت وسائل الإعلام المختلفة بكمّ كبير من المعلومات، فضلاً عن تصريحات لعدد كبير من السياسيّين، موالاة ومعارضة وما بين بين، حملت مواقف قاطعة وحاسمة بالنسبة لموضوع اقتطاع جزء من ودائع اللبنانيين في المصارف (الهيركات).
البعض من أصحاب النوايا السليمة والذين قلبهم على البلد وناسه الفقراء ومتوسطي الحال، حذّروا من اعتماد خطوة كهذه بشكل عشوائي ومخالف للدستور والقوانين المرعية، فيما لم يُعرف بعد ماذا يحضّر البعض الآخر في الكواليس وكيف يعمدون إلى استغلال كلّ كبيرة وصغيرة سواء كانت صحيحة أو لم تكن، في سياق حربهم المفتوحة والمتصاعدة ربما في الأيام المقبلة ضدّ الحكومة بذاتها وضدّ مَن يقف معها وخلفها.
بالأمس حسَم الأمر الرئيس حسان دياب في كلمته المتلفزة مساء الخميس الفائت، وأعلن صراحة ومن دون أيّ مواربة بأنّ أموال 98 في المئة من المودعين لن يُمسّ بها.
إذن… تمّ حصر معركة “الهيركات” مع 2 في المئة فقط من المودعين. وهنا أيضاً لا بدّ من الغربلة، إذ هناك متموّلون ضمن هذه الفئة من المغتربين الذين جمعوا ثرواتهم خارج لبنان وأتوا ليودعوها في المصارف اللبنانية نتيجة الدعاية الإعلامية المكثفة والإغراءات الكبيرة التي كانت تقدَّم لهم بهدف جذبهم واستقطاب أموالهم إلى لبنان. وهناك أيضاً حسابات كبيرة لأشقائنا السوريّين والعراقيّين والأردنيّين وربما الخليجيّين أيضاً… هذه الحسابات يجب أن نحرص عليها كلبنانيين ونكون أمينين عليها إلى أقصى الحدود حتى نحفظ لبلدنا ولقطاعنا المصرفي الحدّ الأدنى من المقوّمات التي تمكّنه من استعادة الثقة به في الآتي من الأيام، وهي ثقة اهتزّت كثيراً بطبيعة الحال في الفترة الأخيرة.
أما من يبقى من هذه الفئة فهم الذين يجب أن يطالهم “الهيركات” و “الكابيتال كونترول” وكلّ الإجراءات والتدابير التي تعيد الحق لأصحابه أيّ للشعب اللبناني وللدولة اللبنانية، ولكن ذلك يجب أن يتمّ بطريقة قانونية. وليس أبداً بشكل فوضوي وعشوائي. ومن الضروري في هذا المجال تفعيل دور القضاء وإبعاد هذه المسألة تحديداً عن أيّ تسييس لأنّ ذلك من شأنه أن ينزع الطبخة فتبقى المليارات حيث هي مع الفاسدين والمفسدين ولا يستفيد اللبنانيون ولا الخزينة العامة بأيّ شيء.
وفي سياق متصل لا بدّ من اتخاذ الإجراءات والتدابير القانونية والمالية الكفيلة بأن تمكّن أصحاب الودائع من الحصول على أموالهم حين يريدون. وإذا كان التعميم السابق المتعلق بأصحاب الودائع الصغيرة (دون 5 ملايين ليرة أو 3 آلاف دولار) إذا كان قد وفر على زغل حلّاً جزئياً لموضوع الودائع، فإنّ التعميم المذكور قد خالف الدستور والقانون في جانب من الجوانب، إذ أنه يميّز بين المودعين حيث يعطي من يملك حساباً بقيمة 3 آلاف دولار حوالى 8 ملايين ليرة على أساس تسعيرة الدولار اليوم بـ 2600 ليرة، بينما من يملك حساباً بقيمة 3100 دولار يأخذه بالليرة على أساس السعر الرسمي لسعر الصرف وهو 1515.
ثم انّ المخالفة القانونية تتعلق بالتعديل الذي أجراه مجلس النواب في جلسة الموازنة في شباط الماضي حيث رفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة، ولا بدّ لتعاميم مصرف لبنان أن تلتزم بهذا القانون، فضلاً عن ضرورة الالتزام بنصوص القوانين التي تحمي حقوق الناس جميعاً مهما كان حجمها.
وقد أوردت بعض وسائل الإعلام معلومات في الأيام الماضية أنّ هناك تعاميم جديدة يجري العمل عليها في مصرف لبنان تلحظ هذا الأمر وتتعلق بالودائع المتوسطة، وقد يصل الأمر إلى حدّ الـ 500 مليون ليرة أو 300 ألف دولار، على أن تنتظر الودائع الكبيرة الحلول الكبيرة التي يتمّ بحثها على طاولة مجلس الوزراء…
*خبير مالي واقتصادي