تشريع القنّب… ما له وما عليه!
} إيمان شويخ
لا يمكن إخفاء الحقيقة القائلة إنه منذ العام 1920 كانت الحشيشة تزرع وتباع وتصدّر لكن في غياب القوانين المشرعة. فخلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) كانت الحشيشة اللبنانية المعروفة بنوعيتها الجيدة مزدهرة جداً، وبعدها قامت الدولة بحملات للقضاء على زراعتها واعدة بزراعات بديلة، الأمر الذي لم يتحقق تاركاً مواجهات مختلفة الأوجه في كلّ عام بين السلطات والمزارعين الذين يطالبون بتشريع زراعتها، وهو ما تحقق أخيراً نهار الثلاثاء بتاريخ 21-4-2020 حيث أقرّ مجلس النواب في جلسته التشريعية اقتراح قانون تشريع زراعة القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي.
هذه النبتة التي عرفها الإنسان منذ قديم الأزل، عثر في أماكن للدفن في سيبيريا على بذور قنب هندي متفحّمة يعود تاريخها إلى عام 3000 قبل الميلاد. واستعمل الصينيون القنب الهندي آلاف الأعوام لدواعي استشفائية، كما دأب الرئيس الأميركي الأسبق جورج واشنطن على زراعتها في “ماونت فيرنون” وظلّ استعمالها مباحاً طيلة معظم تاريخ الولايات المتحدة، وهو يعدّ حالياً أمراً قانونياً في 23 ولاية لأغراض طبية. ليست الولايات المتحدة فحسب فالعديد من الدول سمحت بزراعة القنب واستخدامه لأغراض طبية لمعالجة المرضى والتخفيف من آلامهم. وهكذا سمحت كلّ من ألمانيا والنمسا وبريطانيا واسبانيا وفنلندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبرتغال والجمهورية التشيكية ورومانيا وسلوفينيا وكرواتيا ببيع بعض المنتجات المشتقة من القنب الهندي لتسكين آلام بعض الأمراض وخاصة للمرضى المصابين بالسرطان والصرع والإيدز، كما أعطت فرنسا موافقتها الأولية في عام 2014 على تسويق عقار “ساتيفكس” المشتق من القنب الهندي لتسكين آلام مرضى التصلب اللويحي. أما كولومبيا فأصدرت مرسوماً رئاسياً يسمح باستخدام القنب الهندي لأغراض العلاج، وعلى غرارها سارت دول أميركا اللاتينية كتشيلي والمكسيك والأوروغواي، وغيرها من دول العالم.
والسؤال، ماذا ينقص لبنان ليكون على لائحة البلدان المنتجة والمصدرة للقنب الهندي؟ خاصة أنّ بيئة زراعية حاضنة جاهزة كانت ولا زالت قادرة على إنتاج ما يكفي لبنان من حاجاته الطبية وما يساهم في التصدير وتخفيض جزء ولو بسيط من العجز في الميزان التجاري والانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.
بلغة الأرقام، واستناداً إلى بيانات متوافرة في تقارير صحافية حول تجارة الحشيشة في لبنان تشير إلى أنّ مردود الدونم الواحد للحشيشة يبلغ نحو 10 آلاف دولار، وإلى أنّ المدخول السنوي للمزارعين المحليين يتراوح بين 30 و80 مليون دولار حسب المنطقة المزروعة وسعر السوق، ما يجعل القيمة الإجمالية لهذه الزراعة بين 120 و800 مليون دولار في السنة أيّ ما يقارب نسبة 0،3 % و1،8% من إجمالي الناتج المحلي.
وفيما يرزح الميزان التجاري تحت عجز قدّر في 2019 بحوالى 17 مليار دولار، بقيمة استيراد تبلغ 20 مليار دولار وصادرات بقيمة 3 مليار دولار يتوقع أن تدرج على لائحة الصادرات عائدات القنب الهندي حسب الآلية التي يُصار من خلالها تنظيم هذه الزراعة لتؤتي أكلها. علماً أنه كان يتمّ تصدير حوالي 2000 طن سنوياً خلال الحرب الأهلية عبر المرافئ غير الشرعية، كما ساهمت الحرب السورية في زيادة تجارة القنب بنسبة 50% منذ العام 2012 استناداً إلى المزارعين المحليين.
هذه التقديرات الاقتصادية لا تعني أنّ اقتصاد لبنان سينقلب رأسا على عقب، لكنها فسحة أمل لمزارعي البقاع لجهة تأمين مداخيل لهم وحياة اجتماعية تبعد شبح الحرمان الذي يعاني منه المواطن البقاعي ودائماً ضمن الأطر القانونية التي حصرت إنتاجه بالأغراض الطبية، فما هي هذه الاستخدامات؟
يعرف القنب باسم القنب الهندي أو الماريغوانا وهي نبتة لها مفعول مخدّر وتأثيرات على الجسم، وتعدّ من أكثر أنواع المخدرات استعمالاً في العالم، وتنتمي منتجات القنب إلى أقدم المخدرات المعروفة، والقنب هو إسم النبات أما الماريغوانا فهي الأوراق والأزهار والسيقان والبذور المجففة من نبات القنب، أما الحشيش فهو منتج آخر من نبات القنب يحتوي على صمغ ينتجه النبات.
يعمل القنب على تقليل الضغط الواقع على العين بسبب المياه الزرقاء التي تسبّب تلفاً في أنسجة العصب البصري التي قد تؤدي إلى فقدان البصر ويتمّ تناوله عن طريق الفم للحصول على علاج فعّال. كذلك يستخدم القنب (الماريغوانا) كبديل لعلاج الأعراض المرتبطة بالإكتئاب والغثيان وفقدان الشهية، كما يخفف آلام الالتهابات الناجمة عن التهاب المفاصل والأمراض المزمنة ويخفف من الآلام العصبية التي يعاني منها المصابين بنقص المناعة. كذلك يستخدم لزيادة الشهية لمرضى السرطان ومرضى الإيدز بسبب العلاج الكيميائي الذي يستخدمونه إضافة إلى تخفيفه لأوجاعهم. ويعمل على التخفيف من ألم العضلات والشد العضلي… واللائحة تطول، ولكن بطبيعة الحال كلّ ذلك تحت إشراف الطبيب المختص وليس باستعمال شخصي يؤدّي إلى ما لا تحمد عقباه وهو ما لم يشمله أصلاً القانون الذي شرّعه للاستعمالات الطبية حصراً. كما أنّ أيّ نعمة يمكن أن تتحوّل إلى نقمة كذلك الحال مع الحشيشة التي ستدرّ نعماً كثيرة على القطاع الطبي وقطاع الأدوية، فلماذا نرفض هذه النعمة؟