هل انتهى زمن الترف والوجاهة بين أمراء الخليج؟
} د. وفيق إبراهيم
أسعار النفط نحو مزيد من الانخفاض الدراماتيكي الثابت بسبب التراجع الكبير في حركة الطلب الناتج بدوره عن شلل في التفاعلات الاقتصادية المرتبطة بجائحة الكورونا وتداعياتها الكارثية المرتقبة لنصف عقد متواصل.
بذلك يكون العالم قد أصبح على مشارف تدجين الطاقات من الشمس والرياح واليورانيوم، وربما من أمواج البحر وحركة الرياح، ما يؤدي الى مزيد من دفع النفط نحو مزيد من الهامشية.
هذا التطور المتسارع يترك اثراً مخيفاً على الدول التي تعتمد في ناتجها الوطني على ريوع الطاقة بمعدل يفوق اكثر من خمسين في المئة.
للمصادفة فإن كامل دول الخليج والعراق والجزائر هي من هذه الفئة، إلا أن بإمكان العراق والجزائر الاستثمار في قطاعات جديدة فيما تعجز دول الخليج عن ذلك لأنها بلدان صحراوية لا تصلح للزراعة ولا ماء فيها ولم يؤهلها حكامها لأي شيء باستثناء استصدار احكام تبقي شعوبها في اطار القرون الوسطى.
لماذا تتجه هذه البلدان الخليجية نحو تراجع ذي طبيعة كارثية؟
تصدر بلدان الخليج من دون إيران نحو 18 مليون برميل يومياً اكثر من نصفها من السعودية (9.5 مليوناً يومياً) فيما تصدر الامارات والكويت وقطر والعراق وعمان والبحرين نحو ثمانية ملايين إلا ان السعودية خرقت اخيراً هذا الاتفاق وابتدأت بتصدير 12.5 مليوناً يومياً في صراع إنتاج مع النفط الروسي بطلب اميركي واضح.
إلا ان تفشي كورونا مع التوقف شبه الكامل الذي فرضه على الاقتصادات العالمية أدّى الى تحويل زيادة الانتاج الى اداة لاسقاط الاسعار، وإلزام الاقتصادات العالمية بتقهقر يزيد عن الخمسين في المئة لسنوات عدة.
هذا يعني أن السعودية مضطرة الى تقليص إنتاجها الى نحو خمسة ملايين برميل يومياً بسعر متراجع من 40 دولاراً للبرميل الواحد نحو خمسة عشر دولاراً فقط، لذلك يقول الخبراء إن خسارة السعودية من تراجع البترول هذا العام في 2020 فقط ذاهبة الى 90 مليار دولار وربما أكثر.
باختصار كان العالم يستهلك 105 ملايين برميل يومياً قبل شهرين فقط، مقابل نحو ثلاثين مليوناً حالياً بسبب الحجر الإلزامي الذي فرضه كورونا على الاقتصادات، كما أن الاتفاق الروسي السعودي الأخير في اطار “اوبيك +” قضى بخفض الإنتاج العالمي عشرة في المئة فيصبح الإنتاج نحو 90 مليون برميل يومياً، وهذا لم يعُد ملائماً بسبب الانهيار الاقتصادي العالمي الذي يتجاوز الخمسين في المئة الى حدود السبعين، بما يؤدي الى تراجع إنتاج النفط بمستويات متقاربة حتى يصل الى 45 مليون برميل يومياً فقط لعشرات البلدان بينها السعودية وروسيا ودول الخليج وفنزويلا وايران وكندا.
ما هي آثار هذه التراجعات؟ يمكن الجزم بأنها كارثية قد تؤدي الى اضمحلال انظمة وتصدع كيانات واستنزاف دول منها على سبيل المثال لا الحصر، يسقط الداخل السعوديّ بمعدل خمسين في المئة من تراجع النفط، ونحو ستين الى سبعين بالمئة من عائدات مواسم الحج والعمرة والسياحة الدينية. وهذا يُدحرج الترف السعودي السابق الى نحو ثلاثين في المئة فقط من العائدات السابقة أي نحو 3000 مليار دولار الى ما يقارب السبعين ملياراً لشعب يزيد عن 25 مليون نسمة ونحو عشرة آلاف امير يبددون نصف الموازنة على النساء في الغرب وموائد القمار وشراء القصور واندية كرة القدم الأوروبية، كذلك أحوال الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين، هذه الإمارات والمشيخات والممالك المتدحرجة نحو مصير أصعب من المستقبل السعودي الحالك والمشابه له على الأقل.
ما هي نتائج هذا الانهيار السعودي الوشيك؟
السعودية هي محور دول الخليج ولها أهميات عربية وإسلامية فضلاً عن دورها على مستوى العالم نتيجة للأهميات المذكورة.
لذلك فإن انحسار مواردها يرتب انفجار العلاقات بين الامراء المتصارعين على السلطة والمال، والموزعين بين أجنحة متعادية، تتربّص ببعضها شراً مستطيراً.
كما ان تراجع الموارد السعودية من شأنه إفقار شعبها بشكل مأساوي ما يستولد معدلات عالية من الفقر، وهذا يدفع بدوره نحو صراعات داخلية، تنتج عدم استقرار الدولة والمجتمع.
خليجياً من المنتظر انحسار السيطرة السياسية لآل سعود على هذه المنطقة، التي تتجه بدورها لخسارة أهمياتها النفطية والغازية مع تراجع كبير في قدراتها على استهلاك بضائع الغرب وشراء سلاحه للعروض العسكرية.
كذلك فإن الدور العربي للسعودية مهرول بدوره للتقهقر كنتيجة طبيعيّة للعجز السعودي المرتقب بدفع المكرمات والمساعدات والرشى.
خصوصاً أن دولاً كمصر مثلاً تعتبر نفسها أكثر أهمية في التاريخ من حكام الخليج.
وتعرف ان النفط غير الموجود في باطن أراضيها حرمها من نعمة تأكيد اهمياتها التي تعود الى خمسة آلاف عام، أي قبل تأسيس دول الخليج بـ 4900 سنة على الاقل.
بأي حال فإن الاهمية الاسلامية للسعودية قد تحافظ على معدلات مقبولة بسبب موسم الحج والعمرة، ولما لهذه الأرض في شبه جزيرة العرب من تقدير عند المسلمين لمكانتها في تأسيس الإسلام وليس لأهمية آل سعود الطارئين على هذه المنطقة.
فتنسحب هذه التراجعات على الموقع الدولي السعودي، فلا تعود عضواً في دول العشرين الأغنى في العالم ولا تعود دول الانتاج الغربي بحاجة اليها لتبيعها سلعها وأسلحتها.
هناك خاسرون في الغرب قد يصابون بأضرار جسيمة نتيجة للتراجع السعودي، وهي أندية كرة القدم الانجليزية والفرنسية وصالات القمار، ومراكز بيع النساء وشراء الملابس والكوفيات المرصّعة بالجواهر.
يكفي أن حاكم قطر يمتلك نادي سان جيرمان الفرنسي وولي عهد الإمارات محمد بن زايد أحد الأندية الانجليزية وبضعة فنادق.
وهذا ما استنفر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان فاشترى قصر إنجليزياً لا يستعمله الا بضعة ايام في السنة بـ 230 مليون جنيه ومبتاعاً نادياً انجليزياً لكرة القدم بـ 300 مليون، وهذه ثروات للترفيه فقط وليس للربح أي لمجرد الوجاهة الإعلامية وحيازة الصفحات الاولى في الصحف الغربية ومقدّمات نشرات الأخبار في مئات محطات التلفزة، كما انها تدخل في إطار التحدي بين أمراء يبددون ثروات مجتمعاتهم منذ منتصف القرن العشرين لمجرد الترف وإرضاء القوى الممسكة بالاستهلاك في الغرب.
إن هذه المرحلة على وشك الانقراض مقابل مواجهة تدريجية بين حكام خليجيين أسروا شعوبهم في القرون الوسطى وبين شعوب لن تتأخر في تحطيم الأسوار والخروج الى القرن الحادي والعشرين.