مرويات قومية

لماذا لم يقم سعاده بالانقلاب عام 1949؟

إعداد: لبيب ناصيف

 

في الجزء الرابع من كتابه «مع انطون سعادة»، يتحدث الأمين جبران جريج في الصفحات (87-89) تحت عنوان «قرار تاريخي» لماذا لم يأخذ سعاده باقتراح ضباطه القوميين الاجتماعيين القيام بحركة انقلابية، ننشر ذلك لفائدة الاطلاع.

* * *

بدأ الزعيم يدرس فكرة القيام بانقلاب اقترحها عليه بعض الضباطالأعضاء، في شعبة السلك التي كنت ارأسها، خصوصاً من قبل الرفيق معين حمود(1) الذي كان يلحّ ويلح كثيراً.

ولاعطاء فكرة عن قوّة هؤلاء الضباط القوميين الاجتماعيين في شعبة السلك فإني اسمح لنفسي بأن أُعلن أن عددهم يتجاوز العشرات من مختلف الرتب، بدءاً من رتبة نفر وعريف صعوداً إلى رتبة عقيد. فلا يستغرب وهذا هو الوضع العسكري أن يبدأ الزعيم بدرس فكرة القيام بانقلاب.

كانت الخطوة الأولى، أن أمرني الزعيم بدعوة بعض الضباط للتعارف ففعلت ولكم كانت دهشتهم كبيرة عندما التقوا في دار الزعيم وبينهم  رئيس الشعبة الثانية (الحسواني)(2).

كانت الخطوة الثانية لقاءات ثنائية بينه وبين أكثر من ضابط في أحد المنازل أو في أحد الأمكنة.

التقى مثلاً بالعقيد غطاس(3) في منزل فيليب كلاب(4)، الذي كان أحد المعاونين في شعبة السلك وقد كانت ثمرة هذا اللقاء ادخال أحد الضباط في الحزب وإشراكه في هذه المحادثات وذلك بناء على ثقة العقيد فيه. والتقى أيضاً مثلاً في أحدى القُرى القريبة من بنت جبيل بأديب الشيشكلي الذي كان على رأس فرقة من المتطوعين، للدفاع عن فلسطين ضد اليهود يعاونه في القيادة شقيقه صلاح، وأكرم الحوراني. كذلك أُرسلَ في طلب أبو طقه(5)، للاستشارة.

كان قد أرسل بواسطتي في طلب أديب الشيشكلي لكنه اعتذر فذهب إليه كما أن الضابط نبهان والضابط حمود(6) دخلا في المشاورات.

كانت الخطوة الثالثة استشارات وجس نبض فاستدعى الحسواني، على سبيل المثال، وسألهُ بصراحة كلية وثقة تامة فيه: «ماذا يكون موقف قائد الجيش في حال القيام بانقلاب ونجاحه؟»، فكان الجواب: «يؤدي التحية ويُطيع الشرعية الجديدة».

هذه مقطتفات للخطوات التي أخذتُ علماً بها وقد تكون، هنالك، خطوات أُخرى لم تصل إلى مسمعي فلا شك أن ثمة اتصالات وعمليات سبر غور كثيرة كما أني لستُ هنا في صدد إعطاء تفاصيل بهذا الشأن فقد تكون هذه التفاصيل ضمن مواد ستنشر في مكانها في تاريخ الحزب.

أما على الصعيد المدني فسامي الصلح كان المرشح لتأليف حكومة الانقلاب ومعه بعض الشخصيات السياسية الأُخرى التي ما أطلعت على اسمائِها ولكن أذكر أن ثمّةَ استشارة مدنية جرت مع المطران بولس الخوري، الصديق، بشأن موضوع استلام الحكم فكان جوابه بما معناه: «يقول المسيح، قبل أن يُعلن ملك حرباً على ملك آخر يجب أن يحصي قوته وقوة عدوه حتى إذا رأى أنّهُ الأقوى، عندئذ يبت بأمر الحرب ويعلنها».

يبدو أن كل شيء كان قد استكمل دراسته عندما دعاني وأبلغني أني مصادر إلى أجل غير مُسمى فيجب أن أكون تحت تصرُفهِ طيلة النهار والليل، لا شك، اني لبيّت غير مستغرب الأمر وأنا المطلع وإن جزئياً على هذا المشروع.

دام استنفاري هذا مدة ثلاثة أيام. استدعاني في نهايتها إلى مكتبه وقال لي: «يمكنك أن تعود إلى حياتك العادية فقد قررت صرف النظر عن المشروع» ، ولما لاحظ إمارات التساؤل على محياي أردف قائلاً: « قلّبت الموضوع من كل جوانبه وبقطع النظر عن إمكانات النجاح أو الفشل، توصلت إلى قناعة أخيرة أنّهُ لا يجوز أن يسجل التاريخ أن الحزب السوري القومي الاجتماعي طعن الجيش اللبناني الرابض على الحدود لمحاربة العدو اليهودي طعنة في الظهر» ، ثُمَّ أضاف: «عند لقائي بأديب الشيشكلي على الحدود، وهو يضع فرقته تحت إمرة الحزب قلتُ لهُ: «قد يكون المانع من تنفيذ هذهِ الخطو وجود الجيش اللبناني على الحدود متأهباً لقتال اليهود».

رجحت عنده هذه الفكرة فاتخذ هذا القرار النابع من الوجدان القومي العميق والذي فيه بعد نظره أن للمستقبل القريب أو البعيد. قلت بيني وبين نفسي: «حقاً، إنّهُ لقرار تاريخي».

وتأييداً لما أوردته جائتني الزهرة سورية الحاج(7) بهذا الكلام عن لسان العقيد في الجيش اللبناني العقيد غطاس(8) الذي كان عضواً سرياً عن رفض الزعيم لانقلاب عام 1948.

«بعد الحرب العالمية الثانية، عمّت العالم موجة عسكرية مما أدت إلى انقلابات سواء كان ذلك في دول انتصرت أو أُخرى هُزِمت، أو عن طريق الاقتراعات الشعبية. تمكّن العسكريون من الوصول إلى شرعية الحكم اللهم إلّا في الدول التي تخضع إلى أنظمة ملكية.

كانت هذه الفكرة تجول في خاطر بعض ضباط جيشنا ومن حقهم أن يَصْبوا إلى حلم كهذا يدغدغ أمانيهم ويحقق أهدافهم.

كان ذلك عام 1948 وكان جيشنا على صغر عدده وقلّة عدته يواجه العدو الاسرائيلي الذي كانَ أشبهَ بعصاباتٍ مُرتزقة عنصرية شرسة، وكان في صفوف الجيش ضباط من القوميين الاجتماعيين رُغم تحريم انخراط الضباط في الاحزاب العقائدية «.

ان الضباط الذين تقدموا إلى الزعيم واقنعوه بأن يوافق على استلام الحكم بصفته زعيمهم وكون لبنان خالياً من كل سلطة والجيش يواجه العدو ويتقدم في الأراضي الفلسطينية وبالفعل سجّل انتصارات رائعة. ناقش الزعيم الضباط القوميين هذا الأمر الخطر طيلة الليل وكان يجابههم بالرفض والحجج العسكرية والروح القومية وأخيراً أمهلهم قائلاً سأعطيكم الجواب النهائي غداً بعد أن أدرُسَ الموضوع من كل نواحيهِ العسكرية والسياسية والقومية.

وفي اليوم الثاني حضروا في الموعد المضروب وكان اعتقاد الضباط انهم تمكنوا من اقناع الزعيم بإحداث انقلاب ولكنهُ واجههم بما عُرف عنه من تضحية في سبيل أمته والذوذ عن جيش بلاده فقال لهم: «إنني لا أود أن يسجل علي التاريخ أنني طعنت الجيش اللبناني في ظهره عندما كان يواجه العدو. نحنُ القوميون الاجتماعيون مع الجيش اللبناني في مواجهة العدو».

 

هوامش:

1 – معين حمود: اقرأ النبذة عنه ضمن قسم «من تاريخنا» على موقع شبكة المعلومات السورية القومية الاجتماعية www.ssnp.info

2 – هو وليم الحسواني: وكان انتمى الى الحزب سراً، وكان رئيس للشعبة الثانية، كما اورد عنه الامين جبران جريج.

3 – هل هو العقيد غطاس لبكي الذي ورد اسمه في المحاكمات عام 1962 وحكم عليه.

4 – فيليب كلاب: اوردت عنه في النبذة عن الاجتماع الذي القى فيه سعاده خطابه المنهاجي الاول (حزيران 1935)، وفيه التقى والدته الرفيقة آدال باسيل دون ان يدري، ولا هي كانت تدري، انهما قوميان اجتماعيان.

5 – ابو طقه: تحدث عنه الامين شوقي خيرالله عندما تكلم عن معركة المالكية، واستشهاد الرفيق النقيب محمد زغيب.

6 – هو الضابط الرفيق معين حمود. كما آنفاً.

7 – الزهرة سورية الحاج: لا يوضح الامين شوقي اي شيء عنها.

8 – العقيد غطاس: كما آنفاً.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى