هذه هي الحقيقة… يبقى معرفة أين أموال الناس؟
أحمد بهجة*
ما فعله رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بعد جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا يوم الجمعة الفائت يحصل للمرة الأولى في لبنان. لم يسبق لأيّ رئيس حكومة، أو أيّ مسؤول آخر في الدولة، أن وصل إلى هذا الحدّ من الوضوح والصراحة مع الناس.
كاشَفَ الرئيس دياب اللبنانيين وقال إنه «لم يعد ممكناً الاستمرار في سياسة المعالجة بالكواليس ويجب تغيير نمط التعامل مع الناس، ولا يجوز أن يكون هناك معلومات مكتومة عليهم».
ودعا الرئيس دياب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بما يشبه التحدّي، ليخرج ويعلن للبنانيين الحقائق بصراحة… مشدّداً على أنّ «هناك فجوة في الأداء والوضوح والصراحة وفجوة في الحسابات والسياسات النقدية، والمعطيات تكشف أنّ الخسائر في المصرف المركزي تتسارع وتيرتها… والأرقام تكشف خروج 5,7 مليارات دولار من الودائع في الشهرين الأولين من العام»…
كلام كبير وكبير جداً وغير مسبوق كما قلنا، ولا بدّ أن يكون له ما بعده، خاصة أنّ مجلس الوزراء قرّر تكليف شركة دولية من أجل التدقيق الحسابي في حسابات مصرف لبنان، وهي حسابات يجب أن تكون في الأساس كما كلّ مالية الدولة معروفة ومتاحة لكلّ مَن شاء الاطلاع عليها من الباحثين والطلاب وعموم المواطنين…
ماذا سيكون ردّ الحاكم سلامة؟ الأفضل له وللبلد وللمواطنين أن يستجيب للتحدي، وأن يخرج ليصارح الناس بالحقائق كاملة مهما كانت صادمة، أولاً لكي يظهر أنه لا يخاف من الحقيقة، وثانياً لأنه بدون معرفة الحقائق كاملة تبقى كلّ الخطط العلاجية مشوبة بنقص من هنا أو بثغرة من هناك…
وبلغة الأرقام التي نأمل أن يدققها لنا الحاكم إذا قرّر مصارحة الناس، فإنّ الفجوة التي تحدّث عنها رئيس الحكومة في حسابات مصرف لبنان تبلغ حوالى خمسين مليار دولار، ذلك أنّ حجم الودائع في المصارف اللبنانية وصل قبل الأزمة الراهنة إلى نحو 190 مليار دولار…. منها:
ـ حوالى 40 مليار دولار قروض للقطاع الخاص… يعني اعتمادات للتجار والصناعيين وأصحاب العمل، وقروض للأفراد (شخصية وسكنية وسيارات وغير ذلك…)
ـ حوالى 100 مليار دولار دين للدولة (سندات خزينة بالدولار وبالليرة اللبنانية).
ـ مجموع البندين أعلاه هو 140 مليار دولار…
ـ الفارق هو 50 مليار دولار…
هذا الفارق هو المبلغ الضخم جداً الذي يمثل الفجوة الكبيرة أو الثقب الأسود الذي لا بدّ لأيّ سعي إصلاحي أن يبدأ منه، لأنّ كشف الحقائق هو الخطوة الأولى في المسار العلاجي… تماماً مثل الطبيب الذي عليه أولاً تشخيص الداء بدقة تامة حتى يستطيع بعد ذلك إعطاء الدواء الشافي…
طبعاً الحقيقة الكاملة موجودة عند حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يعرف كلّ دولار أين صُرف وأين ذهب ومَن هدره ومَن هرّبه وإلى أين… حتى وصلت الخسائر إلى هذا الرقم الفلكي… طبعاً هذا عدا عن الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الخزينة العامة على مدى السنوات الثلاثين الماضية نتيجة الهدر والفساد والتنفيعات من هنا وهناك، وهو ما لا يغيب أيضاً عن الحاكم نفسه…
هناك تسريبات إعلامية تقول إنّ الحاكم سوف يستجيب لدعوة رئيس الحكومة وسوف يخرج ليصارح اللبنانيين بالحقيقة… لننتظر ونرى على أمل إبقاء هذا الموضوع في الإطار التقني البحت… على قاعدة 1 + 1 = 2… بعيداً عن السياسة والتسييس حيث يمكن أن يصبح 1 + 1 = 11 أو 111 أو «قدّ ما بدكم»…!
*خبير مالي واقتصادي