«قمر الفقراء البعيد»
} مريانا أمين
قمر الفقراء البعيد منذ آلاف السنين؛ وكم وثقت الشعوب في العصور القديمة علاقتها به؛ فقدّموه كقرابين للآلهة كما فعل المصريون مع معبودهم آمون؛ واستخدموه كهدايا للأقارب والأصدقاء، لأنه يُعجن بحب ويُخبز بحب عندما يضربوه بأيديهم بلمسات خفيفة قبل وضعه في النار كي يقدّم أيضاً بحب وفرح؛ رغم الجهد من أجل الحصول عليه كانوا يعتبرون أنّ رائحته الطيبة تستحقّ كلّ تعب…
حتى في الأساطير ظهر كدلالة على الحب والوفاء كقصة الرغيف الذي كانت تصنعه إيزيس لزوجها في أسطورة (إيزيس واوزوريس) كي تثبت له حبها وإخلاصها المستمر…
و»قمر الفقراء البعيد» هو نفسه قمر الفقراء اليوم خاصة في بلادنا؛ فعندما يتحدثون عن الحرية والسلام يتحدثون عن رجاء الحقول …
عن حبة قمح طمروها بعرقهم لتنبت سنابل سمراء كجباههم النديّة… يتحدثون عنه في سهراتهم؛ في لقاءاتهم؛ في الحارات وعلى كلّ رصيف حتى بات حلمهم يبدأ من هنا! من رغيف يصعدون به الى السماء ليجعلوه بدراً يسطع في ليالي السمر …
فقراء لهم قمرهم الذي حصلوا عليه بعدما عجنوا بعرقهم ودمائهم التراب وعرفوا النار والعذاب لينبت عزة وكرامة لتحمي الارض والسماء…
فقراء اليوم حملوا السنبلة شعاراً للصمود والانتصار…
هذه السنبلة التي أريدَ لها أن تنحني فبقيت واقفة شامخة بفخر لأنها تدري قيمتها التي تفوق قيمة بحار الذهب الأسود…
هذه السنبلة! تدري جيداً أنّ دولاً وجمهوريات تخلت عن النفط مقابل الغذاء والغذاء أساسه رغيف الخبز؛ فكيف لبلادنا أن تتكئ على الخدمات والسياحة المهيأة للاندثار بأيّ لحظة بسبب وباء أو حرب وتنسى أن تحصّن الرغيف لتتكئ عليه ستصبح حتماً تحت خط الفقر …
لكن أوطاننا تعوّدت أن تُرقع الخطأ بخطأ أكبر منه… أما حان الوقت لنسدّ الفجوة في سنبلة…؟!