بورصة الغلاء تفتك بالمواطن والمطلوب إجراءات حاسمة قبل فوات الأوان بطرس سعادة: التفلّت الشامل وارتفاع الأسعار متعمّد من قبل التجار وعلى وزارة الاقتصاد تحمّل مسؤولياتها
} عبير حمدان
العبارة الأكثر تداولاً اليوم بين بائعي الخضار «كله على الدولار» والأسعار المعتمدة من قبلهم موحدة وكأنّ التنسيق متعمّد كي لا يكون هناك أيّ مجال أمام المستهلك للحصول على احتياجاته اليومية بأقلّ تكلفة ممكنة.
شكوى الناس وحدها الثابتة في مواجهة بورصة الغلاء الذي يفتك بالجميع ولا يستثني إلا من اعتاد على المتاجرة بكلّ شيء، ومن تاجر بدماء الناس في زمن التقاتل لن يصعب عليه أن يتاجر بلقمة عيش الفقير ليضاعف أرباحه، وقد تكون سياسة المقاطعة ناجعة في هذا الإطار للحدّ من جشع من لا يشبع. وعند كلّ جولة لنا تتكرّر الصرخة بحيث لم يعد هناك أدنى شكّ بأنّ كلّ شيء في هذا الوطن تضاعف سعره أمام غياب أيّ قيمة للإنسان، وكيف يمكن أن تُبنى الأوطان دون إنسانها…
حين بدأت الأزمة الصحية مع وصول وباء كورونا المستجدّ إلى لبنان تمّ ضبط إيقاع من ركب موجة المطالب المحقة واستغلها لأهداف مشبوهة، ولكن الآن ومع الارتفاع الجنوني للأسعار وغياب التدابير الفعلية والحازمة من قِبل وزارة الاقتصاد التي تكتفي بدعوة الناس إلى إرسال الشكاوى دون أن تعمد إلى محاسبة أيّ من التجار المسؤولين عن هذا التفلت، فإنّ الفقراء وذوي الدخل المحدود يجدون أنفسهم في خانة الاستهداف المباشر، لذلك لن يتورّعوا عن النزول إلى الشارع لرفع الصوت، ما لم يتمّ استدراك الأمر ومعالجته بشكل جذري.
شبح الوباء لم يزل حاضراً، وشبح المجاعة بدأ يتشكل، والمطلوب إجراءات حازمة قبل فوات الأوان.
عميد العمل
«البناء» وفي مواكبة منها لأوضاع الناس ومعاناته في مواجهة ارتفاع سعر الدولار والسلع والمواد الغذائية، سألت عميد العمل والشؤون الاجتماعية في الحزب السوري القومي الاجتماعي بطرس سعادة عن واقع الحال والخطوات الواجب اتخاذها فقال: «إنّ هذا التفلت الشامل وارتفاع الأسعار ليس وليد الصدفة إنما هو متعمّد من التجار الذين يحتكرون المواد الغذائية وكلّ مستلزمات الناس، المستودعات مليئة بكافة المواد ولكن هناك سوبرماركات تحدّد للزبون ما يريد ابتياعه، اليوم على سبيل المثال وفي إحدى المناطق رفضت السوبرماركت أن تبيع أكثر من ثلاث علب فول وهذا أمر غير مقبول ويجب أن يكون هناك محاسبة جدية في هذا الإطار».
أضاف: «سعر أيّ سلعة اليوم يتمّ ضربه بثلاثة أضعاف، هذا لم يعد تحقيقاً للربح إنما هو ربح مضروب بثلاثة، ووزارة الاقتصاد لم تقم بأيّ مبادرة فاعلة على أرض الواقع، إنما اكتفت بالبيانات. إننا نطالب الآن بنزول المفتشين مع القوى الأمنية على الأرض لاتخاذ التدابير والإجراءات بحق كلّ التجار الذين يتلاعبون بلقمة الفقراء».
ولفت العميد بطرس سعادة إلى أنّ «الناس إن تنوء تحت وطأة الفقر وهي على طريق الجوع، ولذلك يجب على الحكومة وخاصة وزارة الاقتصاد القيام بواجبها لحماية المواطن من جشع التجار، وأن يكون هناك حلّ جذري يضبط التفلت الحاصل ويقطع الطريق على أصحاب المشاريع المشبوهة».
برو: لإيقاف كلّ أشكال الاحتكار
من جهته لفت رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو إلى أنّ على الحكومة أن تتحمّل المسؤولية مجتمعة وقال: «نحن دعونا الدولة منذ البداية إلى تحمّل مسؤولياتها لجهة الحدّ من سياسة الاحتكار التي يعتمدها كبار التجار من خلال ربط الاستيراد بموضوع الدولار، لذلك علينا التوقف عن محاربة طواحين الهواء والتركيز على معالجة المشكلة من الجذور، وهذا العلاج يبدأ حين تقوم الدولة بإيقاف كلّ أشكال الاحتكار وتجمّد الأسعار ولتكن هي المستوردة بمعنى أن نخرج من دائرة الخصخصة حتى على صعيد الاستيراد».
وأضاف:» يجب توقيف مبدأ الاحتكار والتوقف عن الاستقواء على التاجر الصغير، وأساس العلّة في الأداء السياسي لهذا النظام المختبئ خلف الطوائف، ومن هنا أؤكد أنّ الأمر أكبر من وزارة الاقتصاد حيث أنّ القرار بالمعالجة يجب أن يكون جماعياً، وإنْ لم يحصل التغيير المرجو سيكون العنف في الشارع هو أحد الحلول لأنّ الناس جاعت وحين يجتاح الجوع المجتمعات لا بدّ من صرخة مدوية وقادرة على التغيير».
المقاطعة لكسر الاحتكار
تدعو عفاف شرارة (ربة منزل) إلى مقاطعة كلّ من يرفع الأسعار، وتقول: «علينا ان ننتهج مبدأ المقاطعة والتوقف عن شراء المواد الغذائية إلا عند اللزوم، وهذا الأمر ينسحب على الدولار فحين نتوقف عن الشراء والبيع جميعنا سيضطر من يتلاعب به على التوقف، شخصياً يمكنني الاستغناء عن أشياء كثيرة وبالتالي أبتاع ما أحتاجه وبكمية قليلة، وإذا ما اتحدنا على هذا المبدأ سيشعر التجار بالخطر المتمثل بكساد بضائعهم وسيضطرون لتخفيض الأسعار».
وتضيف:» الصعود الصاروخي للأسعار دفع الناس إلى الشارع ومن جهتي أرى أنّ التظاهر في وجه الغلاء مشروع شرط أن لا يتمّ استغلال الفقراء لتمرير مخططات مشبوهة، اليوم القيمة الشرائية في الحضيض والموظف الذي لم يُطرد من عمله أصبح مردوده بلا أيّ قيمة، كلّ المواد الغذائية والخضروات ارتفعت أسعارها بشكل غير مقبول، وهل هناك من يفسّر لنا لماذا اصبح سعر الغالون 4 ليتر زيت أكثر من أربعين ألف ليرة، وكيلو لحم البقر تخطى الثلاثين ألف ليرة وكيلو البرغل بخمسة الاف ليرة قابل للزيادة يوماً بعد يوم، ناهيك عن الخضار حيث أنّ كيلو البندورة بأربعة آلاف والحمضيات الى آخره…»
وتختم قائلة: «الأيام القادمة صعبة إن لم يعمل المعنيون بشكل جدّي على الحدّ من هذا التصاعد الجنوني للأسعار، ونحن نأمل ان لا نبلغ الهاوية من خلال معجزة».
أما المهندس قاسم خليفة (دكتوراة في هندسة الكمبيوتر والمعلوماتية) فقال: «المشكلة نفسها منذ عقود، انها الترويكا التي حكمت البلد منذ 1992 وخطتها مدروسة لجهة ارتفاع الأسعار واحتكار السلع من التجار المحسوبين عليها، والدخول على خط الشارع الذي أصبح منقسماً حيث يتمّ تغييب صرخة الجياع والفقراء على حساب صرخات لها خلفيات سياسية نعرفها جميعنا».
وأضاف: «في الشارع هناك أناس جاعوا فأطلقوا صرختهم، وهناك من هو تابع للزعماء، وعلينا ان نميّز جيداً بين الجائع والتابع، الترويكا السياسية القديمة الجديدة تخشى لا تريد أن تظهر سرقاتها إلى العلن وهنا بيت القصيد، ولكن هل هناك من يمكنه إيقاف ثورة الجياع؟! في بلدة الصرفند على سبيل المثال لا الحصر قامت مجموعة من الشباب بإقفال التعاونيات احتجاجاً على الغلاء وبرأيي لن ينتهي الأمر عند هذا الحدّ».
وختم: «أنا متوقف عن العمل منذ بدء التعبئة العامة في وجه انتشار وباء كورونا المستجد، وكوني متعاقداً فهذا يعني أنني في إجازة قسرية بلا مردود، وكثيرون مثلي، والدولة لم تعمد إلى تأمين أبسط مستلزمات المواطن في ظلّ هذا الحجر الإلزامي وهذا المواطن اليوم بين حدّين أولهما المرض الآتي على شكل فيروس غير مرئي وثانيهما الغلاء، قد يصل العالم إلى لقاح مضاد للفيروس ولكن حبّذا لو نصل إلى علاج لسطوة الغلاء».