مَن يقول للمودعين أين أموالهم وهل من نهاية لكابوس الدولار؟
} إيمان شويخ
شهدت الليرة اللبنانية انهيارا كبيرا خلال الحرب الأهلية حيث قفز سعر الصرف من 5 ليرات مقابل الدولار إلى 2500 ليرة مقابل الدولار، اي أن سعر الصرف تضاغف حوالي 500 مرة، وبعد اتفاق الطائف وضبط سعر صرف الليرة على أساس 1500 ليرة لم يمر على اللبنانيين أي شك باحتمال انهيار عملتهم الوطنية إلى تاريخ اليوم الذي لا حرب تبرر فيه هذا الانهيار، ولا مبررات منطقية توصل سعر صرف الدولار إلى 4000 ليرة، ولكن أسبابا كفيلة بانهيار الليرة تتمثل في العجز المستمر للموازنة وهو من أهم أسباب ضعف العملة الوطنية وانهيار قيمتها، ورغم وعود الإصلاح التي قطعتها الحكومات السابقة أمام الرأي العام والبرلمان وأمام الجهات الدولية التي تعهدت مساعدة لبنان، فإنها لم تنجح في تحقيق الإصلاحات التي تسمح بهبوط عجز الموازنة من 10 % من الناتج المحلي، وبعد انهيار الاقتصاد والعملة سوف يحلق العجز أكثر من هذه النسبة لأن إيرادات الدولة سوف تتناقص وسوف ينكمش الاقتصاد اللبناني، ويتراجع حجم الناتج، وتراجع إيرادات الدولة بدوره سيؤدي إلى تراجع أرباح الشركات وضعف القوة الاستهلاكية للأسر فتتراجع عائدات الضرائب على الدخل والاستهلاك.
ولما كان شعار حاكم مصرف لبنان الدائم «الليرة بخير» عجز مصرف لبنان اليوم عن الدفاع عنها وجعلها بخير لأسباب تراكمت قبل أن تقع الواقعة النقدية المتمثلة بالانهيار الدراماتيكي لليرة، وذلك بسبب الوضع المأساوي لموجوداته بالعملات الأجنبية، فالمصرف المركزي مكشوف بالعملات بمبلغ لا يقل عن 50 مليار دولار، حيث بلغت إيداعات المصارف في مصرف لبنان سقوفا تاريخية غير مسبوقة، فوصلت في آخر إحصاء منشور عن كانون الثاني 2020 إلى ما يعادل 117 مليار دولار، بينها 80 مليار بالدولار الأميركي حسب التقديرات، بينما تبلغ موجودات المركزي بالعملات الأجنبية 28 مليار دولار مودعة في الخارج. فتكون الهوة بين مطلوبات المركزي من المصارف وبين موجوداته حوالي 52 مليار دولار. فكيف يدافع المركزي عن الليرة وبأي سلاح؟
والسؤال، هل يتحمل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة المسؤولية كاملة عما آلت إليه الأمور؟
صحيح أن الجزء الأكبر من المسؤولية يتحملها الحاكم لأسباب عديدة كونه المسؤول عن المحافظة على سلامة النقد اللبناني حسب قانون النقد والتسليف، لكن السياسة الحكومية شريكة السياسة النقدية للمصرف في أسباب الانهيار.
فمسؤولية سلامة تكمن في إقراضه الدولة دون حدود وإجبار المصارف على إقراضها، وعدم ممارسة أي ضغط لكي تلجأ إلى الواردات العادية بدلا من الاستدانة، اما الطامة الكبرى فتجلت في استعمال سلامة لودائع اللبنانيين بدون حق أو مشروعية وهي ودائع المصارف لديه لتثبيت سعر صرف الليرة عند السعر الوهمي 1507.5 ليرة ما أدى إلى تبخر مدخرات اللبنانيين الذين باتوا عاجزين عن سحب ودائعهم. إضافة إلى استعماله أموالا طائلة تصنف في خانة الهدر الكبير في مالية مصرف لبنان على الإعلاميين والنافذين لكسب سكوتهم عن ممارساته وفشله.
مع ذلك فإنّ إقالة سلامة غير ممكنة إلا ضمن شروط صارمة في قانون النقد والتسليف، إلا إذا توصلت المؤسّسات التي ستكلفها الحكومة بتدقيق حسابات المصرف المركزي إلى اكتشاف مخالفات مالية جسيمة، وهذا أمر محتمل. فالمادة 19 من قانون النقد والتسليف حددت شروط إقالة الحاكم بحالات محددة،هي العجز الصحي، والإخلال بواجبات الوظيفة بحسب الفصل الأول من الباب الثالث من الكتاب الثاني في قانون العقوبات، اي المواد القانونية من ال 351 إلى 378 التي تتحدث عن: الرشوة، صرف النفوذ، الاختلاس، استثمار الوظيفة، اساءة استعمال السلطة، الإخلال بواجبات الوظيفة، اضافة إلى مخالفة أحكام المادة 20 من قانون النقد والتسليف، التي تذكر أن الحاكم ونوابه يتفرغون لوظيفتهم في مصرف لبنان ولا يمكن الجمع بين الوظيفة وعضوية مجلس النواب أو أي نشاط بأي مؤسسة، كما يحظر على الحاكم ونوابه أن يحتفظوا أو يتلقوا منفعة في مؤسسة خاصة. إضافة إلى أن ارتكاب خطأ فادح بتسيير الأعمال يعد من الأمور الموجبة لإقالة الحاكم.
وبين من يرى أن الإقالة تنطوي على حل لواقع نقدي مرير يوقف تدهور العملة الوطنية وارتفاع سعر الصرف الذي أقفل على 3800 قبل إعلان نقابة الصرافين التوقف عن العمل لضبط التلاعب بسعر الصرف فإن الإقالة إذا أتت في هكذا ظرف يئن فيه البلد تحت وطأة المجهول الصحي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي قد تؤدي إلى مزيد من التدهور وقد توصل الدولار إلى 20000 حسب ما قال وزير المالية في جلسة الحكومة الأخيرة.
فخسارة اللبنانيين في غضون أشهر قليلة 60% من رواتبهم وتعويضات نهاية الخدمة وودائعهم بعدما وثقوا بعملة بلادهم ولم يستبدلوها بالعملة الخضراء في الوقت المناسب، وهم اليوم يعانون ارتفاع الأسعار الفاحش الذي يربطه مسببوه بارتفاع سعر صرف الدولار، فضلا عن تعاميم أصدرها المصرف وقطعت الطريق على كل دولار ممكن أن يصل إلى جيب المواطن حتى التحويلات الخارجية التي صار لزاما أن يستلمها المواطن بالليرة اللبنانية يطرح السؤال التالي، ماذا بعد؟ هل يبقى المواطن يطارد العملة الخضراء وهي تهرب منه بشتى الوسائل، وهل إذا أراد تخزينها سيكون مضطراً لدفع ضعف ما كان يدفعه أو أكثر قبل حوالي ستة أشهر، ولماذا الإذلال؟ ومن يكشف الحقائق؟ من يقول للناس أين ذهبت 5،7 مليار دولار خلال الأشهر الماضية؟ وهل التعميم الأخير الصادر عن المصرف والذي حدد التداول ب 3200 ليرة سيكون خاتمة التعاميم بعدما خرق بعض الصرافين هذا السعر وتم توقيفهم عن العمل، وبات الإرباك سيد الموقف لدى الصرافين لتحديد سعر صرف موحد فيما بينهم، فضلا عن ضياع مواطن يقارن بين سعر الصرف لدى الصرافين عله يستفيد من سنت هنا أو سنتات هناك؟ ومن الآن حتى يخرج الحاكم عن صمته ويخبر اللبنانيين بالأرقام أين تبخرت الودائع، او أقله متى تعود وهل سيكون طريق الرجعة أصعب، يصعب التنبؤ بثبات سعر الصرف خاصة في ظل الاعتداءات على المصارف من قبل بعض المتظاهرين والتي قد تؤجج الوضع النقدي إذا ما استمرت المصارف بالإقفال، فمتى ينتهي كابوس الدولار؟