هل تصلح هزة عصا رئيس الحكومة ما أفسدته الطبقة السياسية المالية؟
} علي بدر الدين
تبدّدت الأجواء الساخنة التي أعقبت المواقف الجريئة التي أطلقها رئيس الحكومة حسان دياب من قصر بعبدا ومالت الى البرودة والاستقرار بعد أن نجح رجل المهمات الصعبة والإطفائي المنقذ المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في نزع فتيل الأزمة المستجدّة قبل استفحالها وتفاقمها وتأثيرها على السلم الأهلي والاجتماعي والمالي المهزوز، وهو أساساً واقف على حافة السقوط الى الهاوية لا سيما أنّ ردود الافعال عليها من القوى السياسية التي اعتبرت نفسها أنها المستهدفة كانت قاسية جداً ومخيفة إلى حدّ الخشية من إظهار سلاح المذهبية والطائفية، وهذا ما أشرت إليه مواقف مرجعيات دينية وسياسية وكلها تنذر بالشر المستطير.
حسناً فعل اللواء ابراهيم وقيادات سياسية حريصة جدا على الاستقرار وعدم الانزلاق الى ما لا يحمد عقباه، وخاصة انّ البلد والشعب في وضع كارثي اقتصادياً ومالياً وصحياً ومعيشياً ولا يحتملان حصول أيّ خضات جديدة قد تطيح بالأمل المتبقي الذي زرعه رئيس الحكومة بإعلانه عن قرارات شجاعة سوف تأخذ طريقها إلى التنفيذ وتشكل المدخل الذي لا بدّ منه لولوج الإصلاح والحلّ والإنقاذ مهما علا صراخ القوى السياسية المنغمسة «من ساسها إلى راسها» في الفساد والمحاصصة ونهب المال العام والخاص ولا يمكن بل لم يعد يقدر رئيس الحكومة على التراجع او الانسحاب من معركة محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين واسترجاع ما اختلسوه من أموال الدولة والشعب، وأيّ قرار مغاير يعني انّ لبنان دخل في الفوضى والمجهول لأنه سيفسح المجال لمواصلة الطبقة السياسية مشروعها الاستنزافي والإفقاري والتجويعي والتهديمي للدولة والشعب والمؤسسات.
ندرك جيداً انّ السياسة، وإنْ كانت فن الكذب ولكنها أيضاً فن الممكن وتحتاج الى نفس طويل لامتصاص الأزمات واستيعاب الخصم السياسي الأخر وكذلك غضب الناس وتأمين حقوقهم وأمنهم الاجتماعي والخدماتي، وهذا ما يمثله ويعمل له رئيس الحكومة الذي قال كلمته ولم يمش بل وقف عندها وتمسك بها وانْ استجاب لدعوات التهدئة وإعطاء فرصة جديدة أمام الساعين أقله لتفكيك العقد وللحلحلة علّ وعسى يتعقل البعض من القوى السياسية التي تستشرس للدفاع عن نفسها ومصالحها وأموالها الحرام المكدّسة في مصارف الداخل والخارج تمّ جمعها بالسلبطة والتشبيح والفساد وليس دفاعاً عن مصالح الوطن والمواطنين.
وانه في مرحلة المواجهة الاولى مع هؤلاء اكتفى بهزّ العصا كإنذار مبكر قبل الواقعة الكبرى، وحتماً هو يدرك والشعب أيضاً انّ المواجهة ستكون شرسة للغاية مع خصم سياسي محمي ومغطى ولا يزال قوياً ومحصّناً في كهوف طائفية ومذهبية وسلطة ومال ونفوذ ومن بيئات حاضنة متورّطة في ارتهانها وتبعيتها وحلمها لدخول الوظيفة العامة ولا زالت للأسف تعيش عقدة القائد والوالي والسلطان وهذا مكمن إضافي لضعفها وبقائها مرتمية في أحضان من تعتبرهم أولياء نعمتها.
ويبدو من خلال السجالات السياسية والإعلامية التي سادت منذ قنبلة رئيس الحكومة السياسية والمالية من القصر الجمهوري انّ اقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم تكن مطروحة، وانْ أوحى البعض بذلك وهي في الواقع كانت في إطار الاستئناس بالآراء ربما تكون لجسّ النبض واستجرار ردود الأفعال عليها وهذا فعلاً ما حصل وقد يكون فتح الأبواب أمام تسوية سياسية مالية جديدة وربما من مؤشراتها ونتائجها الحملة الأمنية على الصيارفة غير الشرعيين والمضاربين والمتلاعبين بأسعار الدولار، وإلا كيف يمكن تفسير هذه الحملة المفاجئة والسريعة والواسعة عليهم فيما التلاعب بالدولار بدأ منذ أشهر ولم تحرك الجهات المعنية ساكناً سوى إصدار تعاميم بالجملة والمفرق لم تنفذ مع بعض محاولات خجولة من القوى الامنية على بعض محال الصيرفة.
لا يعني بالضرورة ان تقف تداعيات ما حصل عند حدود الصيارفة لأنّ هؤلاء لهم ربّ عمل وهم مجرد دمى في أيدي حيتان المال وأصحاب المصارف ولا بدّ من إجراءات أهمّ وأكثر جدية وفاعلية للوصول إلى الخواتيم السعيدة…
هذه الخواتيم كانت منتظرة أمس من حاكم المصرف المركزي رياض سلامة للإجابة المقنعة على ما طرحه وطلبه رئيس الحكومة، وعليه يُبنى المقتضى، فإما فراق أو لقاء بين دياب وسلامة لتكون مصلحة لبنان واللبنانيين هي الجامع والقاسم المشترك… ولكن يبدو أنّ لسلامة أهواء أخرى جعلته يحجم عن مصارحة الناس وقول الحقيقة كاملة…