ورد وشوك
القاصي والداني في عالمنا اليوم يعاني..
ومازال مجهولاً الجاني..
صحيح أن للمعاناة درجات تختلف باختلاف وتنوّع المؤثرات الداخلية والخارجية في شرائح مجتمعاتنا الشرقية.. الاجتماعية منها والثقافية… المادية وأهمها المعنوية (النفسية) التي تُعزى إليها أسباب أغلب الأمراض العصرية إن لم نقل جميعها بلا استثناء بشهادة أصحاب أغلب الاختصاصات الطبية بوصفاتهم الدوائية.. مسكّنات ومعالجات للقلق والاكتئاب نتيجة للحياة اليومية…
بالرغم من ذلك لا زال الأمر مستنكرآ أن يراجع الفرد منا طبيباً مختصاً بالأمراض النفسيّة فهذا لعمري يعني اعترافاً ضمنياً باختلال في القدرات العقلية…
وعلينا إذاً أخذ التدابير الاحترازية لتجنب قصد العيادات النفسية. فالكل اليوم مطالب أن يلمَّ إلماماً مسؤولاً بكيفية إيلاء نفسه ومن حوله من أحبّة عناية بالصحة النفسية بمختلف الطرق المرعية وتوفير تكاليف التداوي التي أصبحت اليوم أرقامها فلكية، والأمر متاح بتتبع التجارب والحقائق العلمية المنشورة على صفحات التواصل العصرية، وأخذ العبر من قصص كانت خرافية، لكنها لهذا الزمان مواتية وتعتبر بمثابة حصص دراسية..
تحضرني منها حكاية الحمار والثور مع صاحب المزرعة الذي أعطاه الله قدرة التعرّف على ألسن الطير والحيوانات.
واحدة من قصص ألف ليلة وليلة الخيالية فيها يدخل الثور على الحمار فيجده راقداً مستريحاً. وفي معلفه شعير يركبه صاحبه لقضاء بعض أمره ثم يرجع به تاركاً إياه للاسترخاء من جديد.
قال الثور: هنيئاً لك ما انت فيه.. أنا تعب دائماً بالحرث وأنت غالباً مستريح وشغلك قليل..
ما كان من الحمار إلا أن يتعاطف مع الثور. فأشار عليه أن تظاهر بالمرض وامتنع عن الأكل والشرب يوماً أو يومين بعدها حتماً من التعب ستستريح..
ولسوء حظ الحمار كان صاحب المزرعة حاضراً الحوار..
في اليوم التالي بعد أن نفّذ الثور مشورة الحمار.. أمر التاجر أن يؤخذ الحمار للحراثة مكان الثور المتمارض..
وفي المساء عاد الحمار مسلوخ الرقبة شديد الضعف مما هو فيه إلا أن الثور شكره ومجّده..
الغريب في القصة، وعلى غير ما هو معهود عن الحمار أنه أعمل فكره للخلاص من مأزق وضع نفسه فيه فقال للثور: اعلم أني لك ناصح وقد سمعت صاحبنا يقول: إن لم يقم الثور من موضعه فأعطوه للجزار ليذبحه ويعمل جلده قطعاً، وأنا عليك خائف ولك ناصح..
وهكذا في اليوم التالي عاد الثور للحراثة ناشطاً فالعمل المجهد أهون من الذبح يا فالح.
صورة من صور عالم ألف ليلة وليلة جعلت من الحمار مفكراً بصيراً ومن الثور راضياً مرضياً.
والله إنه لأمر يبعث على التفكير والتدبير وإعمال مبدأ ثابت من غابر السنين «ما حكّ جلدك مثل ظفرك» يا أيها المخلوق العاقل، فكم من حمار وثور وتاجر رسموا لنا الطريق في الغالب، لكنه اليوم ماعاد سالكاً.
رشا المارديني