لماذا العثمانيّون وآل سعود متحالفون في لبنان فقط؟
د.وفيق إبراهيم
تتسم العلاقات التركية – السعودية بصراعات مفتوحة بين سياسات بلديهما في المناطق العربية المشتعلة باضطرابات داخلية تتقاطع مع احتلالات خارجية يبدو أن لبنان يشكل استثناء على هذه القاعدة الاحترابية التي تتفاقم في كل منطقة عربية او إسلامية مشتعلة، حتى أن السعودية ذهبت نحو جذب الاصلاح اليمني التابع للاخوان المسلمين، وبالتالي لفدرالية الاخوان الدولية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية التركي، ويترأسه الرئيس رجب طيب اردوغان.
لجهة هذا الصراع فسببه الخلاف الايديولوجي بين “اخوان” يرفضون الأنظمة الملكية وبين وهابية سعودية في خدمة ملكية آل سعود. لذلك فهو صراع على زعامة العالم الإسلامي.
بأي حال ينكشف بسرعة أن هناك هدنة مؤقتة بين البلدين في ساحة لبنان، خصوصاً في إطار التنسيق المبرمج بدقة بين مخابراتيهما والآليات السياسية اللبنانية المرتبطة بهما.
بداية، هناك انتفاضة شعبية حقيقية سببها الانهيار الاقتصادي الذي تتحمّل مسؤوليته الطبقة السياسية التي قادتها في السنوات السبع والعشرين الفائتة الحريرية السياسية المحسوبة على السعودية. لقد أوصل هذا الانهيار لبنان الى إفلاس حقيقي وهبوط كارثي لأسعار الليرة في بلد يستورد نحو ثمانين في المئة من استهلاكه، فظهر فقر وجوع شديدان متفاقمان الى درجة انفجار اجتماعي كارثي.
هذه الأوضاع الناتجة من تراكمات خطيرة لفساد رعته الحريرية السياسية وتحالفاتها.
هذه الأوضاع تدفع باللبنانيين الى انتفاضات شعبية حقيقية تريد وقف التدهور ومحاسبة المتسببين.
هذا ما دفع بالسعوديين الى العودة الى الميدان اللبناني بعد تراجع دورهم فيه بالتوازي مع تقهقر نفوذ حلفائهم المحليين بالإضافة إلى انكفاء السعودية عن سياساتها الإقليمية بسبب خسارة مشاريعها في سورية واليمن والعراق.
وباتت هذه العودة اسهل من السابق بسب انفجار اضطرابات في بلد تتسم كل واحدة من مناطقه بخصوصيات مذهبية وطائفية معينة.
ففي طرابلس وصيدا وبعض أنحاء بيروت الغربية والبقاع الغربي، هناك غالبية سنية، فيما تتسم مناطق شمالي بيروت والجبل بغالبية مسيحية مقابل غالبية شيعية في الجنوب والبقاع والضاحية وهكذا دواليك.
هذا ما جعل الدور السعودي في لبنان يذهب كعادته نحو اختراق حركة السنة بالمباشر والمسيحيين بالسيطرة على حزبي القوات والكتائب، وهذا ما نجحت فيه، عبر فريقين سياسيين محليين هما حزب المستقبل الحريري وبعض المنظومات الداعشية في الشمال.
اما هدفها فهو إرباك حزب الله في نفوذه الداخلي القوي، وتحميل إيران مسؤولية التدهور الاقتصادي والسياسي في لبنان.
مع العمل على إعادة تحالفاتها الحريرية الى تشكيل حكومة لبنانية جديدة.
هذا هو مشروع العودة السعودية الى لبنان بعد تراجع سعودي إقليمي كبير.
ماذا عن العثمانيين؟ لم تتمكن المراوغات التركية من بناء دور لها في لبنان بسبب الهيمنتين الأميركية والسعودية، لكن الطموح العثماني لم يغب لحظة، فكان يظهر على شكل زيارات عابرة ومساعدات لقرى من أصل تركي نسيها العثمانيون بعد رحيلهم عن لبنان في 1920، هذا بالإضافة الى اتصالات سياسية لم تنقطع، لكن كل هذه الوسائل لم تنجح بتأسيس دور تركي في لبنان.
بيد أن انفجار الأزمة السورية، دخول تركيا طرفاً اساسياً في تفاقمها ودعم إرهاب الإخوان المسلمين السوريين فيها، فتح لهم أبواب التنسيق مع الإخوان المسلمين اللبنانيين في معظم شمالي لبنان وعاصمته طرابلس.
لقد تعمّقت هذه العلاقات، خصوصاً في مرحلة عودة الدور التركي من خلال فدرالية الاخوان الى مصر وليبيا واليمن والعراق وسورية وتونس ومعظم البلاد العربية.
وكان طبيعياً ان يؤسس الاتراك علاقة «مخابراتية» الطابع مع «اخوان لبنان». وهذا ما توضّح في التظاهرات المتتابعة في طرابلس التي تبين أن قياداتها الفعلية والميدانية هم نوعان من المخابرات التركية من خلال الاخوان المسلمين المحليين، والسعودية بواسطة حزب المستقبل. وهذان الطرفان يتعاملان بأسلوب القطعة مع مجموعات تابعة للوزير السابق اشرف ريفي.
فكيف يصادف وجود قوى طرابلسية تابعة للعثمانيين والسعوديين على رأس تظاهرات يقودها متسللون أخذوا يشجعون الناس على تدمير مواقع ومحال ومصارف وتبين ان كل مراكز المصارف في هذه المدينة جرى تدميرها، باستثناء بنك البحر المتوسط الذي يملكه رئيس الوزراء السابق ورئيس حزب المستقبل سعد الحريري المرتبط بالسعودية.
هناك اذاً مشروع واحد له طبقتان: إقليمية خارجية تعكس صراعاً أميركياً سعودياً مع إيران وحزب الله وسورية، وهناك جناح داخلي يعكس إصراراً من الطبقة السياسية الفاسدة غير الموجودة في الحكومة الحالية، وتريد إسقاطها لإعادة تشكيل الحكومة الحالية وتريد إسقاطها لاعادة تشكيل حكومة لا تفضح ادوارها في سرقة لبنان وتدمير اقتصاده وتركيب ديون على الدولة قيمتها مئة مليار دولار مع نهب لأموال عامة وخاصة منذ 2006 تزيد عن 250 مليار دولار.
فلماذا هذا التوافق العثماني – السعودي في لبنان الشاذ عن صراع واسع بينهما يشمل العالم الإسلامي والمنطقة العربية؟
يقوم هذا التوافق المؤقت على ان حزب الله هو أقوى محور متحالف مع إيران في المنطقة العربية.
بما يعني أن أي هزيمة لهذا الحزب تستتبع انهياراً كاملاً للدور الإيراني في لبنان وسورية والعراق واليمن، وبما ان الآليات الداخلية اللبنانية من حريرية واخوان وجنبلاط وجعجع لا تعادل قوة حزب الله السياسية والشعبية والعسكرية. فهذا دفع باتجاه هدنة تركية سعودية تقود حركة اضطرابات فيها مجموعات كبيرة من الجياع والفقراء، لكنها تحتوي ايضاً على مئات من المتسللين والمرتزقة المحتمين بالخصوصية المذهبية لمناطق الاضطرابات.
هذا ما فرض على حزب الله الاكتفاء بالأجهزة الأمنية للدولة التي تعرف مدى الاختراق المخابراتي للتحركات المطلبية وتعمل على إجهاض واعتقال المتسببين بها بما يؤدي الى كشف الجهات السياسية الداخلية والإقليمية المحرّضة.
هناك اذاً سباق بين مشاريع الحكومة للإصلاح وبين مشروع تركي – سعودي يعتقد انها الفرصة المناسبة لتحجيم ايران وحزب الله.
وهذا يؤكد أن المشاريع الخارجية لا تأبه لمصاعب اللبنانيين ولا تفعل الا اتخاذهم حطباً ملتهباً لمشاريعها التي تشكل في النهاية جزءاً بسيطاً من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط.