مجلس الدوما: يجب إلغاء العقوبات الاقتصادية والتعاون بين الدول لمكافحة فيروس كورونا
} د. أحمد الزين
اكتسح فايروس كورونا العالم، لم يميّز بين دولة صغيرة وأخرى كبيرة، دولة متحضّرة أو نامية، في المحور الأميركي أو في المحور الروسي، أوروبية أو أميركية أو أفريقية أو شرق أوسطية.. ساوى في آثاره وتداعياته بين جميع الدول حتّى أنّه افتضح ضعف القويّ، وأظهر قوّة الضعيف.. فكأنّه سيف العدالة.. وكأنّه كاشف الغطاء عمّا كان مختبئاً في كواليس العالم تحت غطاء الضّخّ الإعلامي فبدا نظام العولمة هشّا ضعيفاً وبدت نظرية انفتاح الشعوب على بعضها البعض والدعم الإنساني الذي تقدّمه الدول الكبرى للدول الأضعف خدعة مفضوحة تتلطّى خلفها الدول “الاستعمارية” في سبيل تثبيت سيطرتها على موارد الدول التي تقلّ عنها قوّة.. فبدت الدول التي تعتبر نفسها قوى عظمى غير قادرة على القيام بمستوجبات شعوبها وبالتالي فهي حكماً لم تستطع مساندة الدول المحتاجة، واستطراداً لم يشهد العالم تضامناً دوليّاً يوازي الخطر المحدق به والّذي تسبّب به هذا الوباء القاتل.
وقد شكّل ما حصل في الأمم المتّحدة دليلاً قانونيّاً على أنّ التّضامن الدّولي مهزلة كبرى لا يمكن الوثوق بها والبناء عليها.
يتمّ في الظروف العاديّة، اعتماد قرارات الجمعية العامة بأغلبية الأصوات أو بتوافق الآراء. ولكن في ظلّ تفشي كوفيد 19، فقد فُرِض على السفراء أن يعملوا من منازلهم فكانت القاعدة الجديدة تقوم على مبدأ: “إسكات الإجراءات لجميع الأصوات”. وبموجب هذا الإجراء، فإنّه إذا كانت الدولة تدعم قراراً ، لن تفعل شيئاً أمّا في حال كان موقفها معارضاً فإنها ترسل رسالة بريد إلكتروني صامتة يُفهم من خلالها أنّها ترفض القرار مما يلغي الموافقة عليه حتّى لو كان قد حظي بدعم غالبيّة الدّول.
لم يكن للأمم المتحدة دور ملحوظ في محاربة وباء كورونا. لكن في الثاني من نيسان المنصرم تبنّت الجمعية العامة قراراً بشأن هذا الوباء وقد قدّمت هذا القرار في الأساس دول هي: النرويج وسويسرا وغانا وإندونيسيا وليختنشتاين وسنغافورة.. ويؤكّد هذا القرار على “الآثار غير المسبوقة” لوباء كورونا ويحضّ على “تعاون دولي مكثف لاحتواء وتخفيف الضرر من خلال تبادل المعلومات والمعرفة العلمية وأفضل الممارسات وتطبيق المبادئ التوجيهية ذات الصلة التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية”. وحول هذا القرار صرّحت سفيرة النرويج لدى الأمم المتحدة منى جويل لوكالة “أسوشييتد برس” قائلة: “في هذه اللحظة التي تتسم بدرجة عالية من عدم اليقين والقلق العالمي الناجم عن فيروس كورونا، من المهمّ أن يُسمع صوت الجمعية العامة للأمم المتحدة – بصفتها الهيئة العالمية للأمم – بصوت عال وواضح”.
وممّا أثار الريبة والاستغراب أنّه تمّت الموافقة على هذا القرار دون تقديم ورسم خطوط عامّة لأية خطوات عملية، ومن ثمّ تمّ، وفي الفترة نفسها رفض القرار الروسي الذي هو أكثر تركيزاً على النتائج ويتضمّن خطوات عملية واضحة حسب ما عبّر عنه فيدور ستورجيزوفسكي وهو المتحدث باسم بعثة روسيا التابعة للأمم المتحدة الذي أضاف قائلاً: “كنا مستعدين أيضا للعمل على دمج المسودّتين ومع ذلك، رفض داعمو القرار النرويجي مثل هذا السيناريو”.
ويؤكد مصدر روسي رفيع المستوى أنّ رفض هذا القرار جاء بدوافع محض سياسيّة وهو يندرج في إطار النكاية السياسية إذ كيف يتمّ رفض مثل هذا القرار المتضمّن لخطوات إيجابية يمكن العمل بموجبها في مكافحة الفايروس.. هكذا تقدّمت المصالح السياسية على الجوانب الإنسانيّة لدى الدول فسقط القرار في أحد أهمّ المحافل الدولية التي يفترض بها العمل على حماية العالم والإنسانيّة.. ويضيف المصدر الروسي أنّه تمّت صياغة مسودة القرار الروسي على أساس الاعتراف بالدور القيادي لمنظمة الصحة العالمية في مكافحة الوباء، والتخلي عن الحروب التجارية وتنفيذ تدابير حمائية، وعدم تطبيق عقوبات من جانب واحد دون موافقة كلّ من الأمم المتحدة ومجلس الأمن.. كذلك تضمّنت مسوّدة القرار الرّوسي نقاطاً أساسيّة منها الدعوة الى التعاون في معالجة الاضطرابات في التجارة الدولية، والتخفيف من الأضرار التي لحقت بالاقتصاد العالمي وتعزيز النمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم ، وتحديداً في البلدان النامية.
وقد كان لمجلس الدوما موقف واضح من رفض مسودة القرار الروسي وجاء هذا الموقف على لسان رئيس الصندوق العام الدولي “صندوق السلام الروسي” ورئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية، ليونيد سلوتسكي حيث قال إنّ البشرية تواجه خطراً لم يسبق له مثيل من خلال كوفيد 19. ولا يزال الوباء الذي انتشر في جميع البلدان والقارات تقريبا، يزهق ارواح البشر ويتمثل “أثره الجانبي” السلبي في الازمة الاقتصادية العالمية الوشيكة.
ويضيف سلوتسكي معبّراً عن اعتقاده أنّه لا يمكن هزيمة الفيروس إلّا باتحاد جميع دول العالم. وفي السياق ذاته، أعرب عن أسفه لانتفاء القدرة على التّوصّل إلى توافق في الآراء في موقف الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مشروع إعلان التضامن المقدّم من روسيا لمكافحة جائحة فيروس كورونا في حين كان من المفترض تأكيد التزام المجتمع الدولي بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة المتعلّق بتعاون الدّول في ما بينها أثناء الكوارث… لقد أكّدت الوثيقة الروسيّة على ضرورة تقديم المساعدة إلى البلدان المتضرّرة، وضرورة إيقاف كلّ أشكال الحروب التجارية والعقوبات الأحادية الّتي تمّ فرضها على بعض الدّول دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي، وضمان حصول السّكان على الغذاء والدواء بشكل عاجل… ورغم ما في هذه الوثيقة من إيجابيات فقد تمّ رفضها وحظرها، من قبل كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأوكرانيا وجورجيا، التي انضمّت لهذه الدول لأسباب سياسية محض.. حصل ذلك بالرغم من دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنتوني غوتيريس لدول مجموعة العشرين للتخلي عن القيود.
ويضيف سلوتسكي لقد فرضت الدول الغربية التي لا تني تتغنّى بالديمقراطية وحقوق الإنسان أنواعاً مختلفة من العقوبات على ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضية وهي لا تنوي تخفيفها في ظلّ انتشار فيروس كورونا. مثل هذا الخط اللاإنساني يجعل من الصعب الحصول على رعاية طبية لمواطني دول مثل إيران وفنزويلا، ويقلّل من فاعليّة انتعاش الاقتصادات الوطنية، بما في ذلك دول القارة الأوروبية.
ويختم سلوتسكي قائلاً: “بصفتي رئيس صندوق السلام الروسي ورئيس لجنة مجلس الدوما الروسي للشؤون الدولية، أناشد جميع السياسيين العقلاء في قيادة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا والمنظمات الدولية والبرلمانية وغير الحكومية الرائدة التخلي عن سياسة العقوبات المدمّرة في ظروف تهديد الوباء العالمي، حان الوقت للتوقف عن التفكير في نموذج الاحتواء الذي يضع الناس العاديين على حافة البقاء على قيد الحياة. وسيواصل صندوق السلام الروسي، من جانبه، تقديم المساعدات إلى الدول المتضررة من جائحة كوفيد 19 بكل الوسائل الممكنة”.
في محصّلة نهائية فإنّه من المفيد القول إنّه يتوجّب على المنظمة العالمية صياغة مسودة شاملة بدلاً من النظر في العديد من الإجراءات المنفصلة.. ومع أنّ قراراتها ليست ملزمة قانوناً ولكنها مقياس مهم للرأي العالمي… وقد بات معروفاً لكلّ من يعيش على هذا الكوكب المأزوم أنّ الاقتصاد العالمي بات على المحكّ وبات لزاماً على الدول وقف المناكفات في ما بينها في سبيل إعادة تحطّي هذه المرحلة المفصليّة في تاريخنا الحضاري.