سيناريوات دياب الافتراضيّة والخطة الاقتصاديّة
ناصر قنديل
– غالباً ما يرغب المحللون والمعلقون بربط ميزات وأساليب القادة السياسيين بعادات اكتسبوها من تخصص علمي أو هواية أو نشأة ثقافية واجتماعية، كما يحاول علماء علم النفس الاجتماعي ربط منظومة قيم الشعوب وذاكرتها الجمعية بتاريخها الثقافي والاقتصادي، كالحديث عن علاقة الأسلوب الإيراني في إدارة الوقت والسياسة والحرب على طريق حائك السجاد، وعلاقة المنظومة الأميركية المقابلة بذهنية وقيم لاعب البوكر والبورصة، ومثلها صار سائداً في حديث الصالونات السياسية اللبنانية ربط صرامة وعناد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بنشأته العسكرية، وربط نظرته لإدارة الموارد والمناورات وتحديد الخيارات بتمرّسه بمواقع قيادية عسكرية ميدانية وصولاً لقيادة الجيش في زمن الحرب. وهكذا لا يمكن فصل نهج الرئيس سعد الحريري ومثله الرئيس نجيب ميقاتي عن تاريخهما وحاضرهما كرجلي أعمال، وارتباط أسلوب كل منهما في التفكير بمعادلات ربح وخسارة، واختلافهما بين ذهنية المقاول ورجل البورصة، كذلك لا استبعاد تأثير عقلية المصرفي عن خلفيات الرئيس فؤاد السنيورة ومقارباته، وأساليبه المتعددة الطبقات، كدفاتر المحاسبة المتعددة، مقابل تشبّع أسلوب الرئيس تمام سلام بالخلفية البيروتية التقليدية التي اختصرها والده الراحل صائب سلام بشعار التفهّم والتفاهم.
– المثال الذي يروج استعماله في توصيفات السياسة أكثر من سواه، يطال الرئيس نبيه بري كلاعب سنوكر، وطريقته في توجيه الرسائل بضرب طابة ليصيب طابة أخرى، ويريد المثال أكثر من اختصار نباهته وذكائه من خلال هذا التوصيف، لشرح تقنيات تعبيره عن هذا الذكاء وهذه النباهة. ومثله سيحضر في مقاربات قادمة كثيرة الحديث عن تأثير أستاذية الدكتور حسان دياب في علوم البرمجيات والكمبيوتر، على أدائه السياسيّ، وإدارته للملفات، وتعامله مع الأزمات، وهو قد كشف بعضاً منها في لغته المستخدمة لدى حديثه عن وباء كورونا يوم أمس، عندما قال إن برنامجاً تنبؤياً روبوتياً متطوراً قد تم اعتماده في رسم السيناريوهات الافتراضية المختلفة لحالات تفشي الوباء، ومن يقرأ الخطة الاقتصادية والمالية سيجد فيها إشارة واضحة لأكثر من سيناريو، يعرف الذي يعرفون أساتذة علوم الكمبيوتر والبرمجيات أنها عندهم ثقافة ونمط سلوك، فيستغرب البعض مثلاً كيف ينتقل الرئيس دياب في موقفه المتشدّد من شروط عودة المغتربين حتى حدود الإيحاء بمعارضته للمبدأ، إلى مشرف دقيق ومتحمّس على العودة، وفقاً للشروط المتشددة. وهو قام بالأمر بطريقة باردة، بحيث إنه لم يكن يمانع بالتوصل لتفاهم على تأجيل الملف، وفقاً لسيناريو رقم واحد، والسير بالعودة ضمن شروط متشددة وفقاً لسيناريو رقم إثنين وربما هناك سيناريو رقم ثلاثة لم يحتج لبحثه وتظهيره. كذلك في قضية التعيينات المالية، فقد تنقل بين سيناريو رقم واحد وهو آلية متقدّمة للتعيينات، وسيناريو رقم إثنين لتعيينات واقعية تلبي الشروط المعقولة ويمكن تمريرها، وربما انتقل إلى السيناريو رقم أربعة وهو سحب البند عن جدول الأعمال، عندما اجتمع التعسر مع مواصفات دون المقبول، وبقدر ما يشهد مفاوضوه لعناده عند وضع أي سيناريو على الطاولة، يستغربون سرعة انتقاله لسيناريو جديد عند التيقن من الطريق المسدود، وقد حدث هذا بوضوح في مفاوضات تشكيل الحكومة وعدد الوزراء.
– سيكون من الصعب مناقشة الخطة الاقتصادية المالية للحكومة دون فهم ذهنية أستاذ البرمجيات والكمبيوتر، وروبوتات التنبؤية المستقبلية للفرضيات، كبرمجيات حديثة في علوم الإدارة. فالواضح من الصيغة التفصيلية للخطة، أنها تضمنت مبادئ وأهدافاً وقواعد، مبنية وفقاً لغرضية بلوغ نقطة التوازن بين معادلتين، الأولى مراعاة الضوابط والشروط للمتحفظين على التوجه لصندوق النقد الدولي وفي مقدمتهم حزب الله، والثانية الحرص على جعل هذا التوجّه نحو الصندوق مقصد السيناريو الأول، والتمسك بالشروط والضوابط لا يستطيع أحد الاعتراض عليه، لا في الداخل ولا في الخارج، رغم وضع مقاربات قاسية لملفات أخرى مالية ومصرفية ومقاربات نوعية لملفات اقتصادية واجتماعية، علماً أن أسلافه في رئاسة الحكومة كانوا سيتخلّون عنها سلفاً تحت شعار أنها لن تحظى بقبول الصندوق، لكن الرئيس دياب يقارب هذا الخيار كسيناريو أول، محققاً نتائج فورية من خلاله قبل ظهور النتائج بقبوله أو رفضه أو طلب تعديله من قبل الصندوق، والسيناريو مصوغ بطريقة تضعه بين القبول وطلب بعض التعديلات، وأبرز نتائج مخاطبة صندوق النقد وفق الخطة ستكون فتح الباب لمفاوضات جانبية ملحّة مع ثلاث جهات، الأولى هي الدائنون، والثانية هي فرنسا المتحمّسة لفتح ملف سيدر، لكن بعد مخاطبة الصندوق، والثالثة هي جهات عربية أعربت عن رغبتها بالمساعدة وطلبت البدء بمخاطبة الصندوق بخطة مهنية وجدية.
– النتيجة السياسية أن الخطة ستسقط الكثير من أوراق الخصوم السياسيين للحكومة، من دون إسقاط روحية الضوابط التي ترفض بيع أصول الدولة، وترفض فرض ضرائب جديدة وأعباء إضافية على الفقراء، وتحمل المصارف ومصرف لبنان وكبار المودعين الذين استفادوا من الفوائد المرتفعة، والسياسيين والمقاولين الذين أثروا بطريقة غير مشروعة من المال العام، أعباء أساسيّة في عملية توزيع الخسائر. وسيشهد اجتماع بعبدا الذي دعا إليه رئيس الجمهورية لمناقشة الخطة صعوبة صياغة خطاب معارض من قيادات دأبت على الدعوة للتوجّه نحو صندوق النقد الدولي، وربما سيدعوهم دياب لمساعدته في إقناع الجهات المانحة بعدم إسقاط التوجّه للصندوق وفقاً للخطة، لأن السيناريو رقم إثنين أشدّ قسوة، وهم خلال شهور يخوضون حرباً افتراضية عنوانها أن حكومة دياب لن تجرؤ على التوجّه للصندوق، وها هي تفعل ذلك فماذا عساهم يقولون؟
– ربما سيتكفل الفرنسيون بشرح الموقف لحلفائهم الأميركيين ومن خلالهم لصندوق النقد، ولحلفائهم اللبنانيين، بأن ثمّة سيناريو مرعباً ينتظر الانهيار كفرضية ومعها تعميم الفوضى التي تطل برأسها شمالاً، في ظل ضعف محقق ومؤكد في نفوذ القيادات التقليدية على الشارع، ونمو مجموعات جديدة ذات خلفيات تتيح عودة ظهور تشكيلات مشابهة لفتح الإسلام، وداعش والنصرة، وتراجع قبضة الدولة وأجهزتها، وصولاً لشبه خروج الوضع عن السيطرة، وبعض المتشائمين الغربيين بدأ بالحديث عن إمارة لتنظيم القاعدة شمالاً خلال سنتين، واستحالة القيام بعملية تأمين لاحقة من دون الاستعانة بالجيش السوري، وما يعنيه ذلك في السياسة، ربما يكفي ذكر سورية كي تكون وسائل الإقناع قوية وفعالة.