لماذا يسعى الحريري إلى تعطيل الخطة الاقتصاديّة؟
محمد حميّة
تبدو مقاطعة الرئيس سعد الحريري لاجتماع القوى السياسية في قصر بعبدا لمناقشة الخطة الاقتصاديّة الحكومية، رميٌ واضح لإسقاط هذه الخطة عبر تحشيد قوى 14 آذار ضدها لسبب وحيد أنه يريد إسقاط الحكومة أو على الأقل الحؤول دون تحقيقها أي إنجاز حكومي يسجل لرئيسها حسان دياب.
فبحسب مصادر سياسية من غير المنطقي أن يرفض رئيس الحكومة السابق المشاركة في اجتماع لنقاش خطة اقتصادية لإنقاذ لبنان الذي يقع على شفير الانهيار، وذلك بحجج واهية كقوله إن المشاريع تُناقش في المجلس النيابي، علماً أنه وكما جرت العادة في لبنان فإن أي خطة أو مشروع وطني يحتاج أولاً الى تفاهم بين القوى السياسية كافة، الى جانب ان «الحريري الإبن» والحريرية السياسية شريكة أساسية في هذا الانهيار.
لذلك فإن مقاطعة الحريري لعبة مكشوفة بهدف حث أحزاب الكتائب والقوات اللبنانية ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على مقاطعة اللقاء، لاعتبار أن موقف الحريري سيؤثر على مواقف الكتل الأخرى فتحذو حذوه في المقاطعة. وكأن الحريري يريد بذلك تجديد الانقسام السياسي في البلد من جديد حول الحكومة على أساس 14 و8 آذار في محاولة لعرقلة مهمة حسان دياب وعبر الإيحاء للخارج بألا غطاء داخلي للحكومة وخطتها وبالتالي منع أي دعم مالي وسياسي لها، وبالتالي قد يدفع ذلك بصندوق النقد الدولي الى التريث بدعم لبنان، كما يحاول رئيس المستقبل تعطيل مؤتمر «سيدر» الذي وعد لبنان بـ 11 مليار دولار رغم أن فرنسا وبحسب معلومات «البناء» لا تزال تصرّ على تنفيذ مقرّرات المؤتمر ودعم لبنان حتى الآن وتعتبر أن اتفاق القوى السياسية على خطة اقتصادية مالية واضحة مع بدء عملية الإصلاح، هي الطريق الأساسية لحصول لبنان على هذه الأموال. لذلك يحاول الحريري اليوم الإساءة الى صورة التضامن السياسي اللبناني لعرقلة مساعدة صندوق النقد ومؤتمر «سيدر» لكشف رئيس الحكومة ودفعه الى الاستقالة السريعة أو دفع البلد الى الصدامات الداخلية بسبب الجوع الذي سيبلغ أشدّه في شهر حزيران المقبل بحسب توقعات الخبراء الاقتصاديين ما سيؤدي الى اضرابات وارتفاع نسبة الجرائم وتعميم الفوضى وربما الفراغ في الحكومة. أما هدف الحريري فهو العودة الى رئاسة الحكومة وتأليف حكومة جديدة ليحصد أي إنجاز ممكن أن تحققه حكومة دياب، ويحاول شحذ كامل أسلحة المواجهة كتوجيه بعض الانتقادات لحزب الله والتخويف من ضرب اتفاق الطائف والتصويب على «غريمه» دياب كخارج عن «بيئته الطائفية» الى جانب تصوير وكأن هناك استهدافاً للمكوّن السني في لبنان!
وبحسب المعلومات، فإن الحريري انتهى سعودياً أو على الاقل في المرحلة الراهنة ولم تعد قيادة المملكة متمسكة بعودته، لا بل تريد استبداله بقيادات جديدة على الساحة السنية وقد تندفع الى التعاون مع الرئيس دياب في مراحل لاحقة أو مع أي رئيس آخر من خارج نادي رؤساء الحكومات التقليديين عند انجلاء المشهد الإقليمي والدولي وانفراج العلاقات السعودية – السورية تحديداً.
فالمعادلة الإقليمية التي تُمسك بزمام الحريرية السياسية في لبنان ليست افضل حالاً من المعادلة السياسية الداخلية التي لعبت لغير صالح بيت الوسط، مع عملية خلط الأوراق وتغير خريطة التحالفات والأولويات بين القوى السياسية كافة لا سيما بعد التسوية الرئاسية الاخيرة وما تخللها من احداث محلية ومتغيرات إقليمية ودولية، فعلاقة بيت الوسط – معراب لم تعد الى طبيعتها حتى الآن وقد أصيبت بكدمات وتشققات يصعب لحمها مع رفض القوات إسقاط الحكومة او الانضواء تحت لواء إسقاط العهد كما تقول مصادرها لـ»البناء» مع عدم ثقة معراب ببيت الوسط بعد «تخاذل» الأخيرة وتخليها عن حليفها جعجع أبان التسوية مع العونيين. أما العلاقة مع دارة المختارة فليست أفضل حالاً رغم التقاء مصالح «الدارين» في بعض الملفات فيما تتحدّد العلاقة بين معراب والمختارة على «القطعة». ما يؤشر الى أن لا إمكانية في المرحلة الحالية لإقامة جبهة سياسية موحّدة من هذه الأحزاب الثلاثة ضد الحكومة والعهد او ضد حزب الله، لا سيما بعد الارتدادات التي خلّفتها أحداث 17 تشرين التي أصابت الأحزاب الثلاثة في «عرينها». فالمستقبل فقد مصداقيته في الشارع السني كجزء من السلطة التي حكمت منذ 1992 حتى الآن والمسؤول الأول عن الانهيار الاقتصادي والمالي الراهن وبالتالي فقد قوة الحشد التي كان يملكها في السابق ولا يستطيع إسقاط الحكومة في الشارع، أما الاشتراكي فلا يريد تحمل مسؤولية اسقاط الحكومة وحده امام جمهوره ولئلا يحرق كامل مراكبه مع العهد وحزب الله، أما القوات فانضمامها الى جبهة سياسية مع المستقبل والاشتراكي سيضعها في إحراج شديد أمام شارعها وهي التي سارعت الى إعلان الطلاق السياسي مع الحكومة والسلطة والقوى السياسية والالتحاق بـ «ثورة» تشرين ومناهضة اي سلطة جديدة وميّزت نفسها عن فساد السلطة وأحزابها، فكيف تعود اليوم للانخراط بحلف سياسي مع حزبي السلطة الرئيسين وهما المستقبل والاشتراكي! ما يعني ان الحريري وصل الى طريق مسدود، فما هو البديل الذي يبحث عنه؟ ولماذا قصد حزب الله؟
مصادر حزبية أكدت لـ»البناء» حصول اللقاء بين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله السيد حسين الخليل والرئيس الحريري في بيت الوسط منذ أيام وبطلب من الحريري نفسه، رغم «نفي بيت الوسط لدواع خارجية». واشارت مصادر أخرى لـ»البناء» الى أن «الحريري يبحث عن ضمانات لمستقبله السياسي ويريد حجز مكانة في المعادلة السياسية الداخلية. فالحريري يشعر بأن نجاح الرئيس دياب في مهمة الإنقاذ الوطنية تهديد له وللحريرية السياسية برمتها، فإن تمكّن دياب من تثبيت نفسه ودور ريادي في عملية إنقاذ الدولة فهذا يعني إلغاء مركزية «الزعامة السنية». وتشير المصادر الى «فشل الحركة الأميركية الأخيرة على الساحة اللبنانية في إعادة إحياء فريق 14 آذار واستعادة مرحلة العام 2005 لاسباب داخلية وإقليمية»، ولفتت الى أن «التلويح بالحرب الإقليمية على لإيران ومحور المقاومة مجرد تهديدات لا افق لها»، لذلك لم يعد لدى الحريري سوى حزب الله لمحاولة إعادة تعويم نفسه في المرحلة المقبلة، وهذا ما يفسر تجنبه الهجوم على الحزب باستثناء بعض «اللطشات» وترك «شعرة معاوية» معه علّ الحريري يلقى دعم الحزب لإبرام تسوية سياسية حكومية جديدة تعيده الى «جنة السرايا» وحتى ذلك الحين تنصب حركة الحريري على إضعاف دياب ومنعه من تسجيل إنجازات على المحور الاقتصادي عبر الاستعانة بسيدر وصندوق النقد.