يا منهوبي لبنان اتحدوا… ولا تراهنوا على أموال مفخخة!
} علي بدر الدين
منذ ولادة حكومة مواجهة التحديات والفريق السياسي المتضرّر من وجودها والقلق على مصالحه يتوقع بل يرغب ويتمنّى ويسعى لسقوطها او لإسقاطها مبكراً وبالضربة القاضية، وهو لم يوفر جهداً أو وسيلة إلا ولجأ إليها لتحقيق هدفه قبل أن يقوى عودها وتتمكّن من بسط نفوذها وسيطرتها على كلّ مفاصل الدولة والسلطة والقرار والأهمّ ان لا تنجح حيث فشل هذا الفريق وأغرق البلد بالديون وبانهيار اقتصاده وإفلاسه مالياً وشلّ ومصادرة مؤسّساته وهو يدرك تماماً وقد حكم ٣٠ سنة انّ السلطة تعني القوة والنفوذ والقرار وانّ الجميع رهن إشارتها ولا يردّ لها طلباً او أمراً في أيّ شأن أو قضية.
وحاول هذا الفريق إجهاضها أو وأدها بكلّ وسائله المتاحة تارة بركوب الحراك الشعبي او الانتفاضة او الثورة وتارة أخرى بإعادة إحياء لقاءات رؤساء الحكومات السابقين الذين لا يجتمعون إلا للشديد القوي على رأي إخواننا المصريّين أو بإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية من دون طائل لأنّ رئيس الحكومة حسان دياب أكد في أكثر من مناسبة أنه لن يستقيل وانّ الحكومة لن تسقط وأعلى ما في خيلكم اركبوه.
هذه الحكومة التي راهن البعض على سقوطها أو اقله فشلها وذهاب ريحها صمدت وسلكت طريق العمل والمواجهة وانْ ببطء غير مقنع للبنانيين الذين وثق معظمهم فيها وهي الخيار المتاح في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة من تاريخ لبنان وقد يكون لهذا البطء ما يبرّره ومنه انّ ولادتها كانت قيصرية، ولأنها أبصرت النور على وقع انتفاضة شعبية وما رافقها من إقفال للطرق ومواجهات مع القوى الأمنية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، والأكثر خطورة التي لم يتوقعه أحد هو غزو فيروس كورونا الذي أثار الهلع بين الناس وأوقع ضحايا ومصابين وأقفل البلد وعطل المصالح وفاقم الأزمات والمشكلات وتحوّل اللبنانيون الى عاطلين من العمل والبقية معروفة، وزاد الطين بلة إقفال المصارف وتهريب عدد من السياسيين وحيتان المال وأصحاب المصارف أموالهم إلى الخارج التي هي عملياً أموال المودعين التي تمّ السطو عليها بكلّ وقاحة وتحوّلت الى مزاد علني وابتزاز ومشاريع لتشريع نهبها والمتاجرة بها وتضييع المودعين بفذلكات ومصطلحات لم يسمع بها معظمهم مثل «كابيتال كونترول» و«هيركات» وقبل ذلك هندسات مالية» ومصادرة نسبة منها أو فقط من المبالغ التي تتجاوز 500 ألف دولار ثم التلاعب بسعر صرف الدولار على حساب العملة الوطنية التي هبطت الى أدنى مستوى ما أدّى الى فلتان الأسواق وتحكم كبار التجار بأسعار السلع والمواد الغذائية على أنواعها الى حدّ لا يمكن تحمّله او السكوت عليه وقد نتج عنه انّ حط الفقر والجوع والمرض والذلّ رحاله في بيوت الفقراء الذين يعانون اساساً من الفقر والجوع والقلة من دون ان تقدر الدولة والحكومة ومصرف لبنان المركزي من لجم المتلاعبين بالوطن واقتصاده ونقده وبلقمة عيش المواطن.
انّ الحكومة نجحت في مكان ولم تنجح او يحالفها التوفيق في مكان آخر، ويمكن من خلال جردة حساب بسيطة مع انه من المبكر الحكم عليها، انها تجاوزت قطوع كورونا او أصبحت في الشوط الأخير من الخلاص منه بإقدامها على اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهته من دون أخطاء تذكر وهي تمكنت من إنجاح خطة جلاء المغتربين اللبنانيين من عدد من دول العالم ولكن مع وجود ثغرات كان يمكن تفاديها او التقليل منها كارتفاع أسعار تذاكر الرحلات وما تخللها من استنسابية في الأسماء التي ترغب بالعودة وفق كلام أكثر من مغترب وعلناً وحرمان مغتربين من العودة لعدم إمكانية وصول «الميدل ايست» إليهم وحصر العودة فقط بالشركة الوطنية الذي أبطأ العودة وساهم في تخفيض الأعداد التي ترغب بالعودة. يسجل للحكومة انها استطاعت نزع صاعق قنبلة لوائح أسماء المساعدات المالية والغذائية قبل أن ينفجر في وجهها وتتشظى منه مصداقيتها وتهتزّ ثقة الناس بها وقد تجاوزت فخاً نُصب لها وكان يُراد منه الإيقاع بها بعد ان تمّ حشو اللوائح بأسماء لا تستحقّ المساعدة وأكثريتهم من الأزلام والمنتفعين والمتوفين والموظفين، والأهمّ في هذه المساعدات أنها أصبحت في عهدة الجيش وسحبت من أيدي أحزاب السلطة وبلدياتها ومختاريها وأزلامها مما شكل ضربة جزاء ناجحة في مرماهم وهم الذين كانوا يتنعّمون بالمساعدات ويتاجرون بها وتوزع فقط على أبناء القبيلة والعشيرة ويحرم منها الفقراء.
أما اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وطلب المساعدة منه وانْ تأخر بعض الوقت لاعتبارات وطنية وسياسية واقتصادية ومالية كانت موضع درس ومتابعة من الحكومة ورئيسها واللجان المتخصصة التي ارتأت انه لا بديل عن الاستعانة به رغم شروطه الصعبة ومخاطرها وتداعياتها ولا ضير من ذلك، وخاصة انّ لبنان طلب مساعدته على مرحلتين المرحلة الأولى عام ٢٠٠٧ والثانية بعده ولم يتمّ تحديد التاريخ وقد حاولت حكومات لبنان السابقة تفادي الاستعانة بالصندوق تجنّباً لأيّ ضغوط تفرض عليها من الصندوق او من الولايات المتحدة لتغيير سياستها حول قضايا محلية وخارجية، وها هو التاريخ يعيد نفسه، لكننا على ثقة انّ الحكومة الحالية لن تخضع لأيّ ضغط سياسي او تتنازل عن ايّ حق لبناني مهما كان الثمن، ولكن هناك ايضاً ضغوط من نوع آخر على الصعيد الداخلي مطلوب من الحكومة تنفيذها مقابل الموافقة على مساعدة لبنان للخروج من أزماته الاقتصادية والمالية وهي كثيرة وقاسية جداً وكلّ ما في الأمر الا تكون على حساب الفقراء لأنه من شروط الصندوق زيادة الضرائب ووقف الهدر في المال العام معالجة الفساد الإداري وتخفيض الرواتب والأجور وإلغاء الإعفاءات من الرسوم والجمارك وشمولية تحصيل مستحقات الخدمات العامة وتسريع عملية الخصخصة لتحقيق أكبر قدر من العائدات وتخفيض العملة الوطنية وغيرها الكثير، يعني تنفيذ الخطة الإصلاحية كاملة من دون نقصان، وهذا يعني ايضاً انّ على الحكومة ان تكون حذرة وقادرة على اتخاذ قرارات شجاعة وحاسمة ومن دون تردّد او حسابات او مجاملة للشروع في تنفيذ الخطة الإصلاحية الاقتصادية والمالية والإدارية وبانتظار اكتمال هذه الخطة دستورياً وقانونياً وتشريعياً وإرسالها الى الصندوق والاطلاع عليها وإرساله وفداً الى لبنان للاطلاع ميدانياً وإبلاغ المسؤولين الملاحظات وما على ان يفعله ليحظى بثقة وموافقة الصندوق أمر قد يطول كثيراً وليس من المقبول أن تضع الحكومة كفها على خدّها وتنتظر الترياق المسموم والمساعدة المالية التي يمكن الحصول عليها إذا ما اتخذت الحكومة القرارات المطلوبة لاستعادة الأموال المنهوبة او إعادة تحرير الاملاك البحرية والبرية من مغتصيبيها أياً كانوا.
على الحكومة وهي تنتظر الفرج من صندوق النقد الدولي ان تنهي التلاعب بالدولار وتقطع دابر الجشعين وتعيد لليرة بعضاً من قيمتها الشرائية، وان تسمع وجع الناس وترى الفقر والجوع والحرمان الذي كشف البيوت المستورة وقد يذلّ أصحابها، واعتقد أنّ الحكومة التي تملك السلطة والقوة والضمير قادرة على وقف محاصرة الناس بالدولار وزجّ بعض الفاسدين في السجن كخطوة أولى لا بدّ منها لاستجرار الآخرين ومحاسبتهم قبل فوات الأوان وخاصة انّ الناس الجائعة او الخائفة من الجوع لن تتأخر في النزول الى الشارع للانضمام الى من سبقها ولن يفيد اتهام بعض المندسّين والذين يركبون الموجة لإرباك الحكومة أو إسقاطها والمفيد الإعلان عنهم وتسميتهم لأنّ الوقت ليس في صالح الوطن والشعب وعندها لا فائدة ترجى من صندوق النقد الدولي او غيره. على اللبنانين بانتظار الذي قد يأتي في مقبل الأيام و حتى لا يصابون بالخيبة عليهم ان يتحدوا ولا يفوّتوا الفرصة المتاحة أمامهم لاستعادة أموالهم المنهوبة من فم التنين السياسي قبل فوات الأوان.