أنا مثلُكم… فانقذوني
} إبراهيم مصطفى
… وتأخذنا الآراء والأفكار بعيداً وبعيداً جداً… فها هو الوطن الذي نفترش أرضه وسهوله ونشكو اليه أوجاعنا وجوعنا والآلام المسكونة فينا منذ الولادة… ها هو يترنّحُ بين سندان الحرب والمتراس ومطرقة الجوع والإفلاس ونسمعُ صراخه ليلاً نهاراً… أنْ انقذوني… أوقفوا قهر الساسة لي أعيدوا لي بريقي… يا أبنائي أنا مثلكم جائعٌ لمعاقبةِ سياسيٍّ أمعن في نهبي سراً وعلانية وأطعمني مرارة التشرّد ومدّ يد العوز للبنك الدولي ليفرض عليّ شروطاً تطال حريتي وتمعن في اغتصابي وتُلاحق تلك الثُّلة التي حرّرتني ورفعت لي رأسي وجعلتني أفاخرُ بأبنائي وشهدائي…
أنا الوطن المنهوبُ من شلةٍ باعت ضمائرها للخارح وجعلتني ملهىً ومسبحاً وباعت كرامتي… يا أبنائي…
أنا مثلُكم… أتوجّعُ من ساستي الذين اعتبروني عقاراً فباعوني وطريقاً فأهملوني ووزعوا جسدي بينهم بالتراضي ولم يوفّروا حتى عيوني… وتركوا شعبي يموت في الشوارع والبيوت وأعلنوني في خطاباتهم قطعةً من السماء وجنة الله على الأرض وهتكوا حُرمتي والعِرض وتفنّنوا في تعذيبي… قتلوني جلداً في نهارهم والمساء ونهبوا خيري والدماء…
يا أبنائي…
أنا مثلكم تتقاذفني معاركهم الوهمية وينخرون في جسدي كالسوس ويأكلون لحمي دون رأفة ويعلنون حروبهم فوق جثتي ويرقصون كلما تألمتُ أو توجّعتُ…
أنا مثلُكم لم أعد أطيق وجسدي أضناه الحريق فلا أجدُ إلّا أنتم… يا أبنائي…
فهذا يومكم…
قوموا وأنقذوني…
والعنوا الذين أكلوا من خيراتي وشربوا من مائي ثم أنكروني…
ليس لي غيركم…
أنتم روحي وبلسمُ جروحي… فأعيدوا بهائي وأزيلوا عنائي وكونوا الشمس في سمائي والعذوبة في مائي…
انا الوطن… يا أبنائي…
أستغيث… فجمّعوا ما تبقى من أشلائي
وأعلنوني وطناً بحجم طموحاتكم وأزيلوا كلّ من قتلني وقتل أمنياتكم…
أنا مثلكم يا أبنائي..
قتلني البرد والصقيع وأبراني ظلم الساسة ومنهجية القطيع…
فقوموا وأعلنوني مساحة حبٍّ وحرية قبل أن تضيعوا وأضيع…