رواتب بلا قيمة…
} إيمان شويخ
لم يعد الحدّ الأدنى للأجور كافياً في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، فلقد تأثرت الأجور من حيث القيمة والقدرة الشرائية، ولم يعُد بالإمكان أن يُنهي المواطن اللبناني شهره من دون أن يطلب مساعدة من هنا، أو سلفة من هناك، وإذا تعذر عليه ذلك فهو يقبع تحت وطأة الفقر المدقع الذي يجعله عاجزاً عن تأمين أدنى مقوّمات معيشته من مأكل ومشرب، فكيف إذا تحدّثنا عن طبابة أو تعليم أو كهرباء وماء وإيجار منزل وغيرها من الحقوق التي حرم منها المواطن ولازال يصارع ليل نهار ليحصل على فتاتها، إلا أن أزمة كورونا مصحوبة بأزمة الدولار قضت حتى على الفتات.
بلغة الأرقام واستناداً إلى «الدوليّة للمعلومات» فإن الحدّ الأدنى للأجور حالياً للعاملين في القطاع العام والقطاع الخاص محدّد بمبلغ 675 ألف ليرة، أي قبل انخفاض سعر صرف الليرة كان يساوي 450 دولاراً، ومع انخفاض سعر الصرف إلى 4000 ليرة أصبح يساوي 168 دولاراً أي انخفاض بالدولار بنسبة 63 %، وكل من يتقاضى راتباً بالليرة اللبنانية وهم العاملون في الدولة وأكثرية العاملين في القطاع الخاص انخفضت رواتبهم محسوبة بالدولار بنسبة 63 % إذا كان سعر صرف الدولار 4000 ليرة.
ولقد شهد لبنان انخفاضاً في الحدّ الأدنى للأجور في فترات عدة، في الثمانينيات، فمثلاً كان الحدّ الأدنى للأجور في العام 1975 أيّ عشية الحرب الأهلية 310 ليرات أيّ ما يوازي حينها 135 دولاراً، ووصل في العام 1983 إلى 1100 ليرة أي ما يساوي 243 دولاراً، ومع انخفاض سعر صرف الليرة انخفض في العام 1985 إلى 1500 ليرة وبلغ 81 دولاراً وتابع الانخفاض ووصل في العام 1988 إلى 50 دولاراً، وبلغ بالليرة 4300 ليرة، وفي العام 1990 بلغ 45 دولاراً وبالليرة 4500 ليرة.
ومع تحسّن سعر الصرف وزيادة الحد الأدنى للأجور أخذ يرتفع فبلغ 118 ألف ليرة في العام 1993 أي ما يساوي 69 دولاراً، وفي العام 1998 بلغ 300 ألف ليرة أي 200 دولار. أما اليوم فالحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص هو 675 ألف ليرة أي انخفض من 450 دولاراً إلى 168 دولاراً.
أما عن تأثر الرواتب بارتفاع سعر صرف الدولار فيتضح من خلال الأرقام التالية، حسب «الدولية للمعلومات» التي تظهر أن مخصصات وتعويضات أي رواتب الرؤساء والوزراء والنواب لم تتغيّر منذ العام 1998 وهي 12،5 مليون ليرة شهرياً، وهو ما كان يوازي 8333 دولاراً، أما الآن وإذا افترضنا أن سعر الصرف هو 4000 ليرة فتصبح قيمة الراتب هذه 3125 دولاراً.
رواتب العسكريين أيضاً تأثرت، حيث كان راتب الجندي بين 1،296000 ليرة و 2،386000 ليرة أي كان 864 دولاراً و 1590 دولاراً وانخفض إلى ما بين 324 دولاراً و 596 دولاراً. راتب العقيد كان يتراوح بين 3،795،000 و 5،212،000 أي ما بين 2530 دولاراً و3475 دولاراً وانخفض إلى ما بين 948 دولاراً و1303 دولارات. راتب العميد ما بين 5،689،000 و7،212،000 ليرة أي كان بين 3793 دولاراً و4808 دولارات وانخفض إلى ما بين 1422 دولاراً و1803 دولارات.
بالنسبة لرواتب القضاة فهي ما بين 4،100،000 ليرة 9،350،000 من دون تعويضات صندوق تعاضد القضاة وهي شهر كل شهرين، وكانت هذه الرواتب تتراوح ما بين 2733 دولاراً و6233 وانخفضت إلى 1025 دولاراً و2337 دولاراً.
بالنسبة لأستاذ الجامعة اللبنانية فهو يتقاضى ما بين 3،700،000 ليرة و8،425،000 ليرة أي ما بين 2466 دولاراً و5616 دولاراً وينخفض إلى 925 دولاراً و2106 دولارات.
المدير العام ما بين 4،500،000 و9،085،000 ليرة أي كانت تتراوح ما بين 3 آلاف دولار و6056 دولاراً وتنخفض اليوم إلى 1125 و 2271 دولاراً.
الفئة الثالثة ما بين 2،200،000 ليرة و4،365،000 ليرة أي ما بين 1466 دولار و2910 دولار، وتنخفض إلى 550 دولاراً و1091 دولاراً. الفئة الخامسة ما بين 950 ألف ليرة و1،905،000 ليرة أي ما بين 633 دولاراً و1270 دولاراً وتنخفض إلى ما بين 237 دولاراً و476 دولاراً اليوم.
هذه الرواتب طبعاً هي في حالة العمل، حيث إن البطالة التي سببتها جائحة كورونا أدّت إلى فقدان الكثيرين أعمالهم ووظائفهم، فقبل الأزمة كان عدد العاملين في لبنان 1،350،000، كانت 680 منها في القطاع الخاص و320 في القطاع العام، ومن ضمنهم العسكر. وهناك حالياً 430 ألف عاطل عن العمل أي أن النسبة ارتفعت إلى 32 % وهي مرشحة للارتفاع أكثر، وهناك 50 ألف لم يصرفوا من العمل، لكنهم لم يتقاضوا أي راتب خلال شهري آذار ونيسان. وهناك 220 ألف تمّ تخفيض رواتبهم بنسب تتراوح بين 25 و50 و75 بالمئة، وهؤلاء يعملون في القطاع الخاص، إشارة إلى أن القطاعات الأكثر تأثراً هي قطاع المطاعم والفنادق ومحال بيع الألبسة والحاجات غير الأساسية والعاملون في قطاع النقل، كذلك المدرسون في المدارس الخاصة وفي مهن البناء في ظل الركود الكبير في هذه القطاعات.
والسؤال، أي قيمة بعد للرواتب التي ما عادت تكفي للأساسيات، في ظل ارتفاع الأسعار الفاحش، حيث ارتفعت قيمة السلة الغذائية والاستهلاكية الأساسية لعائلة مؤلفة من 5 أفراد من 450 ألف ليرة شهرياً في تشرين الثاني 2019 إلى 800 ألف ليرة في شهر نيسان أي بنسبة 77 %، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر في الأسبوع الأول من أيار في ظل اتجاه التجار إلى اعتماد سعر 4500 في تسعير الدولار مقابل 3500 سابقاً، ومن أن ترتفع قيمة السلة إلى 900 ألف ليرة أي زيادة بنسبة 100 %.
أمام هول الكارثة الاجتماعية، ينتظر المواطن أن يحصل شيء ما يخلصه من كوابيس اليقظة، ولكن فترة الانتظار هذه قاسية، وأقسى من الوضع الاجتماعي نفسه.