الولايات المتحدة والصين… صراع بمقوّمات القوة الذكية
} أمجد إسماعيل الآغا
تجليات جديدة ومُعقدة تؤطر أسس الصراع الأميركي الصيني، للاستحواذ على مفاهيم القوة الناظمة للمعادلات الدولية، إذ لم يعد الصراع بين واشنطن وبكين يرتكز في ماهيته على أسس الحرب الباردة فقط، ولا ينبغي مقاربته على شاكلة الصراع الذي كان بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في عصر القوة النووية. فاليوم؛ ومع تبدّل المعطيات الجيوسياسية، أصبحت القوة الذكية التي تعتمد على أنماط المعارف التكنولوجية والاقتصادية، بوصفها سلاحاً قادراً على اختراق الحدود بلا حروب، بينما تحوّلت الحرب الباردة بما لها من أدوات مثل سباق التسلح والاستفزازات العسكرية والحروب بالوكالة، إلى لعبة خاسرة تستنزف أصحابها.
المعركة التي تخوضها البشرية الآن، للسيطرة على فايروس كورونا تُقدّم لنا درساً، تتجلى فيه مقومات القوة الذكية للصين، في مواجهة الحرب الباردة المتعدّدة الأبعاد التي تخوضها الولايات المتحدة ضدّها. وفي سياق حملة الهجوم الأميركي على الصين، تمّ إنتاج مصطلحات هجومية سهلة التداول مثل الفايروس الصيني أو كونغ فلو، وقد وصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الحزب الشيوعي الصيني بأنه «الخطر المركزي الذي يواجهه العالم في الوقت الحاضر»، وأنه «لا يزال يخفي عن العالم الكثير من المعلومات عن الفايروس».
الاتهامات الأميركية هي امتداد لمدرسة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، التي استمرت لمدة خمسة وأربعين عاماً. إذ تسعى الولايات المتحدة من خلال استخدام أسلحة الحرب الباردة المعروفة، وابتكار أسلحة جديدة، إلى تخريب الصين من الداخل، وتكوين رأي عام يُحاصر الصين عالمياً.
مع بداية انتشار الفايروس في ووهان في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، طلبت الصين من الولايات المتحدة رسمياً، إجراء فحص لأعضاء البعثة الرياضية العسكرية الأميركية، التي شاركت في بطولة العالم العسكرية، والتي أقيمت في ووهان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2019. وقالت الصين إنه من الضروري فحص السجل الطبي للمشاركين في البطولة، للحدّ من احتمال انتشار الفايروس في الولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة لم تردّ على الطلب الصيني.
في السياق نفسه تناولت وسائل إعلام عالمية، تفاصيل واقعة تتعلق بخبيرة أميركية متخصصة في الأوبئة والأمراض المتوطنة، هي الدكتورة ليندا كويك، كانت تعمل ممثلة مقيمة لدى مركز الرصد والوقاية من الأمراض في بكين، بتكليف من المركز المناظر CDC الأميركي. وبعد أن قرّرت الإدارة الأميركية إلغاء وظيفتها، فإنها غادرت الصين وعادت للولايات المتحدة في شهر تموز/ يوليو 2019، قبل بدء ظهور الفايروس.
بعد ذلك كشف المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية، عن تفاصيل تتعلق بمركز أبحاث الفايروسات والمختبرات الطبية، التابع للجيش الأميركي في فورت ديتريك (ولاية ميريلاند)، والذي تموّله وزارة الدفاع الأميركية لأغراض تطوير فايروسات وجراثيم يمكن استخدامها أسلحة في الحروب البيولوجية. وقالت الخارجية الصينية إنّ المعهد جرى إغلاقه في شهر تموز/ يوليو 2019 بعد أن تسرّبت منه مواد ملوّثة إلى مياه الصرف، بسبب فشل نظام تنقية المياه من التلوّث. الصين رصدت انّ سكان المناطق القريبة من المعهد تعرّضوا لموجة انفلونزا شديدة في شهر آب/ أغسطس 2019، أدّت لإصابة أكثر من عشرة آلاف شخص.
وعليه فقد بات واضحاً، أنّ واشنطن تجاهلت التحذيرات الصينية، بالتوازي مع تشديد الهجوم على الصين، الذي يمارسه ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، عبر ترويج اتهامات عن إنتاج الفايروس ونشره في العالم. هذا الهجوم لا يزال، حتى الآن، ينطلق من محركات سياسية، وليس من حقائق علمية ثابتة. وتجد واشنطن في توجيه تلك الاتهامات إلى الصين فرصة لإضعاف جاذبية النموذج الصيني في تحقيق التقدم الاقتصادي، وإلقاء اللوم على الحزب الشيوعي الصيني، وعلى النظام السياسي هناك بشكل عام.
ونظراً للدور العالمي للصين في تجارة الأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، والذي ينمو بمعدلات سريعة، فإنّ الولايات المتحدة تخشي ان تستحوذ على نصيب أكبر من السوق بسبب احتياجات الوقاية والعلاج من الفايروس. وتبلغ قيمة التجارة العالمية في قطاع الرعاية الصحية حاليا، أكثر من عشرة تريليونات دولار، أيّ ما يعادل خمسة أضعاف تجارة السلاح العالمية. فإذا كان دونالد ترامب حريصاً على حماية مصالح شركات السلاح الأميركية ومبيعاتها حول العالم، فإنه لا يقلّ حرصاً على حماية مصالح شركات الرعاية الطبية الأميركية حول العالم في هذا القطاع الحيوي. لذلك فإنّ النغمة الأميركية الجديدة في الحرب الباردة ضدّ الصين، تتمثل في اتهام الشركات الصينية بالعمل على التربّح من انتشار الوباء في العالم، وتحقيق أرباح استثنائية من استخدام أنظمة العلاج التي تمّ استخدامها بنجاح خلال الأسابيع الأخيرة.
صفوة ما سبق من معطيات يؤكد أنّ الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، لم تتوقف بسبب انتشار وباء كورونا، لكن الملاحظ هو أنه بينما الولايات المتحدة مشغولة بالهجوم على الصين دبلوماسياً وإعلامياً، وبواسطة الاستفزازات العسكرية، فإنّ الصين تظلّ مشغولة بتطوير تكنولوجيا جديدة لمكافحة الوباء. ونطراً لأنّ نجاحها في هذا الميدان يُعتبر سلاحاً من أسلحة الحرب الذكية، فإنّ الولايات المتحدة تحاول ان تجرّدها منه. فهل ستنجح الولايات المتحدة في حربها الباردة ضدّ الصين؟ ام ستنتصر الصين في حربها الذكية على الولايات المتحدة؟