عفيف حمدان دينامو كرة القدم في الضاحية ذكرياته مع التضامن وديربي «وفاء ـ ساحل»
} إبراهيم وزنه
أكثر من 45 سنة من حياته أمضاها عفيف حمدان في المعترك الكروي، فمن مؤسس لفريق شعبي في الحي الى لاعب موهوب في خط الوسط تتسابق الفرق الرسمية الكبيرة لضمّه الى صفوفها وصولاً الى تأسيسه لفريق رسمي «الوفاء» في منتصف الستينيات ومن ثم فوزه برخصة «التضامن» في مطلع السبعينيات، وهو أول فريق درجة أولى في الضاحية، وبين هذه المحطات كان للرجل الديناميكي مشاركة فاعلة في صنع القرارات وصياغة المقررات ورسم السياسات ضمن لجان الاتحاد اللبناني لكرة القدم، كما يسجّل له إبقاء راية التضامن خفّاقة تحت الأضواء في ظل أصعب الظروف الأمنية والاقتصادية والسياسية التي عصفت بلبنان وخصوصاً في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي… اليكم سيرة ومسيرة الرجل.
عفيف حمدان ومسيرته الكروية؟
في حارة حريك، حيث وصلها والده لطف الله حمدان قادما من بلدة كفرملكي الجنوبية في مطلع العشرينيات استهل عفيف حمدان ( مواليد 1934) مسيرته الكروية مع ابناء جيله في الحي الذي يسكنه، والذي يقع خلف منزل المحامي محسن سليم في الغبيري، كانت البداية بتشكيل فريق «أشبال الغاب» مع حسن الزين واسماعيل الحركة وسعد الدين فرحات، ونظراًلشخصيته الوسطية في التعامل مع الآخرين استقر به الحال في الملاعب لاعباً متميزاً في خط الوسط، وكما برع في ربط الخطوط ميدانياً نجح في نسج الصداقات وتوسيع بيكار معارفه، وهذه الشخصية الدينامية جعلته يتنقّل ما بين الملاعب (1956 ـ 1966 ) الى الادارة (أميناًعاماً للجنة جبل لبنان ايام جوزيف نلبنديان) ومن ثم الى الاعلام الرياضي (أصدر جريدة المرمى الرياضية في مطلع الثمانينيات لأكثر من 10 سنوات)، محافظاً في الوقت عينه على مهنته الاساس كخبير محلّف في حوادث السير وله مؤلفات عدّة في هذا المجال.
عند استرجاعه لشريط الذكريات في الملاعب، أخبرنا ابو بلال: «لعبت أولاً مع فريق الشبيبة العاملة المسيحية «جي او سي» وكان يلعب معنا العماد ميشال عون… فالخلافات الدائرة بين آل دكاش وآل العضيمي أدّت الى تشكيل فريقين في الحارة (جي او سي والاخاء) أما أول توقيع رسمي لي فكان مع فريق بغرميان في العام 1957 ثم انتقلت الى فريق الحكمة في العام 1958 وفي ذات العام سافرت معه الى تركيا ولعبت ضد منتخب الجامعات التركية وفريق فنربغشة، ومع مطلع العام 1959 انتقلت الى فريق الشبيبة المزرعة مع مجموعة من ابناء حارة حريك كعبد يموت ويوسف شاهين وجميل درويش ومحمد وبهجت الأتات، ولعبت معه لاربعة مواسم سافرت خلالها الى فنلندا وروسيا، وخلال تلك الفترة اندفع أخوتي وكثيرون من ابناء الغبيري والحارة الى ميادين الكرة ما جعلني أسعى مع بعض الاصدقاء والفاعلين الى تأسيس فريق رسمي، وتحقق لنا ذلك في العام 1965 مع نادي الوفاء فلعبت في صفوفه موسماً واحداً ثم اعتزلت اللعب، وأول رئيس للوفاء هو النائب السابق عبدالله الحاج ثم استلم من بعده قاسم ناصر فعادل عواد، ومن أوائل لاعبي الفريق أذكر… مصطفى حمدان، عبد يموت، محمد الدامرجي، محمود عوالي، عدنان حمود، احمد الخنساء، باسم بدران، حسين شعيب وخضر حمدان».
دربي الضاحية .. الوفاء والساحل!
من الطبيعي أن تشتعل المنافسة بين أي فريقين تابعين الى نفس المنطقة، فكيف ستكون الحال أذا ما غذّاها البعض بالمناطقية؟ فشباب الساحل الذي تأسس في العام 1966 كان بمثابة الخصم اللدود للوفاء خصوصاً وان الفريقين انطلقا من منطقة واحدة ويلعبان في بطولة رسمية واحدة، ففي حين يُتهم الساحل بالانطواء و «العائلية» وقيادته محصورة بيد أبناء حارة حريك والغبيري فقط، يحرص «الوفائيون» على تقديم انفسهم بانهم الملتقى لأبناء الجنوب وبيروت والبقاع، وعلى هذا الوتر عزف الساعون الى توسيع رقعة الحساسية وزيادة منسوب الندّية بين الفريقين الجارين، عن تلك الايام علّق عفيف حمدان: «انه الدربي الرائع، فالمباراة بين الفريقين كانت مفعمة بالحماسة والندية، وفي نفس الوقت كانت البيوت والعائلات منقسمة على نفسها في مواكبة المباراة النارية، تبدأ صباحاً بالتحدي وتنتهي مساء بالتزريك، فصهري توفيق درغام كان يشجّع الساحل أما أختي فكانت مع الوفاء»، ليختم والحسرة تلمع في عينيه «رزق الله على هيديك الايام … راح الوفاء وضاع الوفا»، أما أبرز لاعبي الضاحية من وجهة نظره فهم: «احمد علامة ويوسف شاهين وفوزي كنج»، وأشاد بمستوى الياس جورج ومحمود البرجاوي «ابو طالب» على صعيد لبنان، لافتا الى أنه سبق ولعب مع الياس جورج في صفوف الحكمة قبل أن يلتحق الأخير بالراسينغ وهو بالشبيبة المزرعة.
التضامن الى الضاحية
لما لاحظ عفيف حمدان أن في الضاحية عدداً كبيراً من النجوم الذين غالبا ما يتوجهون الى أندية الراسينغ والشبيبة والنجمة لاكمال مسيرتهم الكروية، وبناء على متابعته لمظلومية جاره اللدود شباب الساحل الذي مُنع من الصعود الى دوري الدرجة الاولى بالرغم من احرازه لبطولة الدرجة الأولى (فئة ب) أكثر من مرة، ارتأى أن يقفز فوق العوائق من خلال شراء رخصة نادي التضامن بيروت الذي أبصر النور رسمياً في العام 1961 وكانت منطقة الطريق الجديدة خزاناً للاعبيه ومركزا لتحركاته، وهذا الأمر سيؤدي تلقائياً الى إراحة نادي الانصار الصاعد بقوة الى دوري الاضواء، وعن وصول التضامن الى الضاحية قال حمدان: «في العام 1973 عرض عليّ ابو طالب شراء رخصة التضامن بعدما أصبح يشكّل عبئاً على فريقي العاصمة النجمة والانصار، آملاً من خلال «البيعة» أن يسد ديونه المادية المتراكمة الى رئيس نادي النجمة عمر غندور، وأذكر يومها أن غندور عارض الفكرة بحجة عدم رغبته بخروج النادي من دائرة الفرق المناهضة لسياسة الاتحاد معتقداً بأن وجود شقيقي وفيق ضمن صفوف الراسينغ (فريق السلطة) وعلاقتي الطيبة مع ادارييه ستأخذ التضامن الى صف المتسلطين على اللعبة الشعبية، عندها طلبت من ابو طالب أن أجتمع مع غندور، وخلال الاجتماع أقنعته بصوابية وجهة نظري ومفادها … عندما اكون فريقا ضعيفا ربما أضطر للاستناد الى سلطة تحميني أما عندما اكون فريقا قوياً فلا حاجة لأي جهة كي استند اليها، وعلى ضوء اقتناعه بالطرح الذي قدّمته وافق على بيع الرخصة لا بل وقف الى جانبنا لجهة تسهيل وصول بعض اللاعبين الى الفريق كما ساهم بمبلغ كبير لدعم طموحاتنا، وقال لي بالحرف الواحد … التضامن امانة برقبتك يا عفيف فلا تفرّط به»، وهنا أخذ حمدان نفسا عميقاً مبررا ضياع الامانة، «الاجواء الطائفية والمناطقية والظروف الاقتصادية والأمنية ومحاربتنا من قبل الممسكين بمقررات اللعبة لاحقاً وابتعاد الاوادم عن الساحة الكروية … كل تلك الاسباب مجتمعة جعلتني أخرج من اللعبة غير آسف … ومثلي فعل الحاج عمر غندور». وهنا لا بد من الاشارة الى استقطاب التضامن لعدد كبير من اللاعبين البارزين في الضاحية وتسجيله النتائج الجيدة بمواجهة الفرق الكبيرة فكان بحق الحصان الاسود في كل البطولات التي خاضها تحت الاضواء لغاية العام 1993»، ليبوح حمدان بسر لا بدّ من كشفه «ذات مرة وعدني أحد القيّمين على اللعبة بمحاربة التضامن حتى اسقاطه الى الدرجة الرابعة، وتحقق وعده… ومن ثم أُبعد هو نفسه عن اللعبة».
غصة ونقمة!
«كرتنا تسير نحو الدرك الأسفل … فعندما تتطيف الرياضة تموت … الرياضة كالفن لا تعترف بالطائفية ولا بالعصبية البغيضة وكلاهما يجب أن يكون بلا هوية … ذكرياتي الكروية تلاشت ولا أحب أن استرجع شريطها او أفلفش صورها التي ضاعت أصلاً في غياهب النسيان» من يصدّق أن هذه الكلمات تصدر عن دينامو كرة القدم في الضاحية، ليختم عفيف حمدان معترفاً «صرت أكره الرياضة لأنها في بلادنا خالية من الوفاء علماً بأنني أحترم الخصوم الشرفاء».