التطبيع يخالف حقائق التاريخ والجغرافيا والمطبّعون مهزومون في نفوسهم وأذهانهم
القنصل خالد الداعوق _
قصة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ قديمة جداً ربما تعود إلى ما قبل نشوء هذا الكيان نفسه. وقد اتخذت محاولات التطبيع أشكالاً ووجوهاً عديدة، حيث كنا بين فترة وأخرى نقرأ ونسمع ونرى واحدة من هذه المحاولات التي تطال كلّ المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها.
قبل التطبيع سخّرت الصهيونية العالمية الرأسمال اليهودي الضخم في العالم، واعتمدت أساليب التحايل والخداع المعهودة لاستمالة القادة والرؤساء والسلاطين كوسيلة لتنفيذ مخططها القاضي بالاستيلاء على أرض فلسطين، وتهجير أهلها منها، لكي يقوم عليها ما يسمّى “الوطن القومي لليهود”.
بدأت الأمور منذ القرن التاسع عشر مع روسيا والإمبراطوريّة العثمانية، ثمّ مع الإمبراطورية البريطانية وغيرها من دول أوروبا وصولاً إلى الولايات المتحدة، حيث لا تزال الحركة الصهيونية العالمية تحصل على الدعم الكبير الذي يصبّ سياسياً واقتصادياً ومالياً في مصلحة كيان العدو “الإسرائيلي”.
بعد استخدام المال والتحايل للحصول على الدعم الدولي، انتقلت الحركة الصهيونية إلى الوسيلة الدنيئة التي تعرفها جيداً ألا وهي الإرهاب الوحشيّ، حيث بدأت عصاباتها بارتكاب الجرائم والمجازر ضدّ أهل الأرض الآمنين في قراهم وبلداتهم ومدنهم، لدفعهم إلى ترك أرضهم وبيْعها والهجرة منها بهدف السيطرة عليها وتحويلها إلى مستوطنات يسكنها اليهود المستقدَمون من أربع جهات الأرض.
وبالتزامن مع ذلك كان العمل جارياً لاستصدار قرار من الأمم المتحدة بقضي بإنشاء “دولة إسرائيل”، وهكذا كان فصدر القرار 181 في 29 تشرين الثاني 1947، وقضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين.
ومَن يستعيد الأحداث والوقائع يجد أنّ “إسرائيل” لم تنفّذ من قرارات الأمم المتحدة إلا هذا القرار، فصارت دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأقامت لها سفارات في الدول التي تعترف بها وتقيم علاقات معها.
رغم هذا الاعتراف الدولي بقيام “إسرائيل” إلا أنها لا تزال إلى اليوم دولة بلا حدود جغرافية محدّدة، والسبب معروف وواضح وهو أنها لم تلغ من حساباتها يوماً أطماعها في التوسّع شمالاً وشرقاً، وكما هجّرت وشرّدت الفلسطينيّين تريد أنّ تهجّر وتشرّد اللبنانيّين والسوريّين والعراقيّين والأردنيّين في سياق الحلم بإقامة ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى”، أوّ تطبيقاً لشعار “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”!
إلا أنّ هذه الحسابات لم تعد متطابقة بين الحقل والبيدر على الإطلاق، حيث إننا نعيش زمن انتصارات المقاومة التي جعلت الخط البياني لدولة العدو يسير نزولاً منذ العام 1982 إلى اليوم، حيث لم يستطع جيشها الذي قيل يوماً إنه لا يُقهر ربح أيّ معركة منذ أربعين عاماً، بل كانت هزائمه تتوالى على يد المقاومة في فلسطين ولبنان وبدعم مطلق من سورية وإيران.
وإنْ دلّت هذه الهزائم إلى شيء فهي تدلّ إلى أنّ اتجاه كيان العدو هو اتجاه انحداري سوف يوصله إلى الزوال، طال الزمان أم قصُر، لأنّ هذه هي الحقيقة التي تنسجم مع حقائق التاريخ والجغرافيا. لكن بعض العرب الذين لا يزالون منبهرين من النفوذ الصهيوني في العالم، ويعتقدون أنّ الطاعة للولايات المتحدة هي طريق الحفاظ على كراسيهم وعروشهم وامتيازاتهم… ولذلك يواصلون مسارهم التطبيعي مع العدو على الصعيد السياسي أو الثقافي أو الاقتصادي، فيحققون للعدو بأسهل الطرق والوسائل، ما عجز عن تحقيقه في الميدان.
وختاماً… إذ نستنكر وندين كلّ عمل يدخل في إطار التطبيع مع العدو نقول إنّ أولئك المطبّعين ما زالوا في نفوسهم وذواتهم وأذهانهم يعيشون زمن الهزائم الذي نقول نحن إنّه ولّى إلى غير رجعة…
*أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة