لمن الغلبة في سباق الإيجابيات المؤجّلة والآمال الموعودة بالإصلاح والتغيير؟
} علي بدرالدين
حظيت الخطة الإصلاحية الاقتصادية والمالية التي أقرّتها الحكومة بمباركة وموافقة اللقاء الوطني التشاوري الذي عُقد الأسبوع الماضي في قصر بعبدا وحضره رؤساء الكتل النيابية، باستثناء البعض منهم لأسباب متنوعة ومختلفة، فيما حضر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع الذي اعتمد قاعدة خالف تعرف، ولتسجيل مجرد موقف من قصر بعبدا بالذات من دون أن يقدم البديل الموضوعي الذي يمكن الأخذ به أو التعويل عليه.
ورغم الإيجابيات المُفترضة أو المتوقعة، فإنّ إقرار الحكومة للخطة لا يعني أنها سلكت طريق التنفيذ أو بلغت الشوط الأخير في مسارها الصحيح والعملاني، بل على العكس تماماً، فتحت هذه الخطة مساراً جديداً من السجال وتبادل الاتهامات وتحميل المسؤوليات بين القوى السياسية الموالية والمعارضة، وبين مؤيدي الحكومة وداعميها وبين والرافضين لوجودها وحتى شرعيتها والمشكّكين في قراراتها وقدرتها على تنفيذ وتحقيق أي قرار.
هذا السجال حول الخطة سيبقى مفتوحاً على الهواء مباشرة حتى بلوغها المصفاة النهائية في مجلس النواب حيث ستكون موضع أخذ وردّ وتعديلات وإضافات ونقاشات كلامية مستفيضة بخلفيات سياسية وكيدية بهدف التصويب على الحكومة ورئيسها من دون أي نقاش موضوعي هادف إلى الإصلاح والتغيير والمحاسبة واستئصال الفساد وإعادة الأموال المنهوبة وضرب الاحتكار والجشع وإنقاذ العملة الوطنية من سطوة الأباطرة من أصحاب المصارف وحيتان المال والتجار الجشعين اللصوص الذين استولوا على أموال المودعين وحرموا الفقراء من حقوقهم ولقمة عيشهم.
إنّ الخطة الإصلاحية التي أقرّتها الحكومة لتسويقها أمام المجتمع الدولي وصندوق النقد الذي يشترط القيام بالإصلاحات ووضع حدّ للفساد المستشري للمساعدة، يجب أن تُترجم في الداخل بإصلاحات مُنتظرة وسريعة وفاعلة لإنقاذ البلد واقتصاده وماليته ومؤسّساته وإنسانه الذي يعاني كثيراً نتيجة فقدانه عمله وحرمانه من حقه في الحياة الكريمة من دون حاجة أو ذل وهوان، خاصة أنّ وباء كورونا طال ليله وظلمه ولا أحد يعلم متى يبزع فجر السلامة وفكّ أسر الناس، لا سيما بعد تجدُّد انتشاره وضربه أماكن ومناطق ومؤسّسات كانت قد أفلتت منه، إما نتيجة استهتار المواطنين الذين ملّوا الحجر أو اضطرار من فقدوا ما بحوزتهم من مُدّخرات للخروج إلى العمل والإنتاج مهما كان متواضعاً لمرحلة قادمة قد تكون الأصعب، أو بسبب تخفيف الإجراءات الوقائية الصحية والقانونية وعدم التشديد على استمرار الالتزام بالتعبئة العامة وإشاعة أجواء التفاؤل بالخلاص من هذا الفيروس القاتل على ضوء تراجع عدد الإصابات مقابل زيادة حالات الشفاء.
من الخطأ اتّهام المغتربين العائدين إلى الوطن بأنهم تسبّبوا بإعادة انتشار كورونا من جديد، ففي ذلك ظلم لهم وإساءة إليهم وهم من الحرصاء جداً على سلامتهم وسلامة عائلاتهم والمحيطين بهم، غير أنّ كلّ هذا الحرص المؤكّد كان يجب أن يقترن بالالتزام بالحجر المنزلي المعمول به، فوزارة الصحة لم تخفِّف من إجراءاتها الصحية في المطار ولم يُهمل العاملون المعنيون بالجانب الصحي القيام بواجباتهم تجاه العائدين، لذلك يجب إجراء تحقيق سريع حتى لا يتكرّر ما جرى، وقد فرض تحميل المسؤولية لبعض المغتربين تأجيل المرحلة الثالثة وما بعدها أو تجميدهما.
أثبتت الحكومة التي تواجه التحديات منذ تشكيلها قبل بضعة أشهر أنها جدية في ترجمة وعودها التي أعلنتها من دون تباطؤ أو إهمال أو مجاملة وخطوط حمر وقد تجاوزت الكثير من المطبّات والاستهداف والاتهامات ولم تبالِ لأي منها، بل تعاطت بمسؤولية كبيرة مع الوباء وخطره وتداعياته، ولا تزال، رغم إعادة الانتشار الجزئي له، وهي اليوم أمام تحدٍّ كبير يتمثل بفضيحة الفيول المغشوش والجهات الفاسدة المتورطة فيه وعليها الاستمرار في التحقيقات حتى النهاية لأنّ المتورطين في الفساد والمتاجرين بأموال الدولة والشعب يجب أن يحاكموا ويحاسبوا ويتساقطوا الواحد تلو الآخر كأوراق الخريف، وتكون هذه البداية لكشف المزيد من الفاسدين في أماكن ومؤسسات أخرى وإزالة البحصة كخطوة أولى من تحت خابية الفساد.
إنّ الضرورات الوطنية والمصلحة الاقتصادية للدولة تُحتِّم مواجهة التهريب وإقفال المعابر غير الشرعية على أنواعها وعلى الحكومة أن تفرض هيبتها وسلطة القانون، خاصة أنّ كرة الفساد بدأت بالتدحرج لتطال الفاسدين الذين يتلاعبون بأموال الدولة والشعب والعملة الوطنية ولقمة العيش من خلال التلاعب بسعر صرف الدولار وحرمان الفقراء من حقوقهم لجني الأرباح وتكديس الثروات، ويأتي توقيف نقيب الصرافين ليكشف حجم المؤامرة على المواطن، وقد نقلت وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً صوتياً يكشف تورّطه مع عشرين صرافاً بالتلاعب بأسعار الدولار من خلال شرائه بسعر مرتفع وإيصاله إلى خمسة آلاف ليرة.
إنها فرصة أمام الحكومة لتتحمّل مسؤوليتها وتثبت ذاتها وتحقق آمال اللبنانيين بدولة قوية قادرة وعادلة. دولة حريصة على المال العام والخاص وعلى أملاكها وشعبها وأن تفتح الطريق أمام إصلاح حقيقي يبدأ بمكافحة الفساد وكشف الفاسدين ومحاسبتهم واستعادة ما نهبوه في ٣٠ سنة من الفساد والمحاصصة ووضع اليد على مقدرات الدولة وأموالها وتوظيفها في مشاريع خاصة.
الفرصة مؤاتية جداً ومن الخطأ القاتل تفويتها، خاصة أنها جاءت بعد مواقف وقرارات جريئة أعلنها رئيس الحكومة حسان دياب من قصر بعبدا وبدأت مفاعيلها تأخذ مداها إلى حيث يجب أن تصل إلى مكامن الفساد وحصون الفاسدين الذين أوصلوا البلد إلى الحالة التي هو فيها اليوم.
إنّ أيّ تهاون أو مسايرة أو مراعاة من قبل الحكومة في ملف الفساد سيُسجَّل عليها ويُفقدها ثقة اللبنانيين ويُطيح بكلّ آمالهم وأحلامهم. فالمسؤولية أمانة يجب أن تحفظ وتقدم على مذبحها التضحيات، واعتقد أنّ رئيس الحكومة سيكون على قدر المسؤولية والأمانة الوطنية ولن يطول الوقت لإحداث الصدمة الإيجابية المطلوبة، وإلا ستبقى الإيجابيات المؤجلة والآمال المعلقة والواهنة ترهق لبنان واللبنانيين إلى أبد الآبدين.