الانتخابات التشريعية في سورية… وقائع سياسية ومسؤوليات مجتمعية (1)
} د. حسن مرهج
ليس مستغرباً أن تكون الدولة السورية ومؤسساتها مثار جدال لدى الكثيرين، وتحديداً أولئك الذين توقعوا أن تُصبح سورية بعد سنوات الحرب عليها، مثالاً أفغانياً أو صومالياً، إلا أنّ تفاصيل الحرب التي شُنّت على سورية، لم تزد السوريين إلا إصراراً وتمسّكاً بجملة الثوابت الوطنية، ومن بينها ممارسة حياتهم السياسية والديمقراطية بالأوجه كافة، في هذا الإطار قد تخرج علينا جوقة المعارضين السوريين في الخارج، ليقولوا لنا عن أيّ ديمقراطية نتحدث، كما أنّ النظام السوري يقمع معارضيه وأنصاره على السواء؛ لهؤلاء نقول… إنّ الدولة السورية بنظامها المؤسساتي، كانت ولا تزال من أولى الدول التي سمحت بممارسة الحياة السياسية في المحيط الإقليمي، وبصرف النظر عن جزئيات محدودية الحرية أو التعبير، إلا أنّ سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، شهدت قفزات نوعية مهمة في سياق الحياة السياسية في سورية، كما أنّ قانون تعدّد الاحزاب أجاز وبشكل واضح كيفية وطريقة ممارسة الديمقراطية تحت سقف الوطن. من هنا يُمكننا الدخول إلى عمق الحياة السياسية في سورية، بتشعّباتها وطرائقها، ولا يُمكن لأحد من متابعي الشأن السوري، أن ينكر بأنّ مستوى الحرية والتعبير قد ازداد بطريقة ملحوظة، ويمكن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي لندرك هذه الحقيقة، وهذا الأمر يُمكن البناء عليه في مستقبل سورية، وأيّ استحقاق تشريعي مقبل.
تعدّد الآراء قبيل أيّ استحقاق انتخابي في سورية؛ أمر طبيعي، هي آراء تأتي دائماً في سياق اجتماعي واقتصادي، وهذا التعدد يعكس حقيقية هواجس المواطنين السوريين الخارجين تواً من حرب أرهقتهم، وفي جانب آخر غالباً ما تكون الآراء تتمحور حول عدم جدوى أيّ مطالبات بالإصلاح، خاصة في ظلّ الفساد الذي أيضاً أرهق السوريين؛ بين جملة هذه الآراء وتنوّعاتها، يُجمع السوريون على أنّ سورية بقيادة الرئيس الأسد، وتوجهاته وسياساته التي تصبّ دائماً في مصلحة المواطن، ستكون حُكماً منصة لبناء حياة سياسية صحيحة، فالرئيس الأسد طالما أشار في خطاباته إلى أحقية المواطن السوري في رفع الصوت عالياً ضدّ الفساد، وبالتالي من الضروري انطلاقاً من ذلك، أن يتمّ تعزيز الحالة الدستورية في سورية، وخاصة في المرحلة المقبلة التي تركز على إعادة البناء والإعمار.
بداية يُمكننا القول، بأنّ الحرب على سورية لم تنته بمفهومها السياسي، إلا أنّ الكثير من مفردات هذه الحرب قد حُسمت سورياً، وبات من الواضح أنّ المرحلة المقبلة ستشهد العديد من التطوّرات وتحديداً في مجال الحياة السياسية، لبناء وعي مجتمعي سياسي، قادر على التصدي لرسائل الغرب، وبناء منظومة وعي يُمكنها تفنيد أيّ هجمة سياسية من قبل أولئك الذين يحبّون الصيد في الماء العكر، كلّ ذلك لن يُكتب له النجاح إلا في إطار تعزيز مساحة الرأي والتعبير لكن بمنطق ووعي، وأعتقد أن القيادة السورية تُدرك أو أدركت أهمية هذه الجزئية في تعزيز سلطة المواطن السوري، واتخاذ موقع الرقيب على السياسات الحكومية.
سورية دولة ذات سيادة ودولة مؤسسات وقانون، وأي استحقاق انتخابي على اختلافه، ينطلق من مبدأ السيادة السورية، كما أنّ تنظيم الانتخابات دليل على تعافي سورية وانتصارها على الإرهاب، وفي مقابل ذلك، على الشعب السوري أن لا يرضخ لتأثيرات الغرب، الرامية أصلاً إلى إبعاده عن دوره في بناء مجتمعه والمشاركة في الحياة السياسية والديمقراطية. ولا شك بأنّ أهمية الانتخابات التشريعية في هذا الوقت، تنبع من أنها ترسيخ للديمقراطية التي تعيشها سورية، كما أنّ أيّ استحقاق دستوري تزداد أهميته في ظلّ الظروف الحالية، لإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأنّ سورية دولة ذات سيادة يختار فيها الناخبون ممثليهم وكلّ صوت في صناديق الانتخابات يعتبر قوة إضافية في تحقيق الانتصار على الإرهاب.
في القسم الثاني من هذه السلسلة التي تتكوّن من أجزاء ثلاثة، سيتمّ تسليط الضوء على آفاق التحوّل والتغيير وحدوث تطورات مفاجئة، كما أنّ مجريات العملية الانتخابية في سورية ستظلّ كما هي في تحضيرها وفي سيرها وفي نتائجها؟