أولى

الكورونا والتعجيل بالانسحاب الأميركيّ من الإقليم..

 د. جمال زهران*

 

بعد ثلاثة شهور من بداية ظهور وانتشار وباء «الكورونا»، وصل عدد الحالات إلى ما يتجاوز الـ (4) ملايين مواطن مصاب، ودخل العالم في المليون الخامس، ولا زالت الإصابات في تزايد، ونسب الشفاء في المتوسط تقف عند الثلث، بل إن عدد الوفيات اقترب من (300) ألف، ودخلنا المئة ألف الرابعة، وبنسبة 7% في المتوسط. كما أن أميركا وحدها تمثل الثلث من الإصابات والوفيات، تليها أوروبا، حتى أضحى مستقراً أن العالم قد يخرج تدريجياً من الكارثة بنهاية هذا العام، باستثناء أميركا وأوروبا وخاصةً بريطانيا التي أصبحت الدولة التالية لأميركا في الإصابات والوفيات، اللتان قد يمتدّ معهما الفيروس لنهاية العام المقبل (2021م). وتؤكد الأرقام بالمتابعة الدقيقة صدق استنتاجنا.

أما الذي حدث هذا الأسبوع، فذلك القرار الأميركي الذي أصدره (ترامب)، بالانسحاب شبه الكامل من الإقليم العربي، على وجه التحديد، وفي ظل الانسحابات المتتالية له منذ أن أتى للحكم في يناير 2017م. فقد كان تصريحه اللافت للنظر، يوم الثلاثاء الماضي (5) مايو، أنه أنجزومتفاخراًتصفير الوجود الأميركي في سورية، وأنه قلص وجوده في العراق إلى (4000) جندي أميركي، وإلى (8000) في أفغانستان. فضلاً عن إعلانه أنه أمر بتفكيك بطاريات باتريوت لسحبها من المملكة السعودية، وتخفيف الوجود البحري الأميركي في الخليج العربي. فضلاً عن انسحاب الجنود الأميركيين من سيناء، والذي يبلغ عددهم (400) جندي، وفقاً لنصوص اتفاقات كامب ديفيد للفصل بين مصر و»إسرائيل». وقد كشفت صحيفة (وول ستريت) الأميركية، وكذلك مجلة (فوربس) عن تفاصيل هذه القرارات الأميركية الصادرة عن ترامب.

وتقابل ذلك، إعادة التموضع والانتشار في كوريا الجنوبية لاستمرار التحرّش والتهديد لكوريا الشمالية، وفي أوروبا للحفاظ على قوة أميركا في أوروبا!!

وقد فسرت الجريدة والمجلة، نقلاً عن مصادر موثوقة في البيت الأبيض، أن وراء تلك القرارات، أنه لم تعُد هناك مخاوف من إيران في الخليج أو تجاه دول الخليج، دون ذكر «إسرائيل» من قريب أو بعيد في خلفية هذه القرارات!!

ولو صدقت هذه القرارات والتصريحات لترامب، خاصةً أنه يتّسم باتخاذ قرارات والنكوص عنها أو تأجيلها، أو التلميح إلى عدم دقتها، لأصبحنا أمام واقع إقليمي جديد، علينا رصده وقراءة ملامحه. ومن ثم يمكن بلورة المستهدف من ذلك، فيما يلي:

أولاً: إن الانسحاب الكامل (الصفريّ) من سورية، هو نتيجة انتصار الجيش العربي الأول في سورية، واستمرار المقاومة باستنزاف الجيش الأميركي الذي كان موجودًا في منطقة الرقة والحسكة وحول حقول البترول، حيث تعرضت القوات الأميركية لخسائر كبيرة، يعلن عن بعضها، خوفاً من ثورة الرأي العام في أميركا ضد ترامب. ومن ثم فإنه يؤثر السلامة في هذا الوقت على وجه التحديد وقبل (5) أشهر من الانتخابات الأميركية (رئاسة وكونغرس).

ثانياً: أن الانسحاب شبه الكامل من العراق، هو نتيجة اشتعال المقاومة العراقية بقيادة الحشد الشعبي، وحدوث خسائر كبيرة في صفوف جيش الاحتلال الأميركي. كما أن هذا الانسحاب، جاء نتيجة تعرض إحدى القواعد العسكرية لضربة قاتلة لم يُكشف رسمياً عن حجم التدمير والخسائر البشرية بين قتيل وجريح حتى الآن، من إيران، ثأرًا لسليماني والمهندس. فضلاً عن تلك القرارات التي أصدرها البرلمان العراقي، بطرد القوات الأميركية، ومطالبتها بالرحيل، وفك قواعدها العسكرية فورًا. الأمر الذي وضع القوات الأميركية في حرج كبير، نتيجة الرفض الشعبي لوجودها، عبر البرلمان.

ثالثاً أن تخفيف الوجود العسكري البحري في الخليج العربي، وفك بطاريات الباتريوت، من المملكة السعودية، بحجة ظاهرية أن إيران لم تعد تمثل خطرًا على دول الخليج أو أميركا في هذا الوقت، على الرغم من الاحتكاكات بين قطع عسكرية أميركية وإيرانية كادت أن تصل إلى التشابك والصدام!! وأكاد أرى أن ذلك هو إعلان بتخلي ترامب عن المملكة وعن استمرار المجابهة مع إيران، وهو مقدمة لتحولات في منطقة الخليج ربما تودي بعدد من أنظمة الخليج في مقدمتها السعودية والبحرين والإمارات. حيث أعلن ترامب أنه استنزف السعودية حتى استطاع تصفير ميزانياتها، وبدأت المملكة في الاستدانة لسد عجز الميزانية، ووصل حجم الديون لأول مرة في تاريخ المملكة، إلى (100) مليار دولار حسب التقارير السريّة التي بدأت تتكشف عبر الصحف الأميركية والبريطانية!! ومن ثم لم تعد المملكة البقرة التي تحلب المليارات للخزانة الأميركية. وربما الخطوة التالية هو مصادرة أموال السعودية والسعوديين في المصارف الأميركية. إلا أن الإشارة الأكبر أن أميركا بهذه التصريحات عن ترامب، أعلنت رفع الحماية عن هذه النظم الرجعية، وهي إشارة إلى احتمالات سقوطها بشكل سريع، في ظل دراما سياسية كبيرة مقبلة.

رابعاً: أن هذه القرارات الصادرة عن ترامب تأتي مواكبة لأزمة انتشار فيروس كورونا، في العالم كله وفي أميركا خاصة، وبذلك فإن تعرّض الاقتصاد الأميركي للانهيار، يعتبر أحد الأسباب لهذه الانسحابات الأميركية من الإقليم، لمجرد تخفيض النفقات العسكرية، التي تقلل من الخسائر الضخمة للاقتصاد الذي يتعرض للاستنزاف والدمار حتى الانهيار وبشكل متسارع جدًا.

خامساً: أن هذه القرارات، ليست ببعيدة عن الانتخابات الأميركية المقرر إجراؤها في يوم الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر المقبل، ومن ثم فإنها تعتبر محاولة لإنقاذ حملة ترامب لمدة ثانية، وهي المعرضة للانهيار، وقد أصبح سقوطه وفشله في الانتخابات أمرًا مؤكدًا!

وختامًا: فإن «كورونا»، كانت أحد المعجلات وراء هذه الانسحابات الجديدة للقوات الأميركية من الإقليم بما يفوق جميع الانسحابات الأميركية السابقة، في عهد ترامب.

إن زلزالاً قوياً بقوة غير مسبوقة، يحدث مؤكداً في الإقليم، ربما يؤدي إلى إعادة هيكلته مؤكداً، وفي القلب انتصار حاسم لمحور المقاومة، وتضعضع الكيان الصهيوني ومثلث دول الخليج، أو سقوط أنظمة حليفة لأميركا وبداية تفكيك الأزمات في ليبيا واليمن، بعد أن انتهت الأزمة بشكل كامل في سورية المقاومة. وإن غداً لناظره قريب. شكراً «كورونا»!!.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى