مفهوم الهوية وحتميّة الانتماء
} عبير حمدان
«نحن اصحاب أعدل قضية في التاريخ« جملة عبرت في عمل درامي لا يحتاج إلى مؤثرات استعراضية لكونه يرقى إلى مستوى الحق. هذا الحق الذي لا يكلّ أصحاب الباطل من مقارعته على مختلف الصعد وفي المجالات كافة..
الحق أن تكون لغة الفن هادفة ومتجذرة في الانتماء إلى هذه الأرض. والحق أن نقرأ تاريخنا من خلال رموز مؤمنة بأن الصراع أزلي وقائم وأن البيانات لا تعيد ما هو مسلوب ومغتصب، وبأن الدين لله والوطن للجميع كي نكون حرّاسه بعيداً عن الفئوية والمزايدة في ما يتصل بفعل المقاومة.
الإضاءة على سيرة المطران ايلاريون كبوجي من خلال مسلسل «حارس القدس« تحمل بين تفاصيلها أكثر من رسالة. وقد يسارع البعض إلى «الانتقاد« وليس النقد بناء على خلفية عدم تقبل السرد الذي قد لا يتفق مع رؤيتهم لصورة المقاومة وهؤلاء يبرعون في إطلاق نظرياتهم عبر صفحات التواصل الاجتماعي تحت مسميات عديدة منها أنهم «نقاد« و«كتّاب«. فتارة يرون في العمل مادة تقريرية وتارة يناقشون فكرة العقيدة الدينية، معتبرين أن كاتب النص لم يُمسك زمام المعرفة لجهة بعض الجمل الحوارية، ونحن هنا لسنا في وارد الإشارة إلى هذه النماذج المعترضة بالأسماء إنما نهدف إلى أن نخاطبهم من موقع المتلقي الذي ضاق ذرعاً بالقصص الدرامية المكررة والتي يعتمد صنّاعها على التسويق لفكرة «نجوم المرحلة« على قاعدة «البطل والبطلة« محور السيناريو والتشعبات اللامنطقية والترف الاجتماعي وتعميم فكرة الخيانة كوجهة نظر، بل تبريرها والتعاطف مع مَن ينتهجها على حساب القيم الأخلاقية والعائلية. ومعظم هذه النصوص تكون مستوردة من بيئة غريبة تحت عنوان «مقتبسة عن قصة عالمية«.
ما تقدّم لا يضع مسلسل «حارس القدس« في منافسة مع إنتاجات درامية هدامة على الاطلاق، ذلك لأن قدسية الطرح ترتقي إلى مصاف الوعي الكامل بأن القضايا المحقة لا تسقط بمرور الزمن ولا إلغاؤها مهما تعاظم الظلم ومهما عربد المحتل، ومهما علت الأصوات الداعية إلى «التطبيع«، لذلك يجب أن تترسخ جملة «نحن أصحاب أعدل قضية في التاريخ« في الوجدان لتكون عنواناً ثابتاً للاجيال القادمة، مع التأكيد على ما تبعها أي الاهتمام بأحقية القضية من الجانب الإعلامي والفني والدرامي. وأسمح لنفسي ان أضيف الجانب التربوي الذي يبدأ من المنزل بمعنى أننا حين نعلم اطفالنا أن قضيتنا محقة وعدونا واضح وأرضنا السلبية لا تعود إلا بمواجهة مباشرة فنحن ننشئ جيلاً مدركاً مفهوم هويته وحتمية انتمائه.
في المحصلة من يزرع الثقة يحصد النصر، والدراما المستندة إلى التاريخ والجغرافيا مادة مؤثرة. ومن المفيد أن يتابعها الأطفال قبل الكبار، حيث إن الحروف الأولى التي نكتبها على صفحات ذاكرتهم ومخيلتهم تشكل خميرة طيبة في نفوسهم. وبالتالي يعلو البنيان على أرض صلبة عمادها الحق ولا شيء سواه.