شبل هرموش .. أسد كرويّ من الزمن الجميل بمفرده هزم النجمة بـ «ثلاثية» منذ 47 سنة!
} ابراهيم وزنه
قلة هم اللاعبون الذين اندفعوا الى ملاعب كرة القدم وفي أفواههم ملاعق من ذهب، باعتبار أن العرف السائد في قواميس اللعبة الشعبية يشير إلى أنها لعبة الفقراء، حتى أن بيليه، أسطورة البرازيل الكروية، صرّح ذات يوم بأن «كرة القدم لا تتطور ولا تتألق الا بأقدام الفقراء وفي الأحياء والمناطق الشعبية»، ومن تلك القلّة التي خرقت الأعراف ودحضت نظرية بيليه اللاعب شبل حسن هرموش (مواليد 1951)، القادم من بيت ميسور الأحوال، والذي سطع نجمه في بداياته الجدّية مع اللعبة الشعبية ضمن فريق أشبال نادي الصفاء في العام 1965، ثم رقّي إلى الفريق الأول لغاية العام 1974 ، وبسبب حالة النفور التي سادت بينه وبين اداريي النادي وتحديداً رئيسه الراحل أمين حيدر انتقل إلى صفوف نادي الأنصار حيث لعب «نص موسم» قبل أن تدفعه الحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان في العام 1975 للسفر إلى إمارة دبي في الامارات العربية المتحدة حيث احترف مع نادي النصر ـ دبي لموسمين، قبل أن يعود مجدداً إلى بيروت فور صدور قرار الاتحاد الاماراتي بمنع الأندية من استقدام لاعبين من غير الاماراتيين، فالتحق بالانصار وبقي يدافع عن صفوفه لغاية العام 1981 حيث خاض آخر مباراة له مع «الأخضر» بمواجهة التضامن بيروت.
لولا «الأسد» ما تالق «الشبل»
رحلة «الشبل» في الملاعب الخضراء حافلة بالانجازات على أكثر من صعيد، وفي هذا السياق غالباً ما صرّح الشيخ شبل هرموش في اللقاءات الاعلامية التي أجراها ـ على قلّتها ـ بأن عرّابه ومرشده الروحي في مسيرته الكروية هو الشيخ أسد علامة، والذي لم يزل الكابتن شبل يطمئن الى صحته ويسأل عنه حتى يومنا هذا، ويناديه بـ «عمّي أسد» احتراماً وتقديراً لموقعه ودوره الريادي في صقل المواهب الكروية وتنشئة الأجيال على الروح الرياضية في تلك الأيام الغابرة .
البداية من ملاعب المدرسة وعاليه
عن بداياته مع كرة القدم ورحلته في الملاعب، يخبر الشيخ شبل عن ماضيه الجميل، العالق في ذاكرته، فيقول: «على أرض اسمنتية وتحديداً في ملعب مدرسة فيكتور طراد في الشويفات بدأت رحلتي في عالم المستديرة الساحرة، كنت يومها في السادسة من عمري، عشقت ساعات الرياضة وأيام العطل كثيراً، ولاحقاً وبناء على ظروف عمل والدي انتقلت مع أخوتي إلى الجامعة الوطنية في عاليه، فواصلت مسيرتي الكروية إلى جانب شقيقي المرحوم يوسف (توفي في العام 2005) وأخي سمير الذي انضم لاحقاً إلى نادي الصفاء، وشكّلنا إلى جانب بعض الطلاب فريقنا الأول، وكان يضم في صفوفه بهيج أبو حمزة وكمال رضوان وشفيق باز ورياض الحلبي، بقينا معاً حتى العام 1962 ، يومها تركنا مدرستنا في عاليه وانتقلنا إلى مدرسة شارلي سعد في الشويفات، وهناك لعبت ضمن صفوف منتخب المدرسة إلى جانب شقيقي يوسف الذي لا أنكر أفضاله على مسيرتي الكروية منذ البداية وحتى الاعتزال القسري، وهو الذي سهّل طريقي للانضمام إلى فريق أشبال الصفاء، وكان يلعب ضمن فريق منتخب المدرسة الكابتن سهيل رحال ورياض عمّار وحافظ عمّار، وفي احدى مبارياتنا المثيرة بمواجهة أشبال الهومنمن على ملعب سحاقيان سجّلت هدف الفوز بشكل لافت، لأواصل بشغف واندفاع مدعوماً بدعم والدي رحمه الله الذي كان يحرص على مواكبتي وحتى على تأمين بعض التجهيزات الخاصة بفريق أشبال الصفاء، وكذلك شجّعتني والدتي رحمها الله ، علماً بأنني كنت كلما أصبت أو خضعت لعملية أسمعها تلعن الساعة التي لعبت فيها الفوتبول.
المهاجم الخطر
عن سبب اختياره لمركز المهاجم، يقول الكابتن شبل: «بنيتي القوية، وشغفي بالتسديد وتسجيل الأهداف بالرأس والقدمين، مع الجدية التي تميزت بها خلال التمارين والمباريات على حد سواء، جعلتني اندفع إلى الخطوط الامامية، ومع الوقت وجدت نفسي مهاجماً من النوع المحارب والمشاكس العاشق لهزّ الشباك … ومن فريق إلى آخر أزدادت خبرتي الهجومية، وهنا لا أنكر دور جميع المدربين الذين تدرّبت معهم في لبنان والامارات وخصوصاً الكابتن عدنان الشرقي».
مباريات في البال
كثيرة هي المباريات التي خاضها شبل هرموش ضمن تشكيلة الصفاء الأساسية بين أعوام 1968 و1974 ، ونظراً لتواضع واقع الاعلام الرياضي في تلك الفترة حُرم الكابتن شبل وغالبية لاعبي جيله «الذهبي» من الاحتفاظ بذكرياتهم كما يجب، لكن خزان ذاكرته أفاض علينا ببعض المحطات واللمحات والأهداف المحفورة في قلبه وعقله معاً، ليتذكّر منها: «خلال مباراة للصفاء ضد فريق الهومنمن على ملعب برج حمود سجّلت 3 أهداف خلال نصف ساعة فقط، بعدها خرجت من الملعب في ضوء زوال مفعول ابرة البنج في أصبع رجلي «الباهم» لتنتهي المباراة بالتعادل 3 ـ 3، وفي العام 1971 سجّلت هدفاً من مسافة 30 متراً في مرمى التضامن بيروت الذي كان يحرسه بسام همدر، وفي مباراة ودية ضد النجمة على ملعب المدينة الرياضية سجّلت هدفاً في الشوط الأول ثم تفاجأت باستبدالي، من يومها أدركت تماماً بأن التدخلات الادارية في نادي الصفاء لا بدّ ان تؤدي إلى مغادرة لاعبيه لاحقاً».
يوم فاز على النجمة
تبقى مباراة الصفاء والنجمة في أواخر العام 1973 الأكثر التصاقاً بذاكرة الشيخ شبل هرموش، لا بل لم تفارق يوماً أذهان جميع الذين عايشوا بطولات الكرة اللبنانية قبل اندلاع الحرب الأهلية، يومها انتهى الشوط الأول بنتيجة 2 ـ 1 للصفاء، وظن الجميع بأن قلب النتيجة قادم لا محال والمباراة ذاهبة حتماً إلى فوز كبير للنبيذي في الشوط الثاني، خصوصاً وأن الصفاء كان قد خسر أمام النجمة قبل أسبوع واحد فقط بنتيجة (4 ـ 0) … لكن «الشبل» كان لهم بالمرصاد، برع بشكل لافت ليغيّر المعادلات ويقلب الموازين، حيث نجح بتسجيل ثلاثة أهداف «أوروبية» (رأسيتان وتسديدة من خارج المربع) في مرمى رياض مراد، لينتهي اللقاء بفوز الصفاء (3 ـ 2).. وفي اليوم التالي تصدّر اسم شبل هرموش عناوين الصفحات الرياضية في كافة الصحف اللبنانية ومنها «شبل هرموش يفوز على النجمة».
الاصابة مفتاح الانتقال إلى الانصار
ـ سمعنا إن إصابتك في احدى التمارين مع الصفاء كانت السبب الرئيسي وراء تركك للنادي، فماذا تخبرنا حول هذا الموضوع؟
«كان ذلك في العام 1974، وخلال تمرينة ودية مع نادي النجمة على ملعب الصفاء، ارتقيت لاحدى الكرات العالية فاصطدمت مع المدافع ياسين أبو عايدة ووقعت أرضاً في حالة غياب عن الوعي، وفي البيت تعافيت قليلاً لكن الألم كان يزداد في وجهي، حتى ارتخت عيني ولم يعد لدي قدرة على فتحها، مضت أربعة أيام قبل أن أتوجّه إلى المستشفى لأكتشف بأن كسراً قد لحقني في عظام وجهي، فأجريت عملية جراحية على نفقة والدي الذي بدأ يستاء من مسيرتي الكروية مع الصفاء … أربعة أيام ولم يسأل أي اداري في نادي الصفاء عنّي! حتى في المستشفى لم يزرني أي صفاوي! ومن يومها قررت عند شفائي سأغادر الصفاء، لم يعد الصفاء يعنيني، فالأجواء لا تناسبني في ظل وجود رئيس نادٍ ديكتاتوري هو أمين حيدر، الذي لجأ الى التمييز بين اللاعبين لاعتبارات غير منطقية ولا رياضية، وبعد تصميمي على الانتقال من الصفاء إلى الأنصار، رفضت إدارة الصفاء اعطائي كتاب الاستغناء ، وهنا صرت أتردد مع شقيقي المرحوم يوسف إلى مقر النادي ونقوم بشتم المعرقلين، إلى أن رضخ المعنيين للأمر الواقع مع قيام الصديق سميح زين الدين وهو شقيق اللاعب وليد زين الدين المنتقل من الصفاء الى الأنصار بمبادرة قضت بعودة شقيقه إلى قواعده الأولى إفساحاً في المجال لاتمام عملية انتقالي الرسمي إلى نادي الأنصار».
وأخذتني «الحرب» إلى «النصر»
بعد أقل من نصف موسم له من الانصار اندلعت الحرب الأهلية في لبنان (نيسان 1975)، فاضطر هرموش للسفر إلى الامارات حيث لعب مع نادي النصر، عن تلك التجربة الاحترافية يقول: «فوز اندلاع الحرب الأهلية، عرض شقيقي المرحوم يوسف على سمو الشيخ مانع آل مكتوم رئيس نادي النصر أن يرسل بطلبي للانضمام إلى صفوف نادي النصر دبي، وبالفعل توجّهت على وجه السرعة ولعبت أولى مبارياتي التجريبية بمواجهة فريق الشارقة فبرزت بشكل جيّد، وهنا طلبوا مني إحضار كتاب الاستغناء من نادي الأنصار، وقد أنجزت العملية سريعاً، وأذكر بعد مباراة خضتها مع النصر ضد فريق ارسنال الانكليزي تقدّم نحوي رئيس الارسنال والى جانبه مدرب الفريق وطلبوا منّي أن أفكّر جدّياً بالذهاب إلى انكلترا واللعب مع الارسنال، وخلال تواجدي في دبي أرسلت بطلب لاعب الوسط هاني عبد الفتاح (رحمه الله) لتدعيم صفوف النصر قبل لقاء فريق الأهلي الاماراتي، غريم النصر التقليدي، وقدّم مباراة كبيرة، ولطالما سمعت عبارات الاطراء والشكر على تزكيته لاعباً ضمن صفوف النصر. وخلال تواجدي في الامارات تمّ اختياري مع هاني عبد الفتاح وحسان حيدر لنكون ضمن صفوف منتخب الجيش الاماراتي إلى جانب عدد من اللاعبين الكبار العرب أبرزهم السوداني الفاضل سانتو… وفي العام 1980 طلّقت العزوبية ورزقني الله بأربعة أبناء هم: ليال ولميس وطلال ووائل»
كتاب يروي سيرته
من منطلق اعتزازها بوالدها وهي الشمعة الأولى التي أضاءت قلبه بأنوار الأبوّة، سعت ليال شبل هرموش المقيمة في دبي إلى إفراح قلب والدها بمكرمة ترد بها بعض الجميل، اختارت إصدار كتاب يروي سيرته الحياتية ومسيرته الكروية، وهذا ما جعلها تتصل بالزميل ابراهيم وزنه لانجاز المهمّة، خصوصاً وأن وزنه سبق وأصدر كتاباً حول اللاعب الراحل يوسف الغول وآخر حول نجوم الرياضة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ومن المتوقع أن يتمّ اصداره خلال الصيف المقبل.