مشروع لتدويل الحدود اللبنانيّة ـ السوريّة… فما دور صندوق النقد؟
محمد حميّة
لم يكن استحضار ملف الحدود اللبنانية – السورية جديداً ومفاجئاً. فلطالما استخدمه فريق 14 آذار كمنصة إعلاميّة وسياسية منذ العام 2005 حتى الآن لاستهداف المقاومة وحركتها العسكرية في لبنان وداخل الأراضي السورية.
هذا الاستهداف يتماهى مع السعي الأميركي – الإسرائيلي للسيطرة على الحدود بين لبنان وسورية وإخضاع النقاط والمعابر على طول الحدود لرقابة أممية أو لرقابة الحكومة اللبنانية عبر الأجهزة الأمنية لكن تحت إمرة ووصاية القوات الدولية. اما الهدف فيصب في خدمة الامن القومي الاسرائيلي وهو قطع الشريان الاستراتيجي الحيوي بين سورية والمقاومة في لبنان.
وللتذكير فإن الطرح الاميركي بالسيطرة على الحدود اللبنانية السورية عبر الرقابة الدولية، كان أحد أبرز الشروط الاميركية – الاسرائيلية خلال المفاوضات إبان عدوان تموز 2006 كما ذكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في كلمته امس. إذ بحسب مطلعين على المفاوضات آنذاك أصرّ الأميركيون ومعهم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على أن يشمل القرار الدولي 1701 الحدود مع سورية ونشر قوات دولية عليها أي تحويل الحدود اللبنانية مع سورية الى وضع مشابه للحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، كما أن هذا الطرح ورد في بنود القرار الدولي 1559 وفي أغلب القرارات والتوصيات الأممية وتصريحات المسؤولين الاميركيين والاسرائيليين.
إلا أن الفشل رافق تطبيق هذا الهدف حتى يومنا هذا رغم كل الضغوط الدولية وإصرار بعض القوى السياسية في الداخل والتحركات العسكرية الاسرائيلية المتكررة على الحدود، وما نشر التنظيمات الإرهابية على طول الحدود الشمالية والشرقية مع سورية إلا لتحقيق الهدف نفسه هو السيطرة على الحدود وإعاقة التواصل الجغرافي بين المقاومة في لبنان وحلفها الإقليمي التي تعتبر سورية معبره الرئيسي.
فلماذا إعادة طرح المخطط نفسه في هذه المرحلة بعد اندحار الوجود الارهابي على الحدود وفشل مشاريع إسقاط سورية او المقاومة في لبنان؟
لا بدّ من الاشارة الى أن الحملة الإعلامية والسياسية لبعض القوى السياسية اللبنانية على رأسهم القوات في ملف التهريب الى سورية، تزامن مع حركة عسكرية إسرائيلية مكثفة خلال الأسبوعين الماضيين تمثلت بغارات جوية متلاحقة وبالتزامن ايضاً مع حدثين اثنين: الأول بدء التفاوض الرسمي بين الحكومة اللبنانية ووفد صندوق النقد الدولي حول الخطة الاقتصادية الحكومية والدعم المالي للبنان، أما الثاني فهو اقتراب موعد انتهاء ولاية قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان والاتجاه للتجديد لها في شهر آب المقبل وسط ضغوط اميركية على لبنان لتوسيع صلاحية «اليونيفيل» لتطال الحدود مع سورية. وهذا يحتاج الى ذريعة تسويقية، فكان فتح ملف التهريب والدعوة الى ضبط الحدود.
علماً أنه وبحسب مصادر أمنية مطلعة فإن عمليات التهريب موجودة على طول المنطقة بين أهالي المنطقة من السوريين واللبنانيين منذ زمن بعيد نظراً للتداخل الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي في تلك المنطقة الجغرافية الواسعة، وبالتالي ليست جديدة ويصعب ضبطها امنياً لا سيما أن التهريب متبادل بشكل غير منظم ويلحق الخسائر بالدولتين. كما ان حزب الله بحسب مصادره ليس الجهة الأمنية المعنية والمخولة بضبط الحدود بل عمل الحكومة والاجهزة الامنية.
وربطت مصادر سياسية ذلك مع انطلاق مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد، محذرة من أن يتحول الصندوق الى أداة مالية لفرض الشروط السياسية على لبنان في لحظة حرجة يكون فيها لبنان على شفير الانهيار ولا يملك الوقت والامكانات والقرار الذي يخوله رفض الشروط، وبالتالي يضطر لتقديم أثمان سياسية على حساب سيادته الوطنية، لكن المصادر أكدت أن اي قرار دولي بتوسيع صلاحية اليونيفيل يحتاج الى قرار في مجلس الأمن وموافقة الدولتين المعنيتين اي لبنان وسورية، فالأمر الأول غير متوفر لوجود الفيتو الروسي الصيني المزدوج والثاني غير متوافر لرفض الدولة السورية الى جانب وجود اتفاق بين مكونات الحكومة على رفض اي شرط يمس السيادة. وتخلص المصادر للقول بأن المشروع الجديد سيسقط كما سقطت غيره من المشاريع الخارجية الى جانب تغير موازين القوى المحلية والاقليمية وحتى الدولية وما لم يؤخذ بالحرب والقوة لن يؤخذ بالسلم.
ويمكن ايضاً تقفي اهداف السيطرة على الحدود منها عزل لبنان عن سورية والحؤول دون اعادة العلاقات بين الدولتين الى طبيعتها ومنع اي فرصة للبنان لإنقاذ نفسه ليبقى خاضعاً للإملاءات الخارجية ووصاية وشروط صندوق النقد الدولي، كما عبر بصريح العبارة الدبلوماسي الاميركي ديفيد شنكر الى جانب الحؤول دون اعادة النازحين السوريين الى سورية.
وفي هذا الإطار المشبوه تقف القوات اللبنانية على رأس الحملة لضبط الحدود وتحميل حزب الله مسؤولية عمليات التهريب واستنزاف الاقتصاد اللبناني وتدعو الى شمول هذه المنطقة بالقرار 1701، وهي بذلك تساوي من حيث تدري أو لا تدري بين سورية و»اسرائيل»، وبالتالي اعتبارها دولة معادية للبنان ما يضر بالعلاقة بين البلدين.
لا شك في أن ضبط الحدود ومنع التهريب الذي يضر بالاقتصاد اللبناني لا سيما في ظل هذه الظروف الصعبة وشح الدولار هو مطلب وطني، لكن يمكن أن يتم بوسائل أمنية قضائية لبنانية صرفة فما الذي يستدعي هذا التركيز الاعلامي المشبوه سوى للاستعانة بالقوات الدولية وتنفيذ المطلب الاسرائيلي؟
فالطلب من الجيش اللبناني والاجهزة الامنية ضبط الحدود ووقف التهريب أمرٌ مشروع لكن أن نصل الى حدود المطالبة بـ 1701 مع سورية، فأمر يوضع برسم حزب القوات المعادي تاريخياً لسورية. فالقوات لا تريد ضبط التهريب بل ضرب الدور الإقليمي للمقاومة الذي يستعمل بعض هذه المعابر لضرورات عسكرية وأمنية ترتبط بمقاومة العدو الاسرائيلي ومراقبة أي تحرك للتنظيمات الإرهابية. فيخشى هذا الفريق من انفتاح حكومة الرئيس حسان دياب على سورية التي تتجه الى الاستقرار النهائي إذا ما انسدت أبواب صندوق النقد والدعم الأوروبي والاميركي. لذلك الهجوم السياسي الإعلامي من القوات على لسان النائب زياد حواط هو نوع من الحركة الوقائيّة لمنع تحقيق هذا الانفتاح والتقارب الاقتصادي بين بيروت ودمشق.
فإذا كانت القوات تعتبر نفسها من القوى السيادية، فكيف يمكنها طلب قوات دولية الى الاراضي اللبنانية لا سيما على الحدود مع دولة صديقة وجارة كسورية تربطها بلبنان مصالح مشتركة عميقة؟ فضبط الحدود السورية اللبنانية كما في مختلف الحدود بين دول العالم يحتاج الى تنسيق عسكري وأمني واقتصادي وحتى سياسي بين حكومتي الدولتين اللبنانية والسورية. أليست القوات والمستقبل وفريق 14 آذار من رفض التنسيق الأمني مع سورية في معارك الجرود مع التنظيمات الإرهابية؟ وأليست الأطراف نفسها هي التي تمنع الانفتاح الاقتصادي على سورية لإنقاذ لبنان من أزمته الاقتصادية ولإعادة النازحين السوريين الى سورية؟