“لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف بإسرائيل»
د. حسين يتيم
… في زمن الردَّة والرداءة، تقومون بعملٍ قومي يضجُّ صداه في آذان الأمَّة العربية وربوعها وصحرائها ومائها وهوائها، فتتحرَّك الأقلام، وتخفقُ القلوب، وتستنفر الكرامات القوميَّة، لذكر “فلسطين”، وبيت المقدس، والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة!… إنَّه التحدّي الكبير، لكل مَن حمل عار “التطبيع” مع عدوٍ كبير، وهو مُذْ كان “يهودياً” لم يقبل التطبُّع مع كل حضارات الأمم!….
وإذا كانت المقاومة قد قامتْ قيامتها في لبنان، لتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي الغاشم عام (2000)، فهي عازمة على تحرير “فلسطين” كلها، والجولان وسيناء وكل حبَّة تراب مسلوبة!….
… وإنَّه لَمِنْ أضعفِ الإيمان أن تستجيب الأمَّةُ لدعوتكم إلى قيام مقاومة ثقافيَّة وفكريَّة، هي محاربة “التطبيع” مع العدو الغاصب “دولة إسرائيل”، التي جرى تَصْنيعُها وتركيبها بالقهر والاحتلال على “أرض فلسطين العربية”. ولم يكن ذلك ممكناً لو لم تكن مدعومة بخيانة الأنظمة السياسية العربية، بعد أن مهَّد لكياناتها “وعدُ بلفور”، و”اتفاقيَّةُ سايكس بيكو”، ومن بعدُ، تسليم العدالة مذبوحة، إلى راعي البقر الأميركي، حاملاً لواء “صفقة القرن” المزعومة!… … وما دعوتكم المقدَّسة اليوم، إلاَّ ذلك التحريم الذي فرضَه رئيسُ الكنيسة القبطية في مصر المغفور له “البابا شنودة”، فارضاً الحرم على كل قُبْطِي يزور الأماكن المقدَّسة في “فلسطين” تحت حراب “إسرائيل”. وبِكُلِّ حُزْنٍ وأسف، جرى ذلك والمراكز الدينيَّة الإسلاميَّة والمسيحيَّة من الأزهر إلى الفاتيكان، لم تتجرَّأ على القيام بمثله!… والعار الأكبر الذي ارتكبه بعض قيادات العرب، وآخرها السودانيَّة، أن مسؤولين كباراً وصغاراً، اغتنموا فرصة رحيل “عبد الناصر”، وراحوا بدفعٍ أميركي يهرولون إلى “إسرائيل” من دون حياء وشرف، يطلبون الصفح والصلح والاعتراف وطيب العلاقات. وإلى الشعب السوداني العريق، لا إلى الرئيس السوداني الصفيق، نتوجَّه بالتذكير، أنَّ “الخرطوم” عاصمة السودان، كان لها ذات يومٍ شرف انعقاد القمَّة العربية، بوجود الرئيس “جمال عبد الناصر”. وجاء في البيان الختامي: “لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف بإسرائيل”. ولكنَّ الخيانات تتوالى مع “التطبيع”، منذ اليوم الأول المشؤوم الذي كسر فيه أنور السادات “التابو” القومي العربي، وزار “إسرائيل”، حاملاً معه الذُّل المصري والعار العربي هدية للعدو الغاصب!… ولو قرأ هؤلاء المرتدُّون تاريخ مسيرة “اليهود” عبر حضارات الأمم، لكانوا تساءلوا، لماذا اخترع “اليهود” فكرة “شعب الله المختار”؟ وأنَّ الشعوب الأخرى هي الدَّهماء (الغوييم)، وقد خُلِقَتْ لخدمتهم. ويُجدِّفون نفاقاً، أنَّهم هم من اخترع “التوحيد”، وجعلوا له إلهاً هو “يهوه” أي “الله” جلَّ جلاله، والقول (لغولدا مائير)، وزيرة خارجية إسرائيل!….
إنَّهم لم يَتَطَبَّعوا مع الشعوب الآريّة، لا سيَّما الشعب الجرماني الألماني، ومع الكنيسة الكاثوليكية العالميَّة. فَهُم تَعَرَّضوا للسَبِي البابلي والرُّوماني والمصري بسبب تفكيرهم المتعالي وسلوكهم الانعزالي. لقد نسي يهود الأندلس، السَبِيْ الذي حاق بهم في “إسبانيا” وكل جزيرة “أيبيريا”، فاحتضنهم عرب المغرب يومذاك، وأوسعوا لهم الأرض والبيوت والأعمال!…
والسؤال الأخير، لماذا انقسموا هم أنفسهم إلى دولتين متحاربتين، “يهوذا والسامرة”، بعد زوال “مملكة سليمان»!…
فيهود “إسرائيل”، الذين يطلبون “التطبيع” مع العرب بشروطهم الفوقيَّة، هل عملوا بدورهم على “التطبيع” بينهم؟؟ يهود “أشكينازي” ويهود “سفرديم”، يهودٌ “شرقيون” ويهودٌ “غربيون”، يهودٌ “فلاشا” ويهودٌ “بيض”..!
أخيراً، يفخر “المعهد العربي” أنَّه قام على رسالة قوميَّة عربيَّة في قلعة العروبة “بيروت”، فتخَرَّجَ منها الألوف من الطُلاَّب المستنيرين منذ العام (1958)، وقد نشأوا على الفكر القومي، فكانوا جمهوراً كبيراً، مشى مسيرته وفقَ نشأته التربويَّة. والشرف لهؤلاء الطلاَّب، الذين اختاروا المقاومة المسلَّحة من أجل تحرير الجنوب وفلسطين، فدحروا الغزو الصهيوني عن بيروت وصولاً إلى حدود “فلسطين المحتلَّة”!..
وإذا كان لا بُدَّ من الإشارة إلى شرف العمل التربوي، الوطني والقومي، فإنَّ الشهيد الكبير (الأخضر العربي) الأستاذ أمين سعد، كان النموذج، وكان المُعَلِّمَ الأوَّلَ في مدارس “المعهد العربي” ينشر الفكر الجهادي بالكلمة والسلاح، فلقد قاد جماهيرَ المعلمين والطلاب والأهالي إلى الحقيقة القوميَّة، فتطبَّعوا بها، وعملوا لها مؤمنين. ولما أدَّى رسالته التربويَّة بعد عقدين من الزَّمن، ذهب إلى “العرقوب” مقاوماً بالسلاح، فكان والكوكبة التي استشهدتْ معه، من بواكير المقاومة اللبنانيَّة من أجل “لبنان” و”فلسطين” وكل أرض عربية. ولمَّا اعتقل في دمشق زمن دولة الانفصال، كان ذلك من أجل محاربة “التطبيع” الذي ذهبت ضحيته دولة الوحدة: (الجمهورية العربية المتَّحدة).
*نائب سابق