ملف النزوح السوريّ في قبضة اليد الخارجيّة
بين سورية ولبنان لا توجد ملفات سياسيّة، أمنية، اقتصادية واجتماعية. فالتاريخ واحد لحضارة واحدة وشعب واحد وقضية واحدة، إلا أن صناعة الملفات المشبوهة، تعود الى تلك الغرف الصهيونية السوداء التي أرادت تقسيم سورية والتحكم بمصير شعبها، بالإضافة الى زرع بذور الكره والتعصب والطائفية في كياناتها..
تعدّدت الملفات وتنوّعت بين سياسية واقتصادية، هدفها الأول والأخير، التدخل الدائم في شؤون البلاد والتحكم بمصيرها، وبالتالي جعلها خاضعة دائماً وأبداً للوصاية الغربية، وتعزيز مبدأ التبعية لسفارات الدول الكبرى. أما الهدف الأبرز فهو الحفاظ على أمن الكيان «الاسرائيلي» الغاصب، هذا الكيان الذي يعتبر منصة الدول المستعمرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية للتحكم بدول العالم.
أما أبرز الملفات الصهيو – أميركية الأخيرة، فهي الحرب الكونيّة على سورية، التي ابتدأت منذ أواخر 2011، وما زالت حتى اليوم 2020. هذه الحرب التي يمكن وصفها «بالحاقدة» على الحضارة السورية الإنسانية الممتدة في التاريخ، تركت وراءها عدداً من الملفات الفرعية، وكان أبرزها ملف النزوح السوري، الذي تحول لعبة سياسية دولية وإقليمية ومحلية، وأصبح في قبضة اليد الداخليّة والخارجيّة.
من هذا المنطلق، يرتبط ملف النزوح السوري في لبنان بمعوقات سياسية وإجتماعية وديموغرافية، وتناقضات في الآراء بين تأمين عودة طوعية أو عودة آمنة للنازحين، إضافة الى الحديث عن مشاكل وأعباء اقتصادية واجتماعية وأمنية وبيئية تكبّدها لبنان نتيجة النزوح.
المجتمع الدولي برّمته ضدّ عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، هذا لم يكن «سرّاً» أفشاه المونسنيور بول ريتشارد غالاغر، بل واقعٌ مفروض على لبنان منذ سنوات. ورقة «اللجوء السوري»، هي أداة رئيسية يستغلّها اللاعبون الرئيسيون، دولياً وإقليمياً، في سياق حربهم ضدّ سورية. «ويُراد أن يكون لبنان، ساحةً سهلة يتمكنون فيها من تنفيذ أجندتهم، وفرض توطين النازحين السوريين فيها. المعركة التي يخوضها لبنان، في هذا الملّف، استراتيجية وتحمل طابعاً وجودياً. ولكنّ الدولة اللبنانية، وكعادتها، لا تذهب إلى مواجهة مع «المجتمع الدولي» بجسمٍ موحّد، يُساعدها في تقديم موقف قوي».
اليد الخارجية في قضية النازحين توازي اليد الداخلية بمستوى العمالة والفساد
لذلك، لا بدّ من التوضيح، أن قبضة اليد الخارجية على الملفات اللبنانية، والتي لم يُتخذ قرار حكومي بقطعها، لا تختلف على الإطلاق، مع تلك القبضة الداخلية الملطخة بالتبعية والعمالة والفساد. وبالتالي، نحن أمام معوقات داخلية وخارجية تمنع عودة النازحين السوريين، أبرز هذه المعوقات تتمثل في العامل السياسي، وغياب الموقف اللبناني الرسمي الموحّد، بالإضافة الى موقف المجتمع الدولي غير المشجّع للعودة (وعلى رأسه المفوضية السامية للاجئين)، لكونه يربطها بالحل السياسي للأزمة السورية، وهو ما يرفضه لبنان، الذي يؤكد فقط على مستوى التصريحات السياسية المعهودة، على العودة الآمنة والكريمة، والتي يجب أن تبدأ فوراً، لأن التداعيات الاقتصادية والمالية والأمنية والبيئية والاجتماعية كبيرة، ولا قدرة له على تحمّلها. لذلك فإن على المجتمع الدولي تفهّم واقع لبنان القانوني كبلد عبور وهجرة وليس بلد لجوء، باعتباره لم يوقع لا على اتفاقية اللاجئين للعام 1951، ولا على بروتوكول العام 1967 ذي الصلة، والعمل على تسهيل العودة مع ضخ المساعدات للنازحين في سورية.
من هذا المنطلق، يشهد لبنان منذ السنوات الأولى للحرب الكونية على سورية نقاشاً حامياً حول وضع النازحين، ففي حين ترى القوى الوطنية أن ملف النزوح هو في سياق الحرب على سورية وللضغط على الدولة السورية، فإن هناك قوى حرّضت على النزوح، وبعضها يتحدث اليوم عن أعباء النزوح على الاقتصاد!!
وعلى الرغم من أن البيان الوزاري لحكومة «إلى العمل» السابقة، (برئاسة سعد الحريري) والذي يضم بنداً يتعلق بموضوع النزوح السوري، والتأكيد على أن الحل الوحيد هو عودة النازحين الآمنة إلى بلدهم، ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو توطينهم، وتأكيده الترحيب بالمبادرة الروسية، إلا أن هذا الملف الذي يعكس ارتهان غالبية السياسيين اللبنانيين للسفارة الأميركية أولاً، ولباقي السفارات الغربية والخليجية ثانياً، حمل، وسيحمل في طياته الكثير من التعقيدات الداخلية والتدخلات الدولية التي قد تتحول إلى أزمة مفتوحة.
فوفق الآلية اللبنانية، تخرج مصادر ديبلوماسية، في تعليقها على ملفّ النازحين والعمل على إعادتهم، للادعاء بأنها استطاعت تحقيق إنجازات هائلة لتعبيد طريق عودة هؤلاء إلى أراضيهم. وأساس هذه «الإنجازات» هي الحصول على ضمانات من قبل الحكومة السورية لتوفير «العودة الآمنة»، والحصول على تعهّدات بإلغاء القانون رقم 10، والذي يعتبره المجتمع الدولي أساسياً في عرقلة إعادة النازحين إلى سورية أولاً، وإلى أراضيهم الأصلية ثانياً.
على هذا النحو، تتوسّع التجاذبات السياسية التي تنشأ عن التعامل مع ملف النازحين، من اللعبة الداخلية اللبنانية، المحفوفة بالمزايدة والشعبوية، لتصبح نهجاً لبعض الدول. وفي هذا الوقت، تحدث حملة تخويف من بقاء النازحين، وانعكاس وجودهم السلبي على الوضع الاقتصادي، والخشية من توطينهم. وبالتالي، يتمّ الترويج أن هناك حاجة ماسة للإسراع في توفير العودة لهم، قبل تطبيق مقررات سيدر، كي لا تُفرَض شروط جديدة على الدولة اللبنانيّة من نوع وجوب إدخالهم إلى سوق العمل.
كذلك، تحدث حملة أخرى يتم التسويق لها في إطار حملة المزايدات، تقول إن عدم تحقيق العودة حالياً، وقبل انتظار الحلّ السياسي، قد يفرض تطبيق النموذج التركي بإقامة مخيمات على الحدود اللبنانية السورية. وهذا ما قد يمكن الدولة السورية من التحكم بمصير النازحين، وبأحوال المخيمات، ويمنحها فرصة التأثير فعلياً وعملياً على لبنان!
نستنتج هنا، أن لملف النازحين السوريين أهدافاً استراتيجية، وأنه بات قوة ضغط في وجه السلطة اللبنانيّة، التي لا تملك مناعة المواجهة، وهي في الأصل مرتهنة وتابعة، ومأزومة. وقد يكون سيدر هو واجهة النقاش، الا أن الغايات الغربية المنشودة قد تتخطى حدود المساعدات الاقتصادية والمالية. وقد تصل الى حدود المقاومة والسلاح وتخريب الداخل والتوطين وزرع الفتن الطائفية، وزعزعة الاستقرار الأمني، واللعب على الوتر الديموغرافيّ.
قصور الموقف الرسميّ اللبنانيّ عن المستوى القوميّ الملحّ
بناء على ما تقدم، لا بدّ من الاشارة الى أن لبنان يعاني احتقاناً اجتماعياً وسياسيا ناتجاً عن أزمة النازحين السوريين، وللاحتقان أسباب عديدة، منها أنّ لبنان يحتضن نازحين سوريين أكثر من بلدان كثيرة في العالم، وقد جرى استثمار ملف النازحين مادياً وسياسياَ، في ظل ضعف الدولة المركزية والتفاوت الإقليمي، إضافة إلى الطريقة الفريدة التي تترابط بها القضايا السياسية والاجتماعية الداخلية للبنان مع الحرب الدائرة في سورية.
لقد دعا البيان الختامي لمؤتمر القمة العربية التنموية في العاصمة اللبنانية بيروت إلى مضاعفة الجهود لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين إلى بلادهم. وجاء في نص البيان الذي قرأه وزير الخارجية والمغتربين السابق جبران باسيل: «إزاء استفحال أزمة النزوح واللجوء السوري واستمرار وتفاقم أزمة اللاجئين الفلسطينيين المزمنة… ندعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته للحد من مأساة النزوح واللجوء ووضع كل الإمكانات المتاحة لإيجاد الحلول الجذرية والناجعة».
ويبدو هنا أن باسيل قد عجز عن طرح الحل الوحيد للأزمة كما طرحها رئيس المجلس الأعلى للحزب السوري القومي الاجتماعي النائب «أسعد حردان» مثلا: الذي دعا بدوره «للشروع في خطوات عملية وجادة لمعالجة قضية النازحين»، وشدد على أن «هذا يحتاج إلى تنسيق مشترك بين الحكومتين اللبنانية والسورية»، وأوضح أن «معالجة قضية أعداد النازحين السوريين في لبنان لا تتم بإضافة مشكلات أخرى بل يجب أن تعالج هذه القضية برؤية واضحة ومن خلال التنسيق الطبيعي الجدّي بين الحكومتين اللبنانية والسورية». الا أن التخبط في العلاقات الدولية والارتهان للولايات المتحدة الأميركية حال دون اتخاذ خطوات جريئة على هذا المستوى.
المؤتمرات الدولية حول النازحين عززت الارتهان للخارج
أما الذي عزّز فكرة الارتهان للخارج في قضية النازحين، هو انعقاد العديد من المؤتمرات التي تخصّ وضع حلول للازمة السورية، وعلى رأسها مؤتمر «بروكسل» هذا المؤتمر الذي أوضح موقف الحكومة اللبنانية الشكلي بشأن النازحين السوريين، الا أن الحكومة تبقى في المضمون مرتهنة للاتفاقيات الروسية والأميركية من جهة، وللمساعدات الدولية (المنهوبة) المشروطة أصلاً بإبقاء النازحين السوريين في الكيان اللبناني من جهة أخرى.
وبهذا نستنتج أن صلب التوجهات التي يقوم بها «بروكسل» تعقيد عودة النازحين، وإغراء الدول المضيفة بالمزيد من المال، وحتى أنها سارت في مشاريع الإدماج للنازحين في اقتصادها ومجتمعاتها.
انسجام وتناغم الدولة اللبنانية مع التوجّهات الدوليّة في تعقيد عودة النازحين
في السياق نفسه، نرى أن الدولة اللبنانية منسجمة ومتناغمة مع التوجهات الدولية في تعقيد عودة النازحين، في ظل غياب خطة رسمية واضحة وواحدة لإعادة النازحين، وجوهر هذه الخطة هو التواصل المباشر مع الحكومة السورية. الا أن الاتصال بدمشق يلقى اعتراضاً من قبل بعض الأفرقاء السياسيين المرتهنين للسفارات، رغم أنه جرى التآكيد على عبارة «العودة الآمنة للنازحين السوريين وليس الطوعية»، كما على ترحيب الحكومة بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم.
إنّ مفهوم التوطين هو جزء لا يتجزأ من السياسة الأميركية – الصهيونية، ما يفترض دائماً أن بعض المقاربات المقترحة في لبنان لا تشجع على العودة، بل على التوطين، وبطرق مختلفة. قد تكون سياسية أو اقتصادية، وقد تكون رعائية – انسانية. وهنا، لا بدّ من الوقوف عند الحالة الشاذة التي تسمى بالمنظمات الإنسانية الدولية، التي استوطنت في لبنان مع بدء الأزمة في سورية تحت شعارات إنسانية وإجتماعية وخيرية وصحية وتعليمية، مهمتها المعلنة العمل الإنساني لمساعدة النازحين السوريين، رافعةً شعارات العالم المتمدن ومبشرة بالعدالة والمساواة والعيش الكريم والحق في الحياة والتعلم والحرية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: «كيف تكون الدول التي تؤجج الصراع في سورية هي نفسها الدول التي ترعى عدداً من هذه المنظمات الإنسانية غير الحكومية لمساعدة الشعب السوري؟ «لِمَ لا يجاهر «أصدقاء سورية» بالحقيقة وبأنهم لا يريدون حلاً لمسألة النازحين وأن مسألتهم هي مسألة سياسية بامتياز، وبأنهم عبر منظماتهم «الإنسانية» يساهمون في تشجيع السوريين على مغادرة قراهم ومدنهم واللجوء إلى دول الجوار لأجل الإغراءات المادية التي يقدمونها؟ ولماذا لا تعمل هذه المنظمات الإنسانية تحت راية واحدة طالما أنها تريد المصلحة العامة للسوريين بحيث تذهب المساعدات إلى مَن يستحقها فعلاً لا قولاً»؟
وفي الإطار نفسه، علينا أن لا ننسى موضوع الفساد في إدارة المساعدات التي تقدمها المنظمات، فلا بد من تقويم جدي لعملياتها في لبنان وإجراء تفتيش للتأكد أين تذهب المساعدات الإنسانية المخصصة للنازحين السوريين. وقد صدرت العديد من التقارير الإعلامية التي تؤكد بأنّ «عمليات الهدر والسرقات تتمّ تحت أعين عدد من مسؤولي البرامج وتحت «أيديهم» في مناطق السوريين ومخيّماتهم وفي البلديات والمراكز التي توزع فيها هذه المساعدات»!
يبقى أن صراع الأحزاب اللبنانية «الطائفية» في قضية النازحين السوريين، هو صراع على النفوذ السياسي وتقاسم المصالح مع الغرب، والتنافس على تعزيز التبعية للدول المؤججة للصراع في الشام، والتي تخدم بالدرجة الأولى العدو «الاسرائيلي». بالاضافة الى النهب المنظم لما يسمّى بالمساعدات المالية الدولية للنازحين.
وعليه، يتبين لنا بوضوح أن التجاذبات والصراعات والخلافات السياسية اللبنانية، هي الأداة التنفيذية لتحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية الغربية لإبقاء النازحين السوريين خارج الكيان الشامي. وبالتالي، باتت عودة النازحين مرتبطة بمعوقات خارجية على رأسها الأمم المتحدة والدول الكبرى (فرنسا – بريطانيا – الولايات المتحدة الأميركية.. الخ). فالأمم المتحدة تحاول توطين النازحين السوريين وتحاول إبقاءهم خارج بلادهم، بالطبع السلطة السياسية في لبنان تعي جيداً هذا التخطيط ولكن تقدم لها الأمم المتحدة كل التسهيلات المادية اللازمة من أجل إبقاء السوريين في لبنان عن طريق دفع مبالغ نقدية، موزعة بين النازحين، والسياسيين.
كما وتجدر الاشارة، الى أن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين، لا تشجعهم على العودة، بل تخوفهم عبر طرح أسئلة محددة تثير في نفوسهم الرعب من العودة نتيجة إخافتهم من الخدمة العسكرية، والوضع الأمني، وحالة السكن والعيش، وقطع المساعدات عنهم، وعودتهم دون رعاية أممية.
كل هذا يؤكد لنا، أن الدول الكبرى من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع موضوع النازحين السوريين من منطلق سياسي لا إنساني، فهي لا تريد إيجاد حل ولا تريد عودتهم إلى الشام قبل سنة 2022 أي قبل موعد الإنتخابات الرئاسية السورية، لأنها تعتقد بأن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم هو دعم للرئيس بشار الأسد، أيضاً لمنع القدرات السورية البشرية من المساهمة في إعادة إعمار بلادها ومنع الحياة الطبيعية من أن تعود إلى المدن والقرى السورية التي انتهت فيها الحرب.
كما أن الدول الكبرى لا تريد عودة النازحين السوريين لأنها تعتقد أن هؤلاء يشكلون بنية كبيرة في سيادة الدولة السورية، وهم لا يريدونها أن تستقيم. بالإضافة إلى استغلالهم كوقود للتنظيمات الإرهابية العاملة في سورية، حيث إنها تأخذ معظم إرهابها من هؤلاء عبر استغلال فقرهم وعوزهم مقابل مبالغ مادية زهيدة للانضمام إليهم لذلك تريد الدول الكبرى إبقاء هؤلاء في حالة الفقر المدقع لجعلهم ضد الدولة السورية، ولإبقائم على علاقة دائمة مع التنظيمات الإرهابية.
الجدير بالذكر أنه منذ بداية الأزمة السورية، قامت فرنسا بمراقبة التحول السياسي في سورية وانتقاد الدولة السورية والعمل على دعم المعارضة اقتصادياً ودبلوماسياً من خلال استضافتهم. ما يعزز فكرة أن الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ترفض عودة النازحين، وبالتالي ستبقى تضغط وتقوم بتقديم المساعدات للدول المضيفة.
في المقلب الآخر، يتعامل لبنان بصورة إيجابية مع الخطة الروسية، ولو أنها ما زالت حتى الآن نظرية ولا ترجمة مباشرة لها. البعد الأهم في المبادرة الروسية هو البعد السياسي. حيث أمّنت هذه المبادرة الغطاء السياسي والمعنوي للتشجيع على العودة. قوبلت بمباركة رسمية لكونها مواتية لتطلعات لبنان في تأمين العودة السريعة الآمنة من دون ربطها بالحل السياسي.
لا حاجة لضابط ارتباط بين لبنان وسورية
وعلى الرغم من محاولة الروس كسب فرنسا وألمانيا في توفير المساعدات الإنسانية والبنى التحتية في المناطق السورية التي تعود للنازحين السوريين، لكنهما رفضتا بفعل ضغوط أميركيّة. ترافق ذلك مع إشارات سلبية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي رددت بلسان مفوضها العام أن الظروف «غير مواتية للعودة».
أما بالنسبة لموقف دمشق، فقد رحبت بالمبادرة الروسية لتشجيع العودة وإطلاق ورشة الإعمار، لكنها رفضت اقتراح تشكيل لجنة ثلاثية سورية روسية لبنانية، لأنها «لا تريد ضابط ارتباط بينها وبين لبنان نظراً لوجود علاقة مباشرة بين الدولتين، وبالتالي يمكن أن يكون التنسيق مباشراً بين البلدين. الا أن الحكومة اللبنانية لم تتجرأ حتى اللحظة على ذلك.
لا عودة قريبة للنازحين
في النتيجة، هناك إشارات سلبية ومقلقة تؤكد صعوبة عودة كل النازحين السوريين الموجودين في لبنان إلى الشام في المدى المنظور، حيث تبين أن هناك معوقات داخلية وخارجية تتحدّث عن استحالة عودة السوريين إلى مناطقهم لأسباب سياسية ولوجستية، في ظلّ تفاقم الخلاف على مستوى الداخل اللبناني المنقسم بين مؤيد ومعارض للحكومة السورية ولملف عودة النازحين، بينما يرى البعض ضرورة التنسيق مع الحكومة السورية في هذا الملف، يرفض آخرون مثل هذا التنسيق. بالإضافة الى المعوقات التي تفرضها هيئات الأمم المتحدة بهدف التوطين. وهذا ما دفعنا إلى الاستنتاج بأنّ عودة النازحين إلى الشام ليست قريبة وسريعة وغير مسهّلة من المجتمع الدولي.
*مدير معهد العلوم الاجتماعية
في الجامعة اللبنانية – الفرع الثالث.