في ما يتعدّى السعادة والخوف… هناك حياة
} غدير حمية
السعادة؟ جميعنا يبحث عن السعادة.. لكن ما هي السعادة؟
مفهوم غامض لا نستطيع أن نصل إلى تفسيره أو تحليله أو حتى إيجاد معنى واضحٍ له، يكتنفه الالتباس.. ذلك الالتباس القائم على الأسئلة الجوهريّة الخمس: من؟ كيف؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ السعادة غالباً غير مرئيّة.. هي شعور.. لكنها لبعض الناس تتصوّر على هيئة إنسان، فتصبح بالنسبة للفتاة ذلك الفارس الآتي على الحصان الأبيض..
بالمناسبة، لا أدري مَن ابتكر فكرة الحصان، غالباً لرمزيته، تلك التي لها علاقة بالقوة والسرعة والجمال، لكنها في عصرنا هذا تلاشت ومات الحصان بين ألسنة نار الحياة الافتراضية، وحزنت الفتاة فتاهت عنها السعادة في الغابة السوداء، حيث كان الأمير الفارس يبحث عن حصانه الذي كان بدوره يشكل له مصدر سعادة، فهو وسيلته الوحيدة للوصول إلى قلب الفتاة تلك أو حتى للمضيّ برفقتها على صهوته إلى عالمهما الأبيض كما كان يخيّل لهما.. وبموت الحصان ذبلت الأحلام وفُقدت السعادة…
لا أدري لماذا ربط بعض الناس السعادة بالأشخاص.. ألم يدركوا منذ البداية أن السعادة تفنى بفناء الجسد؟ فهي على غرار الموت تأتي بسرعة خاطفة وتجرف كل ما يعترضها.. السعادة إذاً هي الوجه الآخر للموت.. الأم أيضاً ترى في أمومتها مصدر سعادة.. لكن سعادتها تلك مهترئة يشوبها الخوف.. تخاف على فلذة كبدها من الهواء والشمس والطريق والأصدقاء والطعام والمياه… سعادة على حافة هاوية… الوصول إلى الأهداف سعادة أيضاً.. لا أدري إذا كانت تلك الأهداف لها نهاية… حياة طويلة أو ربما قصيرة.. لكن كلما تقدمت بنا الأيام تختلف طوحاتنا وأهدافنا.. إذاً هي عقدة طويلة وزمن مديد من الأهداف.. سعادة ظرفية.. وستصبح سعادة غبية كلما تقدمنا خطوة باتجاه الأهداف.. يتحقق الهدف الأول والثاني.. سنصل إلى الثالث ليصبح الأول مجرد ذكرى ربما نندم على تحقيقها أو لا نندم.. لا أدري.. بالنتيجة هذا النوع من السعادة من الممكن تسميته سعادة قائمة على وهم تحقيق الأهداف، تلك الأهداف التي لا نهاية لدورتها كلما تقدّمنا عمراً أو تفكيراً أو منطقاً.
المنطق؟ لا أدري ما هو المنطق وكيف يتمّ تفسيره هو أيضاً، ربما يكون مجموعة القواعد الاجتماعية أو التعاليم الدينية. ربما هو مرتبط بالعلم، أو يمكن اعتباره ركناً من أركان مسبّبات الوجود البشري، باعتبار أن الخالق زرع الروح في البشر ووضع فيهم الغريزة ونفخ فيهم المنطق. المفارقة هنا أنّ المنطق نفسه يختلف عليه الجميع، ولكلّ إنسان منطقه.. ويمتعض الكلّ من منطق الكلّ..
إذاً ما هو المنطق؟ وهل يرتبط المنطق بالسعادة؟ فإذا ما عاش الإنسان حياته تحت سقف المنطق يصل إلى السعادة؟ مفاهيم غير مرئية، غير واضحة، لا معالم لها ولا تفاصيل. وأيّ تفاصيل نتحدث عنها، الحياة قائمة ونعيشها ونستفيد من الوقت الممنوح لنا فيها، لكننا بالمقابل ننتظر الموت، فالوجه الآخر للحياة هو الموت..
نعيش خائفين على أن يأتينا الموت في أي لحظة.. فكيف إذاً نحصل على السعادة في حضرة الخوف؟؟ الخوف رفيق حياتنا الأبدي.. ومن الممكن القول إنه عدونا الأبدي.. من إنسان الكهوف ونحن كبشر نخاف.. ليس شرطاً أن نكون بشراً فعلاً.. لكن الخوف موجود.. هو غريزة تتحكم بنا.. ويصبح في أغلب الأوقات سلاحاً بيد آخرين ليتحكموا بنا.. وقد تطوّر الخوف مع التطور البشري.. إذ كان الإنسان القديم يخاف من الحيوانات المفترسة أو من غضب الطبيعة… اليوم أصبح يخاف من الحيوانات المفترسة التي اتخذت أشكالاً جديدة ومتعددة وقوالب مختلفة.. نخاف أن نكبر أو أن تقتلنا الوحدة أو أن نكون بلا فائدة في هذه الحياة الصاخبة.. البعض يخاف العنوسة، البعض الآخر يخاف على أولاده.. هنالك من يخاف أن لا يرزق بأطفال.. وفي المقلب الآخر هنالك من يخاف أن يتورّط بالأطفال.. نخاف أن يصيبنا شلل أو عاهة ما.. نخاف من العجز.. من الفقر.. نخاف أن نبدي رأينا بأيّ شيء، بأهلنا، بأقاربنا، برؤسائنا في العمل.. وعندما نخاف من أيّ شيء في دنيانا نخفف من وطأته علينا بالقول: الموت قادم.. فنخاف أولاً وأخيراً من الموت.. وأحياناً نخاف مما بعد الموت.. البعض يقول إن الشيء الوحيد الذي يعطي للحياة قيمة حقيقية هي أنها تتوقف في النهاية.. حتى أنه في القدم هنالك من أكد أن الآلهة نفسها حسدت البشر أنهم فانون.. لا علاقة لذلك بالإلحاد.. كل ذلك يمكن أن يكون مجازاً.. لكن المجاز من الممكن أن يشكل معنى تصويرياً لمفهوم ما نعمل على اكتشاف جوهره الحقيقي.. البعض الآخر يؤكد أن الوجود قائم على فكرة الحياة من بعد الموت.. وهنا نكون قد طرحنا الفكرة المواجهة لفكرة الإلحاد، تلك التي لها علاقة بالدين الذي يؤكد أنّ العقل هو الوحيد القادر على إدارة شؤون الانسان في الحياة التي ستنتهي نهاية بشعة لتستأنف بعدها حياة ملؤها نور وخلود…
إذاً، ما السعادة؟ سنعود بعد الموت…