يصلح الموقف من اتفاق 17 أيار ليشكل خطاً فاصلاً بين معسكرات السياسة في لبنان. فقد كان هذا الخط الفاصل ولا يزال يحكم السياسات، فهو ضوء كاشف على حدود التمسك بالسيادة، وفرصة تعرّف على حدود التبعية، ومقياس الضعف القوة وصدق ادعاء الإيمان بحقوق الشعوب وقدرتها على التغيير.
في الموقف من اتفاق الذل الذي أراد الأميركي فرضه على لبنان لتشريع الاحتلال الإسرائيلي ومنحه حق الوصاية على الدولة اللبنانية، انقسم اللبنانيون بين ثلاثة معسكرات، معسكر الذل والهوان والتبعية ممن باركوا وبرروا وتذرعوا بألف سبب وسبب، ومعسكر من رفضوا وواجهوا وتصدوا وقاوموا وقاتلوا غير آبهين بالتضحيات والأثمان، ومعسكر التريث والترقب والمسايرة ومحاولات البحث عن المخارج لتفادي الخيارات الحاسمة، والتظاهر أمام كل معسكر بالتفهم.
يومها كانت القوة السياسية والعسكرية والدولية والإقليمية والمحلية طاغية لصالح معسكر الخيانة، وكانت دعوات الواقعية والعقلانية مسلطة على أصحاب خيار المقاومة لوصفهم بالمغامرين والحالمين وأصحاب الخيارات الخشبية، وخلال سنتين فقط انقلب المشهد، فسقط الاتفاق، وتغيرت موازين القوة وبدأت انتصارات خيار المقاومة وهزائم معسكر الاحتلال وداعميه.
الذين انتموا تقليدياً لمعسكر 17 أيار لم يبدلوا ولم يغيروا، والذين انتموا لمعسكر المقاومة يومها لم يبدلوا، ولم يغيروا، والذين كانوا ينتظرون وانضموا إلى معسكر المقاومة ملاقاة للمتغيرات لا زالوا هم أنفسهم، ومن بقوا في الوسط يترقبون ويبررون لم يتغير فيهم شيء، الذي تغير أن عنوان 17 أيار يطل علينا في كل مرحلة بعنوان جديد، وعنوانه اليوم العلاقة بسورية قلعة المقاومة وسند لبنان في إسقاط 17 أيار وزمن الاحتلال. فالداعون بقوة واضحون، والرافضون ليسوا أقل وضوحاً، ومن هم في الوسط يتبادلون الأدوار، وغداً عندما تتغير الموازين سنشهد ما شهدناه يوم سقط 17 أيار.
يجب أن نذكر من حقبة تلك الأيام شجاعة الأقلية النيابية مثالاً على الموقف المقاوم الحاسم كما جسدها النائبان زاهر الخطيب ونجاح واكيم برفض الاتفاق بقوة ووضوح، ونسأل عن النواب الذين صوتوا مع الاتفاق وتموضعوا لاحقاً مع الموازين الجديدة أو الذين تريثوا وحسبوا أنفسهم مقاومين لاحقاً، فنجد الصورة ذاتها حول العلاقة بسورية اليوم، ولو تغيّرت الأسماء.