من البحر الأسود إلى شرق المتوسط المواجهة الأميركيّة الصينيّة تشتعل في تل أبيب…!
محمد صادق الحسيني
السفير الصيني في «إسرائيل» نشر مقالاً قبل يومين يعلق فية على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو بشأن وصف الاستثمار الصيني في «إسرائيل» بأنة «خطر»…!.
ليتم العثور علية بعد وقت قصير، ميتاً بمنزله، في مدينة هرتسليا الساحلية شمالي تل أبيب…!
إن ظروف «موت» السفير الصيني (58 عاماً)، ما زالت غير واضحة ومبهمة ومريبة حتى الآن، رغم البيانات الإسرائيليّة الرسمية!
عُيّن دو واي سفيراً في الكيان في أوج جائحة كورونا، وكان عمل قبل ذلك سفيراً للصين في أوكرانيا.
الكيان الصهيوني ادّعى في بيان رسميّ لة بأنّ السفير مات في نومه…!
لا شك في أن البيان، الصادر عن الجهات الإسرائيلية المسؤولة عن التحقيق الجنائي، الذي فتح، لكشف ملابسات وفاة السفير الصيني، دو واي ( Du Wei )، الذي عثر علية متوفياً في شقتة في هرتسيليا، شمال تل ابيب، يثير الكثير من الشكوك وبيان سلطات تل ابيب زاد في ريبة الواقعة بدلاً من إلقاء الضوء على أسباب الوفاة الحقيقية، وذلك للأسباب التالية:
1 ـ إن المدة الزمنيّة التي أعقبت الوفاة غير كافية إطلاقاً لإجراء التحقيق المهني المتكامل وإجراء التحقيقات والفحوص الطبية اللازمة، بما في ذلك تشريح جثمان المغدور، للوقوف على أسباب الوفاة الحقيقيّة وليس للخروج ببيان باهت وبائس يدّعي أن سبب الوفاة هو السكتة القلبية.
2 ـ إن البيان صادر عن جهات حكومية إسرائيلية، من دون مشاركة أي جهة رسمية صيني، لا في التحقيقات ولا في فحوص الطب الشرعي، التي هي الوسيلة الوحيدة لتحديد أسباب وفاة أي إنسان بطريقة علميّة موثوقة ومُوَثَقَةً، وهذا لم يحصل.
وعليه فإن ما صدر عن السلطات الإسرائيلية حتى الآن لا يمكن التعامل معه سوى في اطار الاقاويل او التسريبات الصحافية، التي تمّت فبركتها من قبل جهات امنية، خدمةً لهدف واضح، الا وهو إخفاء السبب الحقيقي وراء وفاة المغدور.
3 ـ علماً أنّ هناك المزيد من عناصر الشك في الرواية الإسرائيلية والتي يعزّزها التاريخ الدبلوماسي للسفير المغدور ومواقفه المبدئيّة والمدافعة عن حقوق بلاده، جمهوريّة الصين الشعبيّة، في كل المجالات وتصدّيه الدائم لسياسات واشنطن المعادية للصين.
إذ إن تصدّيه، قبل أيام، وعبر تغريدة على تويتر، نشرت على موقع سفارة الصين في تل أبيب، ردّ فيها على تصريحات وزير الخارجية الأميركيّ الوقحة ضد سياسة الصين الاستثمارية في «إسرائيل»، حيث ادعى بومبيو ان الصين تقوم بشراء «إسرائيل» بشكل ممنهج، نقول إن تصدي السفير الصيني هذا، لسياسات واشنطن العدائية تجاه بكين، لم يكن موقفه الأول.
4 ـ فقد كان للسفير دو واي، الذي عمل سفيراً لبلاده في أوكرانيا من شهر 6/2016 وحتى نهاية عام 2019، نقل أنه كانت له نفس المواقف الدبلوماسية الدقيقة والثابتة والمعبرة عن مصالح بلاده، عندما انتقدت الإدارة الأميركية والعديد من المسؤولين الاميركيين، قيام شركةBeijing Skyrizon Aviation الصينية، في أواخر سنة 2017 بشراء حصة، بلغت 41 % من مصانع SICH الأوكرانية العملاقة، للصناعات الجوفضائية، وهي إحدى أهم مصانع محركات الطائرات العملاقة في العالم، مثل طائرات انطونوف / 124 / وشقيقتها الكبرى انطونوف / 225 / والتي تبلغ حمولتها 400 طن، الى جانب صناعة محركات الغاز العملاقة الخاصة بتشغيل محطات توليد الكهرباء.
5 ـ كان للسفير المغدور دور حساس وهام جداً في التصدي للحملة الاميركية، ضد الصين، وفي التصدي للضغوط والتهديدات الأميركية لحكومة كييف، التي خضعت في نهاية المطاف لتلك الضغوط وقامت بتجميد الصفقة، مع الشركة الصينية.
إلا أن الجهود الصينية، الدبلوماسية والتجارية التي قادها السفير المغدور، سنتي 2017 و 2018 قد تواصلت وأثمرت عن اتفاق بديل، صيني أوكراني، قامت بموجبه شركة Beijing Skyrizon Aviation الصينية باستثمار 250 مليون دولار في الشركة الأوكرانية، المذكورة اعلاه، لإقامة مركز تجميع وخدمات لمنتجات الشركة الأوكرانية، في مدينة شونغ كينك Chongqing في جنوب غرب الصين.
6 ـ وهذا يعني ان الدور، الذي لعبه السفير المغدور، في تحقيق هذه الصفقة التجارية التكنولوجية العالية الأهمية، كان دوراً مركزياً وغاية في الأهمية، وهو الأمر الذي جعل الإدارة الأميركية تطلق حملة من التهديد، قادها جون بولتون في حينه، بالعقوبات ضد كل من الصين واوكرانيا، الامر الذي جعل السفير الصيني يرد بما معناه ان العقوبات لن تجدي نفعاً في وقف تعاون مثمر بين بلدين ذوي سيادة.
وقد شاركه، في التصدي لهذه الحملة الجديدة، عضو البرلمان الاوكراني السابق، أوليه لايشكو Oleh Lyashko، عندما أصدر تصريحاً قال فيه: اذا كانت الولايات المتحدة لا تريدنا أن نبيع المحركات للصين فلتتفضل وتشتريها هي.
7 ـ وقد تأكد نجاح السفير المغدور، في إتمام تلك الصفقة، على الرغم من الضغوط والتهديدات الأميركية لأوكرانيا، وذلك على لسان رئيس شركة Motor Sich الاوكرانية، السيد فيياشيسلاف بوغوسلاييڤ Vyacheslav Boguslayev، الذي صرح لوكالة الانباء الوطنية الاوكرانية Ukrinform، بتاريخ 13/12/2019 ، وقال: لقد كانت لدينا مشكلة ووجدنا مستثمرين وبعنا أسهماً لهم (من اسهم الشركة الاوكرانية) وانا نفسي بعت أسهمي لهم.
8 ـ كما أن الرئيس التنفيذي لمجموعة شين واي التكنولوجية الصينية / Xinwei technology group، المملوكة للدولة الصينية ومقرها الأساسي في شنغهاي، السيد وانغ شينغ / Wang Jing / قد صرّح بان مجموعته قد اشترت 80 % من الشركة الاوكرانية منذ عام 2017 وبشكل قانوني تماماً، من خلال شراء حصص من قبل أفراد صينيّين، قيمة كل حصة أقل من 10% من قيمة أسهم الشركة الأوكرانية.
9 ـ من هنا فإن المناقصة التي دخلت اليها شركة CK Huchison Holdings الصينية، لبناء محطة تحلية مياه عملاقة في «إسرائيل» وإدارتها لمدة 25 عاماً، هي التي يجب التدقيق في الدور الذي لعبته في وفاة السفير الصيني المغدور وليس الجلطة القلبية. خاصة اذا ما أخذنا في عين الاعتبار ان هذا السفير قد تم تعيينه في تل أبيب اواسط شهر شباط 2020 وأنه كان مرشحاً أن يلعب دوراً مهماً في توسيع التعاون الاقتصادي والتكنولوجي بين الشركات الصينية والإسرائيلية، التي تتطلع الى (الشركات الإسرائيلية) للدخول مع الصين في تعاون يشمل الجيل الخامس من شبكات الاتصالات… إلى جانب أن كل ذلك يشكل خطوات هامة على طريق تحقيق المشروع الصيني العملاق طريق واحد وحزام واحد.
كل ذلك يؤكد لنا بأن ما جرى للسفير الصيني في تل أبيب ليست وفاة طبيعية حتى لو كانت، في الظاهر، ناتجة عن «مشاكل في القلب»…!.
لكن ثمة ما هو أهم كان قد حصل خلال زيارة بومبيو لتل ابيب قد يكشف حقيقة ما تعرّض له السفير الصيني في تل ابيب…!
فالمصادر المتابعة للزيارة تجزم بأن بومبيو هدد نتن ياهو بوقف التنسيق الأمني الأميركي مع «إسرائيل»، وان أجواء اللقاءات، التي عقدها وزير الخارجية الاميركية، مايك بومبيو، خلال زيارته قبل ايام للكيان الصهيوني، لم تكن هادئة أبداً وإن كانت سلطات تل ابيب قد أظهرتها على انها زاهية وأتقنت الإخراج، كما بدت الأجواء في مؤتمر بومبيو الصحافي، مع «صديقه» نتن ياهو، ومسؤولين إسرائيليين آخرين..!
اذ ان اجواء الاجتماعات الرسمية كما تؤكد تلك المصادر كانت اكثر بكثير من أجواء جدية، اذ سادها الكثير من التوتر والتهديد والوعيد لنتن ياهو، من قبل ضيفة «وصديقه» بومبيو.
ومواضيع البحث لم تكن، كما جرت العادة، مثل تفاصيل مؤامرة القرن، من ضم وقضم للاراضي الفلسطينية المحتلة، او تهنئة بنجاح نتن ياهو في تشكيل حكومة جديدة، يعتقد البعض أنها حكومة حرب، وانما تركزت الزيارة على موضوع أساسي واحد هو :
الحرب على الصين الشعبية..!
وهي صديق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وخط الصد الأول، في مواجهة آخر محاولات الولايات المتحدة لاستعادة جزء من هيبتها التي يتسارع تآكلها بشكل كبير، وفي كل ميادين المواجهة على صعيد العالم كله…
لذا فإن البحث قد تركز، في لقاءات بومبيو مع المسؤولين الإسرائيليين، على قضيتين أساسيتين هما :
1- وقف أو منع مشاركة شركة CK Huchison Holdings الصينية، في مناقصة طرحتها «إسرائيل» لبناء محطة تحلية للمياه، اطلق عليها اسم سوريك بـ / Sorek B / الواقعة قرب قاعدة بالماخيم الجوية الإسرائيلية، المقامة على اراضي مدينة يِبْنا الفلسطينية المحتلة، بالقرب من منطقة ريشون ليتسيون الإسرائيلية جنوب تل ابيب.
علماً أن تكلفة هذه المحطة ستبلغ ملياراً ونصف المليار دولار، وستنفذها الشركة الصينية، بالتعاون مع شركة IDE TECHNOLOGIES الإسرائيلية، اذا ما رست المناقصة عليهما والتي ستعلن نتيجتها يوم 24/5/2020.
2- وفِي هذا الإطار فقد طلب الوزير الاميركي من نتنياهو وقف مشاركة الشركة الصينية، في تنفيذ هذا مشروع البنى التحتية المائية هذا، لما تشكله مشاركة شركات صينية من تهديد «لأمن المواطن الإسرائيلي والاميركي»، حسب ما قاله وزير الخارجية الاميركية لمحطة «كان» التلفزيونية الإسرائيلية، خلال مقابلة له معها، أجريت خلال زيارته لتل ابيب قبيل ايام.
3- ومن الجدير بالذكر ايضاً ان هذا الخلاف، الإسرائيلي الاميركي، ليس وليد الزيارة، المشار اليها اعلاه، وانما تمتد جذورها الى العام الماضي، حيث كانت الادارة الاميركية قد طلبت من رئيس الوزراء الإسرائيلي إعادة النظر، في كل مشاريع التعاون الإسرائيلية الصينية، لما لها من أضرار على العلاقة بين واشنطن وتل ابيب. مما اضطر نتنياهو، في شهر 10/2019، الى تشكيل لجنة فنية، لبحث هذا الموضوع، خضوعاً للامر الاميركي.
4- ولكن الادارة الاميركية لم تقتنع بالاجراءات الإسرائيلية الشكلية، حسب ما نشره مركز راند الاميركي للدراسات الشهر الماضي، خاصة في ظل موافقة الحكومة الإسرائيلية، على عقد لشركة موانئ صينية مختصة بادارة الموانئ، تتولى بموجبه هذه الشركة ادارة ميناء حيفا، الذي يضم، في جزئه الشمالي، قاعدة بحرية أميركية. وهو ما استوجب تدخلاً أميركياً. بشخص وزير الخارجية الاميركي نفسه.
5- وبناءً على ما وصلت إليه الاتصالات بين الطرفين، بخصوص نشاط الشركات الصينية في «إسرائيلط، فإن وزير الخارجية الاميركي، قد ابلغ نتنياهو، بان الولايات المتحدة ستقوم بتخفيض او حتى وقف التعاون الاستخباري مع «إسرائيل»، اذا لم تقم «إسرائيل» بالاستجابة للشروط الاميركية، حسب ما اكد مصدر خاص تابع الزيارة المذكورة. وهذا يعني امراً أميركياً لنتنياهو بوقف نشاط الشركات الصينية والاستثمارات الصينية في «إسرائيل».
علماً ان الحكومة الإسرائيلية منخرطة في مباحثات مع شركات صينية، لمنحها حقوق ادارة ميناء اسدود جنوب البلاد، الى جانب وجود تعاون صناعي عسكري بين شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية والعديد من الشركات الصينية، الامر الذي تعتبره واشنطن خطراً على أسرارها الصناعية وخاصة العسكرية منها.
6- اذن فإن هذه الزيارة لم تكن زيارة مجاملة، او ذات طابع بروتوكولي او ما شابه ذلك، وانما كانت زيارة ميدانية لإصدار أوامر محددة، وتحت طائلة المسؤولية لنتنياهو. وبالتالي فإن من الضروري تصنيف هذه الزيارة في خانة إجراءات الحرب الاقتصادية على الصين، التي تؤشر الى أن الولايات المتحدة سوف ترغم أذنابها من أعراب وأوروبيين، في القريب العاجل، على الانخراط في حربها المتعددة الوسائل ضد الصين، والطلب منهم تخفيض تبادلاتهم التجارية معها إن لم يكن وقفها بالكامل.
وهي خطوات أميركية عدائية، لا تختلف عن إعلان الحرب، وان لم تكن بالوسائل العسكرية حتى الآن. هذه الخطوات التي لن تقف جمهورية الصين الشعبية مكتوفة الأيدي تجاهها وانما ستتخذ سلسلة من الإجراءات، المالية والتجارية والاقتصادية، التي ستكلف الاقتصاد الاميركي أثماناً، ليس بمقدور سمسار العقارات، دونالد ترامب، تقديرها ومواجهة تداعياتها.
العالم يشتبك، ومركز ثقلة ينتقل من الغرب الى الشرق، والسنن الكونية تفعل فعلها…!
بعدنا طيبين، قولوا الله…