كلنا تسبّبنا مجتمعين بهذه الكارثة والفاجعة…
} منجد شريف
حجم الانتقاد عند جميع اللبنانيين في ما حَلَّ بالاقتصاد، لا يوازي حجم الوعي الذي كان مفترضاً أن يكون حاضراً في العقود الثلاثة المنصرمة، وهنا السؤال ومن دون تطييف: هل مشكلة الكهرباء كانت مشكلة الحكومات والدولة حصراً؟!
أليس هناك الكثير من التعديات على شبكات الكهرباء وفي كلّ المناطق وعند مختلف الطوائف؟!
أليس هناك الكثير من التجاوزات… من التهرّب الضريبي وفي مختلف الإدارات والقطاعات؟!
اليس هناك الكثير من التحايل على كلّ مؤسّسات الدولة وماليتها ومرافقها الحيوية؟!
أليس الفساد متجذراً في كلّ شيء؟!
هذا من جانب المواطن، أما من جانب الدولة بما تمثل..
ألم تكن الخدمات والتوظيفات خاضعة دائماً لمبدأ الاستنسابية وتقديم الولاء على الكفاءة؟!
ألسنا قابعين في زمن العثملي وما زال مبدأ الرشاوى والتمريرات المدفوعة جارية وكأنّ زمان البرطيل ما زال متحكماً؟!
أليست تموضعات واصطفافات «الطائفومذهبية» متحكمة، وكلّ فريق خائف من الآخر ودائماً ما ننقسم الى فريقين متضادّين في الرؤية والخيارات والمواقف؟!
كلّ ذلك يدفع إلى القول إننا دولة ومواطنين لم نتفق يوماً على صيغة موحدة لبناء لدولة عصرية نموذجية تكون ملاذاً آمناً لكلّ أبنائها.
نحن لا نتفق على شيء سوى على تقاذف الاتهامات وتراشق المسؤوليات، ونعلم تمام العلم أننا على خط زلازل سياسية ومعرّضون لكلّ أسباب الاختلاف لسبب جوهري وواضح، وهو أن لا نكون دولة قوية، دولة مواجهة، وهذا معلوم… متى اتفقنا على محاربة الفساد؟!
كم من محاولة وكلها كانت تصطدم بالحواجز الطائفية والمذهبية والدولية والإقليمية، حتى أصبحت تلك الحمايات الطائفية تغطي من أكبر موظف إلى الأصغر.
أليست كلّ الإدارات خاضعة لمنطق المحاسيب والأزلام ومبدأ (مرقلي تا مرقلك) وكلّ المنااقصات والتلزيمات تفوح منها روائح التركيبات والحصرية لمجموعة من الشركات التي تمثل كلّ الأحزاب والفرقاء الحاكمين والممثلين بالسلطة؟!
تساؤلات كثيرة نردّدها جميعاً على أنفسنا، ولا نجد أجوبتها، واليوم نندب حظوظنا على أطلال الأمس بعدما تسبّبنا كلنا مجتمعين بهذه الكارثة والفاجعة التي أصابتنا في صميم حياتنا، وبتنا عاجزين عن تأمين أبسط مقومات العيش الكريم والميسور. فأزمة الدولار وقيود المصارف وما سبقها من هندسات ورفع للفوائد، كمشت عجلة الاقتصاد، وتضرّرنا جميعاً موظفين وأصحاب شركات ومؤسسات ومطاعم وغيرها من المصالح، والمودعون بالدولار وبالليرة، كلاهما تضرّر، مودع الدولار لا يعلم مصير وديعته، ومودع الليرة الذي آمن بعملته وأخذ بكلّ التطمينات، أصبحت مدّخراته تعادل أقلّ من نصفها بكثير على سعر الصرف الحالي، وفوق ذلك هو مقيّد بسحوباته، ايّ أنه فوق خسارته ليس لديه الحرية بالحصول على ماله إلا على دفعات أسبوعية وشهرية، وسعر الدولار آخذ بالتلاعب صعوداً ونزولاً، وأزمة كورونا أقفلت علينا البيوت والبلاد وحتى الكوكب بأسره…
كلنا قلقون على مسار الأحداث وما يمكن أن تحمله من مفاجآت مأساوية إضافية، كلنا قلقون إذا ما تحرّر سعر الصرف رضوخاً لصندوق النقد الدولي، حيث امتصّ انخفاض قيمة العملة الوطنية مداخيلنا وباتت لا تكفينا لأسبوع من الشهر، بعدما غطى الغلاء كلّ شيء وصارت أسعار السلع الغذائية على أنواعها ناراً نكتوي بها يومياً، وقد تخلينا عن أصناف كثيرة من مائدتنا تكيّفاً مع الواقع، وصارت حياتنا ريشة في مهبّ الرياح الدولية وتوازناتها، ننتظر تصريحاً من هنا وآخر من هناك ونصرفه في علم النحو والصرف والسياسة والإقتصاد،علنا نستشفّ منه بارقة أمل لواقع حالنا وحال بلادنا المتردّي…
سئمنا حقاً من كلّ ما عانيناه منذ طفولتنا التي أمضيناها في الحروب والملاجئ والهروب من الاقتتال المتنوّع بين الطوائف، وفي ما بين بعضها البعض، وها ننحن اليوم نعيش حرباً اقتصادية، وبالرغم من ذلك فإننا مختلفون في رؤيتها وكيفية الخروج منها، وكلنا نعلم أنّ سبب ذلك هو يد خفية تتلاعب بمجريات الكون وهدفها كبير بينما وعينا لأهدافها غائب، وحتى لا نتحسّس وجودها أصلاً، فكلّ ما يهمّنا في بلادنا من يستطيع أن يتهم الآخر ويقذف عليه بالمسؤولية، والمواطنون من كلّ الطوائف منقسمون بين هذا وذاك، بينما الضباب يغمر مستقبلنا جميعاً…