كورونا الفساد أفدح…
} غدير حمية
بات أكثر من عادي أن نبدأ أية مقالة بعبارة أنّ المواطن في لبنان يرزح، يعاني، يخاف، ييأس، ينتحر، يقتل، يجوع، يموت.. وقد اعتاد اللبنانيون على هذا النوع من القراءات التي لم تعد تحرّك فيهم ساكناً.
أما الجديد – القديم فهو أنّ الشعب مصاب برهاب الموت المقبل.. إما بفيروس كورونا أو بفيروس الجوع. الأول أكثر قابلية للشفاء ولا يصيب أحداً التزم الإجراءات الوقائية، أما الثاني فلم تتوصّل الحكومات المتعاقبة إلى إيجاد عقار له حتى اليوم.
والأصعب أنّ أسبابه لا تلبث تتكاثر وتنتشر بسرعة هائلة، وهو يتخذ أشكالاً متعدّدة يصعب معها تحديد ماهيته. لكن المؤكد أنّ تأثيره قاتل لدرجة أنه يؤثر على الخلايا الدماغية الدقيقة، الأمر الذي يدفع المرء إلى القيام بأفعال شائنة بحق نفسه والمجتمع.
نظرياً لا تتوانى الحكومات المتعاقبة عن إطلاق الشعارات بمكافحة الهدر والفساد وبتحقيق الإنماء المتوازن، وهي شعارات لم يتحقق منها شيء، في حين كان المطلوب إرساء قواعد لتحقيق العدالة الاجتماعية على أساس مبدأ المواطنة الحقيقية. كان المطلوب تأمين أدنى حقوق المواطن التي كفلها القانون، لا سيما ضمان الشيخوخة والتأمين الصحي والتعويضات، وتأمين أدنى متطلبات المعيشة اللائقة التي ما زالت تشكل حلماً للبناني، من ماء نظيف وبيئة صحية وهواء نقي وكهرباء وخدمات اجتماعيّة. المطلوب أولاً وآخراً قيام دولة المواطنة والعدالة التي تكفل حقوق أبنائها وتجعلهم قادرين على المواجهة والثبات في ظل الأزمات.
كورونا ليس أمّ الأزمات في لبنان. فالأخير يعاني نزيف أزمات غير مسبوق يفوق كورونا رعباً، يبدأ من الخلل الاقتصادي والمالي والمديونية الضخمة في خزينة الدولة والأموال المنهوبة وفرض الضرائب في كلّ اتجاه ومستوى المعيشة المتدنّي، والغلاء الفاحش واحتكار الأسعار، وتراجع قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وسط صعوبة حصول اللبنانيين على أموالهم من المصارف. وما استجدّ اليوم ليزيد الطين بلة ويثقل كاهل المواطن ويصنّفه تالياً من الجياع، هو الإجراءات المتشدّدة والحجر المنزلي وحظر التجوّل المشروط للسيارات بما هو مفرد ومزدوج. نزيف الأزمات هذا سببه أولاً وأخيراً الفساد. وعلى ما يبدو فإنّ الفساد في لبنان لا يموت ورائحته لا تلبث أن تضاهي رائحة الموت المنبعثة من كورونا.
لا يبدو أنّ الحكومة تمتلك بوصلة اقتصادية وسياسية لإدارة الأزمات. والأنكى من كلّ ذلك هو أزمة الدولار وحجز المصارف على أموال المواطنين وعدم دفع المستحقات الشهرية لهم، وصعوبة حصولهم على رواتبهم، ليأتي احتكار التجار وغلاء الأسعار الفاحش يكمل على ما تبقى من حياة.
إذاً ليست لكورونا علاقة بما وصل إليه اللبناني.. هذا الفيروس مرّ في بلد يعاني موتاً سريرياً لا شفاء منه سوى بمعجزة قيام دولة المواطنة المدنية.
الحكومة الحالية، لا تستطيع تمرير قوانين إصلاح جذرية من قبيل إيقاف مسارب الهدر ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وتفعيل الهيئات الرقابية، لأنّ البلد مقفل طائفياً، والحكومة هي نتاج هذا النظام الطائفي المقفل.
لا بدّ أولاً من معرفة كيف كانت الحكومة تنوي مقاربة إدارة الأزمة، وما كانت تقصده بمكافحة الفساد والهدر؟ كيف أقرّت بوجود الفساد في غياب كامل للمسؤولين عنه؟ هل من منطق يقرّ بوجود فساد بلا فاسد؟؟
الحقيقة أنّ الحكومة عاجزة عن الإفصاح عن الفاسدين، لأنّ البلد يحكمه نظام طائفي يقوم على المحاصصة ويشرّع الفساد.
سيكتب النجاح في لبنان لحكومة تتغاضى عن كلّ ما مرّ من قوانين كتبت بحبر المحاصصة ودُمِغت بطابع الطائفيّة، وتعمل على صوْغ قوانين جديدة تعيد المجد لمؤسّسات دولة تخلو من أيّ منصب يحمل عنوان الحزبية والطائفية، وترفع شعار «الشخص المناسب في المكان المناسب».
بعد كلّ ما مضى الحديث عنه، أتعتقدون أنّ كورونا يصنّف وباءً في لبنان؟؟ بالطبع لا، كورونا أصغر بكثير من أن يكون كذلك، في بلد يعاني أوراماً خبيثة لا شفاء منها سوى بمعجزة. وعندما تعلن الحكومة نزع الكمامات كي يشتمّ اللبنانيون الهواء النقي الخالي من رائحة الفساد، عندها فقط سنقرّ أنّ كورونا وباء…