حكومة دياب لمئة أسبوع وليست لمئة يوم
ناصر قنديل
– كثيرون تعاملوا يوم تسمية الدكتور حسان دياب لرئاسة الحكومة مع الحدث بصفته مجرد ملء للوقت الضائع، لبلورة كيفية التعامل مع الارتباك الناجم عن استقالة الرئيس سعد الحريري واستعصاء إعادة تكليفه برئاسة الحكومة، وحتى عندما تشكلت حكومة الرئيس دياب بقي هذا الانطباع سائداً وحاكماً، لدى خصومها والكثيرين من حلفائها ومكوناتها، وتمّ التداول برقم المئة يوم كعمر افتراضي للحكومة الجديدة، يكون خلالها قد حدث أحد ثلاثة أشياء، انهيار مالي وانفجار شعبي مرافق يتكفلان بجعل حزب الله والتيار الوطني الحر يقبلان عودة الحريري لرئاسة الحكومة بشروطه، أو انهيار رئيس الحكومة والحكومة أمام حالة العزل والطعن بالأهلية التمثيلية من البيئة والشارع والمرجعيات الداخلية والخارجية المعنية بتثبيت منصب رئيس الحكومة، وإلا نجاح مساعي وساطة داخلية وخارجية بترتيب تسوية في منتصف الطريق بين شركاء التسوية الرئاسية وشركاء الحكومات السابقة، في ظل خطر الانهيار والفشل الحكومي في تقديم الحد الأدنى من الإقناع للداخل والخارج بالقدرة على الاستمرار، على قاعدة تدخل تعديلاً على التوازنات دون ما يريد الحريري وأكثر مما كان سقف القبول عند حزب الله والتيار الوطني الحر.
– تنتهي اليوم الأيام المئة التي جرى تحديدها كعمر افتراضيّ لحكومة الرئيس دياب، وتبدو الحكومة الجديدة في عزّ شبابها، وقد بدأت مفاوضات جدّية مع صندوق النقد الدولي وفقاً لشروط لبنانية، وقد قيل قبلاً إنه لن يفتح لها الباب ولو رفعت الراية البيضاء استباقاً، وها هي بالتزامن تتلقى إعلاناً رسمياً بأن مؤتمر سيدر لم يمت وأمواله لم تتبخر، وأنهما أي المؤتمر وأمواله مرصودان للبنان وليس لرئيس حكومة بعينه، وأن الخطة الإصلاحية للحكومة وأداء رئيسها عاملا تشجيع للسير سريعاً بمقررات المؤتمر وتحريك أمواله، وبالتوازي كانت الحكومة قد اتخذت قراراً بوقف سداد ديونها الخارجية، وهو قرار قال أركان القرار الذين سبقوها، والمسلم لهم بأنهم المحترفون وأهل الثقة الخارجيّة، بينما الحكومة الجديدة موصوفة بحكومة الهواة المعزولة بلا سند خارجي، أنه مستحيل، لأنه سيتسبب بعزلة دولية مالية للبنان ومصادرة لأصوله وموجوداته وفي طليعتها الذهب وفتح الباب للمحاكمات والدعاوى القضائية، وكانت الحصيلة أن الحكومة الجديدة، حكومة الهواة المعزولة، فازت برهانها على حكومات المحترفين وأهل الثقة الخارجية، ومرّ القرار وحفظ للبنان مليارات الدولارات لعبور الأيام الصعبة، وارتضى الدائنون التفاوض، بلا دعاوى ولا مصادرات ولا مَن يحزنون، وعبرت الحكومة في ممر صعب آخر قررت خلاله استرداد قطاع الخلوي، بعد شد وجذب لصالح تمديد عقود الشركات، تحت تهويل دائم بالفشل، لكنها نجحت رغم التهويل، وخلال شهور كانت الحكومة تعبر بلبنان جائحة كورونا، التي سقطت على أعتابها حكومات قوية في دول قوية.
– خلال مئة يوم كان العالم يقترب من لحظة حرجة، وهو يواجه تداعيات كورونا وأزمات سعر النفط والركود الاقتصادي، وكان على صانع القرار الأميركي كممسك أول بالقرار المالي في العالم، الاختيار في لبنان بين مشروع يدعو لإسقاط لبنان لأنه سيسقط على رأس حزب الله، وبين مشروع يحول دون سقوط لبنان ودون ازدهاره، ليبقيه في غرفة الإنعاش، لأن الازدهار قوة لحزب الله، لكن السقوط ضعف لحلفاء أميركا، قبل حزب الله، وفتح الباب للفراغ والفوضى، وهو ما يمكن أن يملأه ثنائي القاعدة وداعش، خصوصاً في شمال لبنان، وشكل نجاح الحكومة بتظهير قدرتها على إقامة المسافة اللازمة بين الدولة والمقاومة، فرصة لترجيح الخيار الثاني، بحيث بدا أن كفة القرار الدولي قد رجّحت لصالح مشروع حفظ الاستقرار في لبنان.
– خلال مئة يوم بدا الارتباك سائداً في معكسر خصوم الحكومة، فلا حاضنة خارجية سياسية لمعركة كانوا يظنونها وراء الباب، ولا حضانة مالية لهذه المعركة، ولا وحدة حسابات ومواقف، وعجز عن امتلاك سقف واضح لمسار المواجهة دون التعرّض لخسائر تفوق خسائر الحكومة وحزب الله، خصوصاً في ظل قلق من وجهة ملفات الفساد والأموال المهربة والأموال المنهوبة، بعدما أظهرت الحكومة ومكوّناتها أن الباب مقتوح للتهدئة، لكنه مفتوح للتصعيد إن كان خيارهم.
– تبدو الفرصة متاحة داخلياً وخارجياً، للتسليم بأن حكومة الرئيس دياب هي حكومة مئة أسبوع وليس مئة يوم، وأنه حتى عشية الانتخابات النيابية أي حتى مطلع عام 2022، وبدء البحث بقانون انتخاب وتنظيم انتخابات، وعلاقة المجلس الجديد بانتخابات الرئاسة، فإن المعطيات الخارجية والداخلية تعمل لصالح بقاء الحكومة على الأقل حتى ذلك التاريخ، مع فرضية تمديد عمرها لنهاية عام 2022، إذا تقرر تمديد عمر المجلس النيابي ستة شهور تتيح له انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية.
– مع هذه الحكومة يمكن بناء تسوية سياسية، وخطة إصلاح، وخطة نهوض، وعلى الحكومة أن تتصرف تجاه الملفات السياسية الكبرى، كالعلاقات اللبنانية السورية، والثلاثية اللبنانية السورية العراقية، وملف النازحين السوريين، وإيجاد أرضية للاستقرار السياسي، عبر الإعداد للسير بقانون انتخابات يعتمد صيغة مجلسي النواب والشيوخ، على قاعدة أنها باقية وتأسيسية، كما أن على وزرائها التصرف بحجم مسؤولياتهم، خصوصاً في مجالات تمس حياة الناس ولا تزال بلا مبادرات جدية، كضبط الغلاء وحسم مصير الودائع المجمّدة في المصارف.