الدراما العربية لرمضان 2020: مسلسلات زاحفة لافتعال التمثيل (5)
الأعمال المصريّة كم وهروب إلى المجهول وفرض البطل الأسطورة!
– أعمال تعتمد على ثرثرات حواريّة وفن الاستخفاف والبحث عن النطق السليم
– إشكاليّة في معاهد التمثيل ونقل الكلام الشوارعيّ بفجاجته إلى الشاشة!
} جهاد أيوب
أمراض الدراما العربية هذا العام مشتركة، وقد تكون وحّدت الشارع العربي من خلال الخطاب الساذج، والتسطيح في تقديم المعلومة، والأهم هو التهريج تحت حجة الكوميديا، وهذا ما وقعت فيه أيضاً الدراما المصرية. وهذه الأخيرة لا تزال راكدة في البحث عن ملعب الهوية كما لو كانت ناسية تاريخها، والقائمون عليها يبحثون عن البطل الأسطورة القادم من وهم خارج تاريخهم ويفرضونه فرضاً لربما يلهون الناس عن الواقع المصري سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن حال الفن في مصر بمختلف أحواله خاصة الغنائي منه، والذي عاد إلى ما قبل تجربة الرائدة أم كلثوم!
وأما مسألة مشاكل الصوت، وفهم تقنياته فهي مشكلة مزمنة في السينما المصرية وتصيب كذلك الدراما التلفزيونية، والمكياج النافر هو سمة بطلات الدراما التلفزيونية في مصر (فتكون ذاهبة إلى النوم بكامل مكياجها، ولا نعرف إذا كانت قد نهضت منذ قليل أو مقبلة إلينا هكذا من حلم جعلها تتزيّن له ولا تنام).
{ الأعمال
ما تعانية الدراما المصرية هو ذاته في الدراما اللبنانية، أي استسهال العمل، وسلق المشاهد، ونحن موجودون، لذلك لا تتطلب غالبية الأعمال المصرية النقد، وهي مصرة على أن تكون خارج الدائرة العربية والمحلية، ومتفرقة لا تشبه مجتمعها، ومعتقدة على أن شهرة النجم «ما تبقى» تحدد النجاح، وكثرة أخبار شجارات الممثلين تقطف النجاح أيضاً، وحين العرض نجد ثرثرات حوارية مملة، ولو أخذت هذا الحوار من ذاك العمل ووضعته في أعمال ثانية فلن يلاحظ أحد الفرق، لكونها لا تخدم العمل بل حشو ثرثرات لا أكثر، والغريب أن غالبية الحوارات اعتمدت على المفردات الشوارعيّة بفجاجة حتى في القصور وعند المتعلمين وبين المثقفين، وكأن هذا المستوى شبه معمم كما حال الأغنية اليوم مع أن مصر ليست هكذا!
أما مسألة غياب النطق السليم، وعدم فهم كلمات غالبية النجوم الشباب يعني أن المعاهد الفنية في مصر مصابة بخلل تعليمي كبير في حال كل هؤلاء الشباب تخرّجوا منها، وإما إذا جُلبوا إلى التمثيل من باب العلاقات العامة فهذا يعني المصيبة في المخرجين المصريين ولا ثالث لهذا المرض الذي أصيبت به الدراما المصرية منذ سنوات!
يا جماعة حينما ننطق بأي كلمة يجب أن نستوعبها قبل نطقها، وإن نطقت لا بد من مخارج حروف سليمة وإلا وقعنا بالعاهة. وهذا ليس فناً، ويجب أن يُعاد المشهد عشرات المرات حتى نحصل على مشهد شبة مقتنعين به، وما لاحظناه ان المشكلة تكبر، وتصبح معضلة، وحجة السرعة في الكلام يعني شطارة فهذا في فن التمثيل غباء درامي وقلة دراية في عالم التمثيل!
} الغياب
23 عملاً درامياً مصرياً فيها الكثير من فن الاستخفاف بالفن للأسف، وتهرول إلى المجهول، ولا تزال تبحث عن هوية جديدة كما لو كانت تصرّ أن تبتعد عن تاريخها المميز!
وتعاني الدراما المصرية من غياب النجوم الكبار إلا ما ندر، وتسعى إلى صناعة نجومها الجدد خاصة بعد موت أكثر من 120 ممثلاً في السنوات الأخيرة بين صف أول ونجم مساند للبطل، هي تأخرت في ذلك وهذا أصابها بالركود مهما أنتجت كماً، ولكنها هذا العام أصرت أن تكشف عن هذه المشكلة فأكثر من مئة فنان من الصف الثاني قد فارقوا الحياة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهذه النجوم كانت سنيدة فاعلة للبطل النجم الذي دخل الشيخوخة، ولم يعد بمقدوره أن «يشيل» العمل كما حال عادل إمام ويسرا ونبيلة عبيد ونادية الجندي وسميحة أيوب، وسمير غانم، ويحيى الفخراني، وإلهام شاهين…
والحق يُقال إن السوق الخليجية أنقذت الدراما المصرية بحيث اشترت غالبية الأعمال، ربما لهذا السبب كانت كماً على حساب الكيف، وأغرقت بالسذاجة الفكرية، والأداء التهريجي، وتسطيح قضايا الناس ومجتمع المحروسة، والإكثار من مشاكل الميراث والثأر، مع الإشارة إلى أن غالبية الأعمال اعتمدت الإضاءة المسرحية في مشاهد بعز النهار، ولم يعد في العمل المصري معرفة الليل من النهار، نأمل أن لا تكون الكهرباء مقطوعة هناك كما حال لبنان، ويعيشون على ضوء الشمعة.
«الاختيار» هو الأنضج ولكن، وحصد مشاهدة أولى في مصر، رغم اعتماده على البطل الخارق الأسطوري، القصة وطنية وحقيقية عن الإرهابي هشام عشماوي مع مبالغات من أجل الدراما والتشويق، عابه تقليد لمشاهد أفلام هوليوود، والمجمعة استنساخاً مربكاً ومضحكاً عند العارفين! النص خطابي مباشر في غالبيته مع مشاهد مكثفة للممثل أمير كرارة، وقد لعب دوره بشطارة الصدى الذي عرف أن الناس في مصر سيستقبلونه مهما كان، وفعلاً هذا ما حدث، وهنا العاطفة تلعب دوراً كبيراً، لذلك لا قيمة للنقد أو لتقديم وجبة فنية غنية!
«النهاية» قصة جيدة ومطروحة في كتب وسير دينية خاصة في فكرة زوال الكيان الإرهابي المغتصب «إسرائيل»، والتطرّق إلى عام 2120 ودخول التكنولوجيا وتأثيرها على طبيعة البشر شد المتابع، واستطاع المؤلف سمير عاطف أن يكثف في الأحداث، والمشكلة تكمن في التنفيذ الذي ظهر بطريقة سريعة، والإخراج لم يواكب الفكرة في صنع مشاهد فانتازيا أو تواكب تلك المرحلة المستقبلية التي تحدثوا عنها من خلال عالم الخيال!
كما أن إدارة الممثلين تتطلب حالة مغايرة ومختلفة… على كل غالبية الأعمال العربية قدمت فكرة جيدة تاهت إما بالنص، أو بسوء الإخراج وسذاجة الحوارات التي لا تنسجم مع طبيعة الحدوتة وبالتحديد في الدراما المصرية!
«فرصة تانية» فكرة ساذجة، وبسيطة تنتهي بحلقتين، وتشعر أن الحوارات متكررة، وكذلك المشاهد لزوم ليست لازمة وسلق بسلق، والعجيب أن شهر رمضان انتهى ولا يزال هذا العمل يفتح خطاً درامياً جديداً خارج الأبعاد الدرامية خارج القيمة أو الأهمية، يعني «مدحوشة دحشاً». والأغرب ما بعد الحلقة العشرين أكثر من عشر دقائق استرجاع لمشاهد قديمة من الحلقات الأولى من أجل صناعة حلقة كاملة، يعني عمل ينال جائزة اللت والعجن بامتياز!
وياسمين صبري غير مقنعة، والبطولة تحتاج إلى ثبات ولم يعد الجمال كافياً، ومنذ الحلقة الأولى تنطق اسم البطل «زياد « بـ «زِيد»!
اما أحمد مجدي (زياد) وجه قريب، ولكنه يتطلب التدريب أكثر حتى تتضح الشخصية التي يؤديها، وأكثر الحوارات سذاجة استمعت إليها كانت مواجهة عائلة ياسمين صبري لإبنتهم حينما تم اكتشاف فعلتها! العمل قدم بنات لا رادع ولا عائلة يعودن إليها، زمن لا عائلة ولا سلطة، ومشاهد غير مقنعة، ومنفذة بسرعة وتطويل عجيب مع أن نهاية الحبكة واضحة.
«الفتوة» عمل يكرّر فيه ياسر جلال البطل المطلق، ورغم أنه فصل على قياسه، لكنه من الأعمال الجميلة نصاً وإخراجاً وتمثيلاً خاصة نجلاء بدر ومحمد الخولي، بينما نجد «سلطانة المعز» مع غادة عبد الرزاق لم تتمكن أن تقنعنا (اوفر بالشكل والمضمون والصراخ والمكياج)، والمؤلف والمخرج محمد بكير لم يستطع إثبات حضور غادة، لكونه قدم عملاً يشوه الحارة المصرية أكثر!
«لعبة النسيان» لا تفهم مفردات غالبية الممثلين لسرعة النطق غير المبرر، وهذه كما ذكرنا آنفاً معضلة كل النجوم المصريين الجدد رغم تخرج بعضهم من المعاهد، ربما يعلمونهم الصراخ لا النطق السليم، ولا يعلمونه كيفية التمثيل عبر الصوت والنفس، فقط رجاء الجداوي كانت أكثر نطقاً واعياً ومدركة للدور وللتمثيل، وحركاتها الأيمائية أكثر وضوحاً رغم العمر، وهذا تعلمته من عملها مع جيل رحل من الكبار، وكانت رائعة!
«يا أنا يا جدو» وفي «الصندوق»، و»نحب تاني ليه»، و»رجالة البيت»، و»سكر زيادة» تهريج، تعمد الاضحاك دون جدوى، تصنُع في التمثيل، وافتعال المشاهد، وتطويل، وحوارات غير مجدية في حدوثة بسيطة من أجل 30 حلقة !
«شاهد عيان» كشف عن إمكانات فنية جيدة لو اتيحت لها فرصة مدروسة خارج تضخيم البطل الخارق الذي تعانية الدراما المصرية، وخارج عدم الاستيعاب التنفيذي للفكرة وللمشاهد لكانت النتيجة مغايرة في ظل هذا الانتاج الضخم، والبطل الأسطوري أيضاً حسن الردار لم يكن موفقاً مع أنه من الوجوه الجيدة…
والمنوال ذاته ينطبق على «البرنس» وإصرار محمد رمضان على أن يكون الغلبان المنتقم والأقوى، والمعتمد على المفردات السوقيّة والشوارعيّة بحجة كهذه هي الحارة الشعبية المصرية!
محمد رمضان يحتاج إلى التركيز في شخصية الممثل إذا قرر المتابعة، ومن ثم نفضة في الأدوار التي سيلعبها قبل ان تخرجه الدراما منها، فتكرار الدور الواحد مهما اختلفت الأقنعة ليس لصالحه، والأهم أن يحسن نطق مفرداته فكثير من كلماته وحواراته غير واضحة وغير مفهومة، يحتاج إلى التدريب اللفظي، وإفهامه أن الدراما تختلف عن الغناء خاصة غناء هذا الزمن العجائبي والذي يمارسه هو!
ولا شك في أن الممثلة سلوى عثمان لعبت مشهداً واحداً يتيماً مهماً حينما كشفت جريمة أولادها، وباقي مشاهدها تكملة عدد، ونلفت إلى تميّز روجينا ونور… نعم العمل حصد متابعة كبيرة لأن البطل حالة إشكالية، ولكنه من الناحية الفنية وقع في كثير من الأخطاء الإخراجيّة، ونفذت مشاهده بطريقة سلق الموقف والوقت من أجل العرض، ولم يأخذ حقه في الكتابة وفي التصوير، وشعرنا بسرعة التنفيذ، والعمل بما حمل ينتهي بخمس حلقات فقط!
غالبية الأعمال الكوميدية المصرية اعتمدت على نجوم من فراغ الحضور، وهدفها افتعال التهريج ومن ثم التمثيل، والاضحاك بالقوة، ونختم مع «فلانتينو» الذي قدم مجموعة شباب تبشر بالحضور المقبل في قصة كوميدية جميلة، شوهها الأداء المبالغ فيه، ونجد النص مكتوباً بشكل عادل وزع على غالبية المشاركين!
الفنانة دلال عبد العزيز قدّمت دوراً يُحسب لها بعد غياب وأتقنت الكوميديا، وحضور الكوميدي المصري المقبل بثقة حمدي الميرغني كان قوياً، والمستقبل له، وكذلك الشاب طارق الأبياري لافت وحاضر… أما حضور القدير عادل إمام فلم يعُد ممكناً في بطولة مطلقة…!