الليلة الفاصلة في الكاريبيّ… وإيران تربح الجولة
ناصر قنديل
– في توقيت سياسي غاية في الدقة، حيث التهدئة تسود ملفات الاشتباك الأميركيّ الإيرانيّ في المنطقة، وعشية الإحياء العالميّ ليوم القدس الذي أطلقه قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام الخميني قبل اثنين وأربعين عاماً، اختارت طهران الخوض في أكبر تحدّ عالميّ بينها وبين واشنطن، عبر إرسال خمس ناقلات نفط عملاقة محمّلة بالبنزين إلى فنزويلا المحاصرة من قبل الأميركيّين والخاضعة مثل إيران لحزمة عقوبات موجعة، فيما كانت طائرات إيرانيّة تابعة لشركة مهران للطيران التي تطالها عقوبات أميركيّة مكرّرة ومشدّدة، تهبط في فنزويلا حاملة مستلزمات إصلاح صناعة مشتقات النفط الفنزويليّ المعطلة، وتعود، وفقاً للاتهامات الأميركيّة، محمّلة بأطنان من الذهب الفنزويلي، وربما بكميات من مادة الثوريوم المشعة التي توازي أهمية اليورانيوم في عمل المفاعلات النووية، وحيث فنزويلا الدولة الخامسة في العالم في إنتاجها.
– خلال سبعة أيام تلت انطلاق الناقلات الإيرانيّة المحملة بما يعادل 45 مليون دولار من البنزين، كان الاختبار الأول في مضيق جبل طارق حيث عبرت الناقلات منذ ثلاثة أيام، ووصلت طليعتها الناقلة فورتشن الليلة إلى حدود المياه الإقليمية لفنزويلا، فيما عدد من المدمّرات الأميركية يرابط في خليج الكاريبي مشرفاً على منطقة العبور التي اجتازتها الناقلة الأولى من دون وقوع أي حادث تصادم مع الدوريات الأميركيّة بعد تهديد إيراني واضح وصارم، برد غير عادي إذا تعرّضت ناقلاتها لما وصفته بالقرصنة الأميركية، والردّ الذي بدأ التلويح بأنه سيتضمّن احتجاز عشرات الناقلات في الخليج، تطوّر إلى التهديد باستهداف كل الحاملات والمدمّرات والسفن الحربية الأميركية في نطاق 2000 كلم من إيران.
– أعلنت وزارة الخزانة الأميركيّة حزمة عقوبات جديدة على إيران، ليل أمس، في خطوة وصفها الكثير من المحللين بديلاً عن التصادم الذي تسعى واشنطن لتفاديه، وتتهم طهران بالسعي إليه، والليلة ستكون مشابهة لليلة 27 تشرين الأول عام 1962 التي كان فيها العالم مستنفراً خشية وقوع تصادم سوفياتي أميركي في الكاريبي قابل للتحوّل إلى حرب نوويّة، في لحظة تجاذب حادة حول كوبا، قبل أن تظهر التسوية التي تضمّنت سحب الصواريخ الروسية النووية من كوبا مقابل تعهّد أميركي بإلغاء كل خطط غزو كوبا، وإذا واصل الأميركيون مراقبة ناقلات النفط الإيرانية عن بعد مكتفين بالعقوبات كردّ على الخطوة الإيرانيّة، فقد تكرست معادلة جديدة لقوة إيران من جهة، ولهوامش الصمود الفنزويليّ من جهة ثانية، ولتكامل المقدرات الإيرانية الفنزويلية في كسر معادلات الحصار المالي الأميركي، من جهة ثالثة، وهذا تحوّل خطير في معادلات القوة وفي مستقبل سلاح العقوبات، وإذا خاطرت أميركا باللجوء إلى القوة فنحن على موعد أعدّت له إيران وتريده، لكنها تريد أن تقع المواجهة بمبادرة أميركية، ضمن خطة اللعب على حافة الهاوية، حيث ستكون مواجهة فاصلة شاملة تندلع في ليلة مقبلة تحمل إسم القدس، ولذلك كله تبدو واشنطن وقد قامت بنقلة خاطئة على رقعة الشطرنج، ستوصلها بلغة اللعبة إلى خسارة القلعة، أو كش ملك.
– إيران تظهر مرة جديدة أن الكمون الذي رافق تحرّكاتها منذ وباء كورونا، وجمّد خططها لإخراج الأميركيّين من المنطقة انطلاقاً من العراق، كان تأسيساً لتعديل خطط المواجهة، والذهاب إلى الأبعد مدى منها لرسم توازنات جديدة، ستخرج منها إيران رابح رابح مهما كان الردّ الأميركي، وسيخرج منها الأميركي خاسر خاسر مهما حاول تفادي الخسارة. وهذا معنى أن السياسة هي ذكاء التوقيت.