الحِمل ثقيل… لكن الحلول متوفرة
} غدير حمية
يؤكد الخبراء وأصحاب الرأي والاختصاص في شتى المجالات، أنّ ما قبل كورونا ليس كما بعده. وأنّ العالم بكلّ دوله سيشهد تغييرات جذرية، نظراً للتداعيات التي نتجت عن تفشي الوباء.
أمّا لبنان، المثقل بالتحديات، فقد يكون من بين الدول الأكثر معاناة، نتيجة أزماته المستفحلة بدءاً من الأزمة المالية والاقتصادية وتداعياتها، مروراً بالبطالة والهموم المعيشية من كهرباء ومياه وتلوّث ونفايات، وصولاَ إلى التجاذبات السياسية وما ينتج عنها من صفقات ومحاصصات وسرقات وهدر.
من يستعرض الواقع اللبناني قبل انتشار الفيروس، يعي أنّ مرحلة ما بعد تطويقه لن تكون أحسن حالاً. فلبنان المنهك اقتصادياً سيكون أمام عقبات جديدة أكبر من ذي قبل وسيواجه تحديات بالجملة، خصوصاً على الصعيد المالي المتدهور أساساً. فالعملة الوطنية انهارت سريعاً أمام الدولار الأميركي، في موازاة عدم القدرة على تأمين السلع الرئيسية التي تضمن الأمن الغذائي.
إنّ الكلام عن واقع مالي جديد من خلال تخفيض العجز عبر ترشيد الإنفاق ودعم الاستثمار تبخّر. وإنّ استعادة التوازن بين الواردات والمصروفات بات صعباً في ظلّ توقف الاستيراد وتراجع العائدات الضريبية والرسوم الجمركية. هذا بالإضافة إلى الشلل التجاري، إذ بات الاستيراد محصوراً بالمواد الغذائية التي غالباً ما يصعب الحصول على بعضها، ذلك أنّ أزمة كورونا عالمية وقد أثرت على الاقتصاد العالمي ليس فقط محلياً. الفرق أنّ اقتصاد لبنان أقلّ من أن يُقال عنه متواضع وكورونا أتى ليقضي على ما تبقى منه.
لبنان قبل كورونا عانى من البطالة أيضاً، إذ بلغت 40% بين أوساط الشباب، تلك الفئة التي قرّرت الاستقالة جبراً من موقعها في هذا البلد، نظراً للظروف السياسية والطائفية التي جعلتها بحكم العاطل عن التغيير، الساعي إلى الهجرة وترك البلد لحاكميه. والبطالة لا تضمّ العاطلين عن العمل فقط، إنما المصروفين مؤخراً من وظائفهم بذريعة الوضع الاقتصادي المتدهور حتى بلغ عددهم أكثر من 160 ألف شخص، ليرتفع بعد اجتياح كورونا الذي أغلق كبرى المؤسسات والشركات وشرّد عائلات كانت تقتات من وظيفة متواضعة أغلقت أبوابها واتجهت إلى الحجر.
إذاً لبنان لن يكون في وضع مطمئن، وهو بالتأكيد يتطلب عملاً حكومياً جدياً وحثيثاً للتخفيف من تداعيات كورونا ومحاولة حصر تأثيراتها. أما عن الخطوة الأولى التي على الحكومة اتباعها فهي الخروج من دائرة التجاذبات السياسية والطائفية والنظر بعين واعية إلى إنقاذ لبنان واللبنانيين من محنة كورونا وتداعياتها المخيفة على الصعد كافة، اقتصادياً ومالياً وحياتياً واجتماعياً وتربوياً، وذلك من خلال اتخاذها خطوات وقائية وإصلاحية وإدارية ومالية مسؤولة وجدية لا تكتب فقط على الورق.
المفارقة أنّ فيروس كورونا كشف النقاب عن قطاع طالما تمّ إهماله هو القطاع الزراعي، ففي ظلّ الأزمة الوبائية المستجدة، اتجه اللبنانيون إلى أرضهم للزراعة، نتيجة الحصار التجاري المفروض عالمياً والغلاء المعيشي الناتج عن احتكار الأسعار وأزمة الدولار. وسعوا إلى تأمين قوتهم من خلال الزراعة التي كانت ملجأهم الوحيد في حجرهم الإجباري. الأمر الذي يؤكد إمكانية انهيار جميع القطاعات الاقتصادية أمام الأزمات ما عدا القطاع الزراعي الذي يجدر أن يكون الشريان الحيوي للبنان الذي يمتلك المقومات المختلفة التي تجعل منه بلداً منتجاً وتالياً مصدراً.
وليتحقق هذا الهدف، لا بدّ أن تولي الحكومة الاهتمام الكامل بهذا القطاع وتعيد له مجده التاريخي، إذ إنه كان سبباً لازدهار اقتصادي سابق مرّ به لبنان. ولا بدّ من اللجوء إليه اليوم لكي يستعيد البلد بناء اقتصاد سليم، وذلك عبر دعم المزارعين ومدّهم بكلّ ما يتطلبه هذا القطاع من أدوية وأسمدة وتأمين الأسواق اللازمة لتصريف الإنتاج، الأمر الذي يعزز الاقتصاد ويفتح المجال لفرص عمل جديدة.
بعد كلّ ما تقدّم، خلاصة القول تكمن في ضرورة إيلاء الحكومة اليوم الاهتمام الجدي والحقيقي بالقطاع الزراعي ووضع خطة عمل لدعمه وفتح مجالات الدراسة الجامعية الخاصة به تماشياً مع التطوّر الزراعي التقني عالمياً. فالقطاع الزراعي هو الأمل الأكبر أمام لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية والمالية.