حارس القدس… ستظلّ أفكارنا سلاحنا
} كارميلا ابراهيم ـ الأشرفية
يمكن أن يكون سيناريو مسلسل “حارس القدس” التلفزيوني على شاشة “الميادين” قد تخلله بعض الضعف، أو ربما الإخراج غير مُعدّ له بشكل جيد؛ ويمكن أن يعود ذلك إلى التركيز على خطابية مواقف المطران إلاريون كابوجي، الذي لم يُظهر بشكل كاف رؤية وعمق تفكير هذا المطران المناضل.
لكن يبقى أنّ هدف هذا المسلسل كبير ومهمّ جداً، خاصة بعرضه على شاشة “الميادين”، القناة الإخبارية المعروفة بتوجهاتها؛ وهو(أيّ الهدف) التذكير بأنّ القضية الفلسطينية ليست قضية إسلامية، بل هي قضية وطنية لكلّ من هو وطني، وأنّ المسيحيين هم شركاء الأرض وروّاد في النضال وفي تقديم الشهداء.
لقد عمل الاستعمار على مدى مئات السنين لتحييد المسيحيين من قضايا هذه الأرض وإظهارهم أنهم غرباء عنها، ولمحْو تاريخهم النضالي منذ حروب الصليبيين؛ وفي ثمنينات القرن الماضي كُرّس ذلك عندما عمل الفكر الإستعماري على تحطيم اليسار العالمي والعربي والشرق الأوسطي، وحصره في الحركات الإسلامية التي خلقها هو، وقد نجح في ذلك بقدر كبير…!
عندما أشارك في أيّ ندوة أو اجتماع يخص القضية الوطنية والصراع والإستقلال، أُعامَل بترحاب مضاعف كأني المهتدية الجديدة.
يهمّني هنا أن أذكر أنني مسيحية لأب وأمّ من بيروت مسيحيّين ملتزميْن جداً بمبادئ يسوع الناصري.
عندما عاد أبي إلى لبنان بعمر ثماني سنوات، لم يكن يتكلم سوى الإسبانية. تعلّم حبّ فلسطين والأراضي المقدسة، أرض يسوع، من أمه البيروفية (من البيرو في أميركا الجنوبية) وإسمها “كارميلا”، تيمّنا بجبل الكرمل أيّ كرم إيل: باللغة الآرامية يعني كرم ألله.
في السادسة عشرة من عمره ذهب ليعمل في فلسطين: وهنا فهم القضية الوطنية حتى أنه انتمى إلى جيش الإنقاذ، وكان شاهداً على أحداث كثيرة…
وخلال الحرب الأهلية اللبنانية القذرة، دفعنا ثمناً اجتماعياً وأمنياً بسبب مواقف أبي الوطنية، اللاطائفية: فكان إسمنا عند فريق روم الإسلام، وعند فريق آخر الانعزاليين، وعند فريق ثالث الكفار، مع التشديد على أنّ أياً من عائلتي الصغيرة والكبيرة، إنْ كان من ناحية أبي أو من ناحية أمي، لم يحمل السلاح بوجه شعبه…
كنا نتسلح بأفكارنا وإيماننا فقط لا غير.
مع أهلي لم يكن مسموحاً أن نقرأ سوى موسوعة جبران خليل جبران والإنجيل، كما لم يكن مسموحاً أن نسمع إلا أغاني فيروز والرحابنة لكي لا تتشوّ عقولنا الصغيرة…
أقدّر وأثمّن توجهات قناة “الميادين” بإعادة عولمة قضية التحرير والإستقلال والتذكير بالحركات النضالية العالمية والتعاون معها والتعلم منها. ولن يحصل النصر إلا بتضافر كلّ الشعوب المقهورة لمواجهة الهيمنة ورفض كلّ أشكالها من إقصاء وعدم اعتراف بالآخر، ورفض تاريخ الشعوب وتاريخ هذه المنطقة الذي عمره أربعة آلاف سنة قبل الميلاد.
في صيف 1975 قبل تشرّدنا الذي دام ستة سنوات، وفي بيت صيفي صغير في أعالي بلدة “المريجات” وعلى شرفة مطلة على سهل البقاع، كنا أنا وإخوتي بعد ظهر كلّ يوم نأكل كعك القرشللي المتشوش بالماء والسكر، نطرب ونرقص على أغنية فيروز “الطفل في المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان… وبأيدينا نعيد بهاء القدس… للقدس سلام…”