جنوب اليمن بين شدقَيْ التحالف الخليجيّ بتشريع من «عيدروس»
} د.وفيق إبراهيم
نوعان من الاشتباكات يهزّان اليمن بكامل مساحاته وبحاره. ففيما تدافع دولة صنعاء، عن وطنها من البحر الأحمر الى الحدود مع السعودية وعمان وبحر عدن حتى مشارف المحيط الهندي في وجه قوات سعوديّة وإماراتيّة ومرتزقة وبعض العناصر من قوات الرئيس المخلوع عبد ربه منصور بتغطيات أميركيّة وبريطانيّة تتقاتل قوى من جنوبي اليمن مع قوى أخرى مثلها مدعومة بقوات إماراتية مع اخرى سعودية تضم نتفاً من مرتزقة هادي.
واذا كانت طبيعة الحرب الأولى بين الجيش اليمني وانصار الله وتحالفاتهم واضحة المعالم لجهة إصرارها على تحرير بلادها من قوى خارجية تعمل على احتلاله وتقسيمه واستتباعه.
فإن غموضاً كبيراً يسيطر على الصراع المندلع في الجنوب في مناطق إبين وضواحي عدن وقرن والطرية والشيخ سالم وشقره، وزنجبار بين قوات سعودية معها مرتزقتها من اليمنيين والسودانيين وبين قوات المجلس الانتقالي ومعه تحالفاته من جيش الإمارات وبعض الاتجاهات الجنوبيّة الأخرى.
وهذا إعلان يبدو واضحاً بأن الحرب المندلعة في الجنوب هي حرب سعودية إماراتية على النفوذ في هذا الجنوب أي بين ركني ما أطلق على نفسه اسم التحالف العربي لتحرير اليمن الذي ضم منذ 2015 السعودية واليمن ومنصور عبد ربه هادي والمجلس الانتقالي ومعظم قوى الجنوب وحزب الإصلاح التابع للاخوان المسلمين اليمنيين بتغطية أميركية بريطانية إسرائيلية مصرية.
فإذا كانت حرب هذا التحالف المزعوم مفهومة مع أنصار الله في الشمال حسب البرنامج الاصلي الذي أذاعه قبل نصف عقد التحالف من مقر تأسيسه في الرياض عاصمة السعودية، فإن ما ليس مفهوماً على الإطلاق تلك الاشتباكات التي تقسم التحالف المزعوم بين قوات سعودية وانصار وأخرى إماراتية واعوانها وسط حيادية اميركية تلفت النظر وتثير التعجب والحيرة. فهل يشك احد ولو لدقائق بقدرة البيت الابيض ووزير خارجيته «المنفوخ» على إيقاف أي مناوشات عسكرية بين حلفائهم في التحالف وخصوصاً بين السعودية والامارات.
وبإمكان الأميركيين ايضاً ضبط اختلاف حلفائهما على النفوذ في الجنوب، لأن مشروع غزو اليمن ما كان ممكناً لولا انه مشروع اميركي جيوبوليتيك له فروع تجذب السعودية والإمارات بأشكال متعددة، فالسعودية تعتبر أن إضعاف اليمن بالنسبة لدولتها مشروع تاريخيّ يضمن لآل سعود الإمساك بكامل الجزيرة والاستحواذ على مراكز قوة من بحار عدة والمحيط الهندي وتمنع اليمن من بناء دولة لها نفوذ واسع في شبه جزيرة العرب والإقليم. وهذا لا إمكانية لتشكله إلا على حساب تراجع الدور السعودي، فهل من المصادفات ان يكون النفوذ السعودي التاريخي في اليمن هو المسؤول الأساسي عن التأخّر اليمني في التنقيب عن الغاز والنفط؟ وهذا معروف عالمياً.
لذلك فإن هذه المعطيات تظهر أن معارك الحلفاء في الجنوب ليست خارج السيطرة الاميركية من جهة والاتفاق العميق بين طرفيها اللذين يشتبكان في منطقة ويتحالفان في أخرى.
ففي الوقت نفسه الذي يتقاتلان فيه وبعنف شديد في مختلف مناطق الجنوب، يهاجمان معاً مديريات التحيتا وحيس الساحلية، حيث توجد قوات للدولة اليمنية في صنعاء مواصلين شنّ هجمات جوية مشتركة في مناطق الغازة وقانية شمالي شرق محافظة البضاء التي عليها انصار الله منذ أسبوع تقريباً.
إن الحرب بين السعودية والإمارات في معظم أنحاء جنوبي اليمن تؤكد أن مشروع التحالف العربي المزعوم هو حرب لاحتلال اليمن ضمن كابوسين اثنين: أميركي عام يريد الإمساك الاستراتيجي باليمن للسيطرة على ممراته الأكثر أهمية في الشرق الاوسط، وسعودي إماراتي لاهتمامات عربية صرفة، بما ينفي اي مصداقية لشعارات خليجيّة تهذي بتجريد اليمن من انصار الله، اليس هؤلاء من اليمنيين ويحاربون تحالفاً يخدم الاميركيين والإسرائيليين وكشف عن وجهه الواضح برغبته في تقسيم اليمن وتقاسمه.
هناك سؤال إضافي يكشف قناع التحايل السياسي عند آل سعود الذين يحاربون تركيا في ليبيا ومصر والسودان وينتقدونها في سورية، ويتعاملون معها في اليمن عبر تحالفهم مع حزب الإصلاح الاخواني الى حدود التنسيق العسكري الكامل وبالتالي المشروع السياسي الخفي.
ما هو هذا المشروع؟
أصبح مؤكداً فشل مشروع التحالف العربي المزعوم بإسقاط اليمن، وبات يخشى خسارة كامل هذه المنطقة بما تعنيه من عودة الجنوب والشمال الى تأسيس دولة واحدة قوية.
فاتفق الطرفان على تقاسم الجنوب بين مناطق موالية للسعودية وأخرى للإمارات.
ولان حزب الاصلاح ضروري لإنجاح هذه المعادلة بحكم سيطرته على مأرب والمناطق المحيطة بها وله وجوده في معظم محافظات الجنوب، فكان ضرورياً للسعودية ان تستلحقه بمعادلة التقاسم. وهذا يدخل فوراً النفوذ التركي الى اليمن.
هذا السيناريو يحتاج الى دماء حتى يتشح بشيء من المصداقية. فكانت المعارك بين المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة عيدروس الزبيدي الموالي للإمارات ومعه تحالفاته وبين قوات الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي المتحالف مع قوى جنوبية اخرى.
يتسبّب هذا القتال في الجنوب حتى الآن بآلاف القتلى والجرحى إلا انه لم يمنع قائد الانتقالي عيدروس الزبيدي من الانتقال المباغت الى الرياض.
فيتبين السبب وهو ان تقاسم «الجنوب» يجري بسرعة بمعادلة لم تعد بعيدة بشكل يصبح فيه الجنوب ثلاثة مواقع نفوذ للسعودية والإمارات وتركيا وسط خضوع للجيوبوليتيك الأميركي الكبير.
النتيجة اذاً تعكس التخوف الاميركي – السعودي الاماراتي من تمرد جنوبي كبير عليهم يلتحق باخوانهم أصحاب النصر في الشمال، فعاجلوا الاتفاق على تقاسم استباقي ليعاودوا التأسيس لحرب ضد دولة صنعاء تشترك فيها تركيا بشكل مباشر على غرار ما تفعله في ليبيا.
هذا ما تنص عليه الوثائق لكن لميادين اليمن حكايات أخرى عن شعب قادر على الحاق الهزائم بالمحتلين، وهذه مرحلة جديدة تدفع الحلف العربي المزعوم الى المصير نفسه للغزاة التاريخيين لليمن السعيد.