في يوم القدس: واجب النخب في تخليد القضية الفلسطينيّة في وجدان الأمة
الشيخ الدكتور حسان عبد الله _
عندما نتحدث عن دور النخب في تخليد القضية الفلسطينية في وجدان الأمة، وهنا أريد أن أبيّن مسألة لها علاقة بالعنوان، فإننا لا نريد تخليدها بإبقائها قضية واستمرار الاحتلال، بل إنّ مسؤولية النخب إبقاؤها حاضرة إلى أن يتمّ التحرير الكامل، ثم تخلدها كقضية جهاد وأسلوب تعامل مع الأعداء ومدرسة للأجيال القادمة في التعامل مع قضايا مشابهة لها علاقة بالكرامة والعزة ومقاومة الظلم والشر.
على النخب أن تنقل الصورة واضحة للأمة وتفكيك الرموز وفضح المؤامرات وتبيان الخدع. وهذا لن يكون إلا بالتحلّي بالوعي وإعمال العقل والخروج من التعصّب الأعمى بشتى أنواعه وإرجاع الوحدة في الأمة كطريق وحيد لكسب المنعة وتأطير الجهود للتحرير.
بالرجوع إلى أصل القضية، لقد عمل الاستعمار منذ أكثر من مئة سنة كي تكون فلسطين أرضاً للصهاينة يبنون عليها دولتهم المزعومة، ولم تقف أطماع الصهاينة عند حدود العام 67 بل انتقلوا للسيطرة على كلّ فلسطين وأجزاء من لبنان وسورية ومصر والأردن، بل وصلوا إلى حدّ احتلال ثاني عاصمة عربية هي بيروت في العام 1982 تنفيذاً لحلم لديهم يريدون تحقيقه من خلال “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات، لذلك لم يحدّد دستور دولة الصهاينة حدوداً لهذه الدولة سعياً لأخذ أكبر قدر ممكن من البلدان وصولاً لتحقيق حلمهم.
في وسط هذا الظلام الحالك والدامس انبلج فجر الثورة الإسلاميّة في إيران بقيادة الإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني ليعمل على نهضة الأمة وإرجاع فلسطين إلى قلب الصراع، فكانت سفارة فلسطين في طهران مكان سفارة الكيان الصهيونيّ، وكان يوم القدس وأسبوع الوحدة الإسلامية وإطلاق المقاومة الإسلاميّة في لبنان ليبدأ التحرير ويندحر العدو الصهيوني من لبنان في 25 أيار عام 2000 ليُقضى نهائياً على حلم “إسرائيل الكبرى” وتبدأ مرحلة جديدة من الصراع استعمل فيها العدو أدوات مناقضة لما قام به الإمام الخمينيّ (قدس سره) من أجل تعطيل فاعلية ما قام به وحقق الإنجازات، فبدلاً من سفارة لفلسطين وطهران قامت بعض الدول العربية بفتح سفارات للكيان الصهيونيّ في مصر والأردن وقنصليات وممثليات ثقافية واقتصادية.
وبدلاً من الوحدة الإسلامية عملت الولايات المتحدة الأميركية على بث الفرقة والفتنة بين الأمة الواحدة من خلال فتنة مذهبية وقومية وعرقية، بل بحثوا عن أيّ عنوان يقسم هذه الأمة فعملوا على بث الفرقة على أساسه.
وبدلاً من أن يكون الكيان الصهيوني هو عدو هذه الأمة ومن احتلّ أرضها أرادوا أن يفرضوا علينا عدواً لا يضمر للأمة إلا الخير وهو جزء أساسي منها، بأن يحوّل الصراع إلى صراع مع الجمهورية الإسلامية في إيران بدلاً من الكيان الصهيوني، فتصبح إيران عدوة بينما التطبيع مع العدو الصهيوني جارٍ على قدم وساق.
وبدلاً من الإسلام المحمدي الأصيل الذي دعا إليه وعمل على ترسيخ قواعده الإمام الخميني وسار على دربه سماحة السيد القائد الإمام آية الله العظمى السيد علي الخامنئي، خلقوا لنا صورة مشوّهة عن الإسلام وأرادوا أن يصوّروا للعالم أنّ هذا هو الإسلام الصحيح من خلال الجماعات التكفيرية وبمساعدة الوهابية فيتحوّل من دين الرحمة والتكافل والتكامل إلى دين الإرهاب والقتل وأكل الأكباد وسبي الحرائر وكلّ الأمور البشعة التي لا تمتّ للإسلام بصلة.
وتحوّلت في الآونة الأخيرة وبعد الحرب الكونية على سورية في العام 2011 القضية إلى قضية صراع بين محورين محور المقاومة الذي تقوده الجمهورية الإسلامية الإيرانية إضافة إلى حلفاء من العالم، ومحور الشيطان الأكبر الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني.
واجب النخب أن تضع الإصبع على الجرح والنقاط على الحروف، فالأمة اليوم إلا ما رحم ربي أمة مستسلمة وفي الوقت نفسه حالمة، فنحن أمة تحلم وتغرق في الأحلام ولكنها عندما تستيقظ على الواقع تنسى الحلم على أمل اللقاء به في الليلة المقبلة. نحن أمة تبكي مصابها بشكل سلبي لا أن يكون البكاء كعاطفة إنسانية دافعاً لتنهض وتغيّر الواقع الذي أبكاها. نحن أمة تستهلك ولا تنتج والاستهلاك ليس فقط في المنتجات المادية بل حتى بالعناوين السياسية والأحزاب والتنظيمات، فنحن لا ننتج تنظيمات في واقعنا وبما يتناسب مع مجتمعاتنا، بل نأخذ من الغرب ما أنتج على هذا الصعيد لنستعمله في واقعنا مع الاختلاف الكبير بين مجتمعاتنا والمجتمع الغربي أوَليس من الضروري أن ينجح عندنا ما نجح عند غيرنا.
إذاً كيف سنغيّر واقعنا وكيف سيتحول يوم القدس إلى يوم تضامن حقيقي مع القضية الفلسطينية وطريقاً للتحرير الكامل للتراب الفلسطيني.
نحول الأمر إلى قضية فاعلة وتضامن حقيقي مع الشعب الفلسطيني بإرجاع قضيته كي تكون القضية الأولى في سلم اهتمامات وقضايا الأمة.
نتضامن مع الشعب الفلسطيني ونحيي يوم القدس بأن نعتبر أن لا عدو لنا في داخل أمتنا سوى العدو الصهيوني.
نحيي يوم القدس باعتبار أنّ الوحدة الإسلامية هي السبيل الوحيد لاستعادة حقوقنا السليبة.
نحيي يوم القدس ونجعله حاضراً في وجدان الأمة بالإعلان عن أنّ المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لإبقاء القضية حاضرة في وجدان الأمة ولمنع الكيان الصهيوني أن يفرض أمراً واقعاً كيهودية الدولة أو تغيير معالم القدس أو الاعتراف بها كعاصمة للكيان الصهيوني أو نشر المستعمرات وضمها.
نحيي يوم القدس برفض صفقة القرن ومنع تنفيذها والسعي لوحدة الفصائل الفلسطينية ودعوتها للوحدة في غرفة عمليات واحدة وإعادة بناء منظمة تحرير تمثل الشعب الفلسطيني تمثيلاً حقيقياً.
نحيي يوم القدس بدعوة السلطة الفلسطينية إلى إلغاء كافة الاتفاقات مع الكيان الصهيوني وإلغاء الاعتراف بهذا الكيان الغاصب والعودة للكفاح المسلح.
نحيي يوم القدس بأن نتبنّى عملياً ما أعلنه الإمام الخميني من إعداد جيش العشرين مليون لتحرير فلسطين.
نحيي يوم القدس بالتضامن الحقيقي مع الشعب الفلسطيني ببناء ما هدمه العدو الصهيوني من منازل ونوفر الإمكانات اللازمة لصموده أمام المحتلّ وتوفير الإمكانات المادية اللازمة لبناء وتطوير البنى التحتية اللازمة لصموده في أرضه من مدارس ومستشفيات وجامعات.
نحيي يوم القدس بتوفير إمكانيات العمل للشباب الفلسطيني في الداخل وعدم السماح لهم بالهجرة من فلسطين حتى لو كانت مؤقتة ولو بتأمين رواتب لمن لا يجد عملاً حتى يجد هذا العمل.
نتضامن ونحيي يوم القدس من خلال توفير الملاذ الآمن اجتماعياً ومعاشياً في مخيمات الشتات كي يعيشوا حياة كريمة تتأمّن لهم من خلالها كلّ مستلزمات الصمود.
نحيي يوم القدس بإرسال السلاح له كي يقاوم ويمارس حقه في تحرير أرضه وحفظ كرامة أهل الشهداء والأسرى بتأمين المساعدات لهم ليصمدوا.
إنْ قمنا بهذه الأمور فإننا كنخب نكون قد جعلنا هذه القضية حاضرة في وجدان الأمة بانتظار اليوم الموعود بتحرير فلسطين، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً جداً بإذن الله، فما بعد جائحة الكورونا ليس كما قبلها على مستوى العلاقات الدولية والاستراتيجيات والمصالح، فلنبقى على جهوزية ولنراقب بوعي التطورات المقبلة، والنصر حليفنا بإذن الله سبحانه وتعالى.
*رئيس الهيئة الإدارية لتجمع العلماء المسلمين في لبنان.