موتٌ في سبيل القيامة
حنان سلامة
أنبل معاني الشّرف تتغنّى في طريق المجد في أسمى آيات الوجود…
نتلاقى على الدّرب في موكب الأحرار نسير بإباءٍ نحو الخلود…
في ربوع اللّيوث وفضاء النّسور اعتدنا أن نكون، نزرع الحقّ ونحصد النّصر؛ لا يُرهقنا عدوّ ولا يُخفق عزيمتنا الرّدى.
هناك… خلف التّلال البعيدة حيث تسكن الحسرة في عمق الألم… هناك عند كلّ غروب، سنعاهد المغيب الّذي يسدل احمراره فوق الموج الهادئ، أنّ موعدنا قريب لقطف عنقود النّصر.
تاريخ أمّتنا يشهد في صحف الحضارة عن أمجادنا، فلطالما رفضنا استباحة الوطن، لأنّ الشّريف يأبى أن تغتصب أرضه اغتصاباً.
كلّ حبّة ترابٍ في أمّتي ستقاوم… سنديانتي العنيدة… زيتونتي الحرّة… شجرة الحور… كلّ نبتةٍ في الأرض ستقاوم. لن تغفو عيون البساتين وستضحّي بثمارها ثمن البقاء. الوردة البيضاء الّتي تقبع في تلك الزّاوية ستنشر عطر الشّهادة، يستنشقه نسرٌ فيَهيم في الفضاء بعنفوان، ثمّ يتراخى لحفيف شجرة اللّوز، يسمع صوت العزّ، ويشمّ رائحة المجد، ثمّ يعيد التّحليق للعبور إلى كلّ الوجود.
لن تنكّس راية الحقّ في ميدان الأسُود، ولن تسلب منّا الحقيقة، فأرضنا الّتي تأبى أن تبيع عفّتها، ستكون أصالتها مقبرة الغزاة، أو ستصبح عروساً ليس للحبّ، بل لتذيق الأعداء لعنة الزّمان عليهم، وتصون التّراب بمخالبها الحمراء.
سيثور البحر والنّهر معاً، ويرجو العدوّ النّجاة. أبطالنا سيُخضعون الحاخامات، ويرمون في سلال المهملات كلّ الأوراق الّتي خطّت عليها معاهدات تهتك حقوقنا. سيروي لنا الحرف الثّائر بسطورٍ عن أسطورة النّصر الخالدة في عقولنا، لتقرأها كلّ الأجيال الآتية من دون أن تصمت الألسنة. فحين يمتزج نبأ الشّهادة بدمٍ طاهرٍ أريقَ لأجل بقائنا أحراراً، سنقرأ في التّاريخ عن المجد فخراً وعزّاً، وتتمايل سنابل القمح اعتزازاً.
الأمل ينطلق بنا إلى محافل المجد، حيث سنكسر قيد الخوف، ونعاهد شهداءنا على الانتقام. سنلقاهم في زمانٍ نحن نحدّده، فيلتمسون منّا ردّاً، حيث سنخوض معركة الحياة بعزمٍ وإرادة.
يوم رحيل الشّهداء، سترقص الزّهور على أنغام الرّصاص، وتتناثر الزّنابق والرّياحين فوق عرش الحرّيّة، ويعانق جرس الكنيسة قبّة المسجد، حينها ستسقط دمعتان: دمعة حزنٍ وحنينٍ لمن فارقنا بعد أن وهبنا الشّرف والحياة، ودمعة فخرٍ بأمّةٍ أنجبت أبطالًا خلّدوا تاريخها، ورفضوا أن يجوب الظّلام طويلًا في الأفق.
أيّها الرّاحلون جسداً… نجوم العزّة لن تغيب…
أيّها الصّامتون جُبناً وسط صيحاتٍ ثائرة، لا تطلقوا الكلمات على منابر الخداع، فالنّيران الّتي أشعلتها المواثيق لن تطفئها الاتّفاقيّات الذّليلة.
يوم نصرنا، سيسجد البدر قرب سرير جريحٍ، وتغفو الشّمس فوق قبر شهيد.
يوم نصرنا، سنذكّر الشّعوب بمن دافع وضحّى وصان…
يوم نصرنا، سنرفع اليمين ونجدّد قسمنا أنّنا لن نسامح ولن ننسى.
على حافَّةِ الهاويةِ نُجيدُ الحربَ
للحربِ نحن رصاصُها
بنادِقُها وصواريخُها
وستبقى محطَّةُ النَّصرِ تنتظِرُ قطارَنا
فما النّصرُ سوى محطَّةٍ
تنتظرُ اليراعَ على سِجلِّ تأريخِها…