العيد برائحة الموت في زمن كورونا!
د. محمد سيد أحمد
كل الأيام مختلفة في زمن كورونا، فمنذ داهمنا الوباء وطعم الأيام بمرارة الحنظل، يومياً لا تشغلنا إلا متابعة أخبار انتشار الوباء سواء في مجتمعنا المصري أو مجتمعاتنا العربية أو حول العالم، ومع ارتفاع حصيلة الضحايا سواء على مستوى المصابين أو مستوى الوفيات، تزداد حالة الكآبة والحزن، خاصة في ظل عدم توافر علاج أو مصل حتى اللحظة الراهنة. ومن يقومون بمحاولات علمية حثيثة للوصول لهذا العلاج يتحدثون عن مدة زمنية طويلة نسبياً أقلها على أقل تقدير حتى نهاية هذا العام.
وفي هذه الأجواء الكئيبة جاء شهر رمضان هذا العام ولم نشهد تلك الأجواء الاحتفالية الروحانية، ولا التجمعات العائلية على موائد الإفطار، ولا اللقاءات والسهرات الممتدة حتى السحور، ولم يمض يوم من أيام الشهر الفضيل من دون أن نسمع أن قريباً أو حبيباً قد داهمه الفيروس اللعين، ومع ارتفاع حصيلة الإصابات وصلتنا الأخبار عن وفيات بعض معارفنا، ومن المحزن حقا أنه حتى طقوس عيادة المريض ووداع المتوفى قد تغيّرت في زمن كورونا. فحالة الخوف والرعب والفزع أصبحت تسيطر على الجميع، وتمنع المرء من القيام بواجب العيادة أو العزاء.
ومع الخوف المصحوب بالحذر بدأ شهر رمضان بحصيلة إصابات بلغت في مصر وفقاً للإحصاء اليومي لوزارة الصحة والسكان المصرية 3891 حالة من ضمنهم 1004 حالات تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل والحجر الصحي، و287 حالة وفاة، وكان العدد معقولاً إلى حد كبير وتوقعنا أن تقل معدلات الإصابة في شهر رمضان نظراً لطبيعة الأجواء الجديدة والتي تفرض على الجميع التباعد الاجتماعي، لكن وللأسف الشديد زادت نسبة الإصابات بشكل مرعب خلال هذا الشهر ورغم كل الجهود المبذولة للتوعية لتصل إلى 16513 حالة من ضمنها 4628 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفيات العزل والحجر الصحي، و735 حالة وفاة.
وبالطبع هذه الأرقام المسجّلة لا يمكن الاعتماد عليها في الحالة المصرية، لأننا لا نقوم بعمل مسحات لكل السكان ولا لعينات كبيرة ولا حتى للمخالطين، كما يحدث في بعض البلدان حتى العربية والتي تتقدم علينا في نسبة الإصابات، حيث تحتل المملكة العربية السعودية صدارة أكثر بلدان الوطن العربي تأثراً بفيروس كورونا 67719 حالة إصابة، تليها في المرتبة الثانية قطر 40481 حالة إصابة، ثم جاءت في المرتبة الثالثة الإمارات العربية المتحدة 27892 حالة إصابة، تليها في المرتبة الرابعة الكويت 19564 حالة إصابة، وتأتي مصر في المرتبة الخامسة. وهذا بالطبع غير منطقي قياساً بعدد السكان من ناحية وقلة الإمكانيات التي جعلتنا نتخذ إجراءات أقل تشدداً من التي اتخذتها هذه الدول العربية. وهنا يمكن القول إن نسبة الإصابات الواقعية أكبر بكثير من الإصابات المسجلة وهو ما يثير مزيداً من القلق والتوتر والخوف خلال الأيام المقبلة.
وعلى الرغم من أن مصر وفقاً للإحصائيات الرسمية المسجلة تأتي في المرتبة الخامسة عربياً إلا أنها من حيث عدد الوفيات تأتي في المرتبة الأولى 735 حالة وفاة، تليها في المرتبة الثانية الجزائر 582 حالة وفاة، ثم جاءت في المرتبة الثالثة المملكة العربية السعودية 364 حالة وفاة، تليها في المرتبة الرابعة الإمارات العربية المتحدة 241 حالة وفاة، وتأتي في المرتبة الخامسة المغرب 197 حالة وفاة، وارتفاع حالات الوفاة في مصر يمكن تفسيرها على مستويين الأول عدم اكتشاف الحالات مبكراً، والثاني انخفاض مستوى الرعاية الصحية في مستشفيات العزل والحجر الصحي، وهي أمور تزيد من حالة الخوف والفزع والرعب خلال الأيام المقبلة، خاصة إذا استمرّت حالات الإصابة في التزايد.
وفي اليوم الأخير من شهر رمضان والذي أوشك على الانتهاء ونحن نجهز أنفسنا لاستقبال ليلة العيد، وفي أجواء تخيّم عليها الكآبة أجد نفسي أردد بيت الشعر الشهير للمتنبي والذي يقول:
«عيدٌ بِأُية حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأمرٍ فيكَ تَجديدُ»
وبالطبع يأتي العيد هذا العام بِأمرٍ فيه تَجديدُ، لكن ليس كل تجديد طيب ويدخل السرور إلى النفس، فقد جاء العيد هذا العام ورائحة الموت تزكم الأنوف، وطائر الموت يرفرف فوق رؤوس الجميع، لذلك وجب علينا التحذير مما هو مقبل بعد انقضاء إجازة العيد فكل شخص أصبح مسؤولاً عن نفسه في ظل التعايش مع كورونا.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.