في مقابل «رياح السماء» الصهيونيّة هل تهبّ «رياح الأرض العربيّة»؟
د. عصام نعمان*
بعدما أحسّ أن إدارة ترامب جادّة في منح الضوء الأخضر لحكومة الاحتلال الصهيونية بضمّ غور الأردن وأجزاء أخرى من الضفة الغربية الفلسطينية، أعلن محمود عباس أنّ «القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير أصبحتا في حِلٍّ من الاتفاقات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية ومن جميع الالتزامات المترتبة عليها بما فيها الاتفاقات الأمنية»، معتبراً ان «ضمّ أجزاء من أراضي فلسطين من قبل حكومة الاحتلال إلغاء لاتفاق أوسلو».
وسائل الإعلام الإسرائيلية القريبة من حكومة الاحتلال اعتبرت تصريح عباس خطوة رمزية موجّهة الى نائب رئيس الحكومة بيني غانتس مرادها أنه من المجدي له الدخول في مفاوضات مع عباس عندما يصل الى رئاسة الحكومة بعد 18 شهراً. لماذا؟ لأنّ إعلان عباس مجرد تعبير إعلامي ولا نيّة لديه للانسحاب من اتفاقات أوسلو لكون الانسحاب منها يؤدّي الى حلّ السلطة الفلسطينية.
كل الفصائل الفلسطينية رحّبت بإعلان عباس ودعت الى تصعيد المواجهة ضد العدو الصهيوني. خلافاً لوسائل الإعلام، بدت القيادة العسكرية الإسرائيلية أكثر حذراً وتحوّطاً لما يمكن أن يتولّد عن الرفض الحاسم لفصائل المقاومة ضمّ المزيد من الأراضي الفلسطينية لدولة العدو. فقد كشف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عن خطة «رياح السماء» لتدريب قواته البريّة على سيناريوات الحرب في المنطقة الشمالية على جبهتي سورية ولبنان.
ماذا يمكن أن تفعل فصائل المقاومة الفلسطينية؟ وكيف يمكن أن تكون مشاركة قوى المقاومة العربية؟
نائب رئيس المكتب السياسي لـِ «حماس» صالح العاروري قال لقناة «الميادين» إنه لا يستبعد أن تتفجّر انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية. هذا الاحتمال وارد لدى القيادة الإسرائيلية، لكن تحسّبها الأكثر دلالة إنما ينصّب على جبهتي سورية ولبنان. لماذا؟
لأنّ «إسرائيل» تُدرك انّ صراع الإرادات بينها وبين قوى المقاومة العربية يتركّز، بالدرجة الأولى، على جبهتي لبنان وسورية. فعلى جبهة لبنان تتمركز قوة مقاومة فاعلة وذات خبرة قتاليّة طويلة، وترعاها قيادة متمرسة وذات أفق استراتيجي مديد وسبق لها أن دعت الى ضرورة توحيد جبهات المقاومة ضدّ «إسرائيل».
هل تتجاوب فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، مع رؤية السيد حسن نصر الله لأفق الصراع مع العدو؟
الحقيقة انّ الجواب عن هذا السؤال لا يتوقف على ما تعتزم فصائل المقاومة الفلسطينية القيام به في المدى القريب بل على رؤية جميع أطراف محور المقاومة لمستقبل الصراع مع العدو على جميع المستويات. في هذا المنظور، تقتضي الإحاطة، ولو باقتضاب، بأولويات كلٍّ من أطراف محور المقاومة في المرحلة الراهنة:
المقاومة الفلسطينية عموماً منشغلة بمواجهة «إسرائيل» في جبهات متعدّدة أهمّها جبهة قطاع غزة. بعد اندلاع وباء كورونا وتأليف الحكومة الإسرائيلية اليمينية الجديدة باتت المقاومة مدعوة الى ابتداع نهج متطور وأكثر فعالية في مواجهة العدو. فهل تراها جادة في هذا السبيل؟ وهل تراها تضغط على سائر أطراف محور المقاومة لانتهاج استراتيجيا متكاملة ضدّ الهجوم الصهيوأميركي في هذه المرحلة؟
المقاومة السورية – ومحورها الجيش العربي السوري ــ ما زالت منشغلة بعملية استكمال دحر التنظيمات الإرهابية العاملة في خدمة أميركا وتركيا في شمال غرب البلاد (إدلب) وشمال شرقها (مناطق شرق الفرات). هل تراها تولي تنظيمات المقاومة الناشطة في جنوب البلاد، وأهمّها حزب الله اللبناني المدعوم عن بُعد بالحرس الثوري الإيراني، الأهمية والدعم المستحقين؟
المقاومة العراقية منشغلة مجدّداً بعملية تنظيف البلاد من جيوب تنظيم «داعش» الذي عاد إلى الترهيب والتخريب بدعم لوجستي ملحوظ من الولايات المتحدة، فهل تراها تستطيع الانخراط في مجهود قتالي متطوّر لطرد القوات الأميركية من بلاد الرافدين والإسهام تالياً في مجهود قتالي ضدّ الهجوم الصهيوأميركي في بلاد الشام؟
إيران منشغلة بمواجهة الولايات المتحدة على مستويات ثلاثة: محلي وإقليمي ودولي، وتُبدي في هذه المجالات تصميماً وفعالية. لكن هل تراها مستعدة، في هذه الآونة، لتوظيف قدرات ومشاركات إضافية أكبر وأفعل في استراتيجيا مواجهة، مباشرةً ومداورةً، ضدّ الهجوم الصهيوأميركي في منطقة غرب آسيا عموماً وفي بلدان المشرق العربي خصوصاً؟
المقاومة اللبنانية هي الأكثر سيطرةً على ظروفها السياسية والاجتماعية بين سائر المقاومات العربية والإسلامية، ومع ذلك فهي مدعوة الى وزن خياراتها في المرحلة الراهنة لا سيما في ما يتعلق بتوقيت وحجم مشاركتها المدنية والميدانية في الاستراتيجيا المتكاملة وفي المواجهة المتوخاة ضدّ الهجوم الصهيوأميركي.
في ضوء الواقعات والمتطلّبات سالفة الذكر يمكن استخلاص ثلاث توصيات وازنة:
أولاها، انّ الهجوم الصهيوأميركي مستمر ومتصاعد في جميع أنحاء غرب آسيا، لا سيما في فلسطين، وان المتضرّرين منه مدعوّون الى المبادرة لمواجهته باستراتيجيا متكاملة وتوحيد الجبهات ضده بلا إبطاء.
ثانيتها، انّ المقاومة الفلسطينية بشتى فصائلها مدعوة الى الاتحاد واجتراح انتفاضة مدنية وميدانية تشمل جميع الاراضي الفلسطينية، بما فيها المناطق العربية داخل الكيان الصهيوني، بغية مشاغلة العدو على جميع الجبهات وإكراهه على توزيع قواته ما يؤدي الى إرهاقها من جهة، ومن جهة أخرى إلى إبقاء قضية فلسطين حيّة في قلوب الفلسطينيين كما في قلوب أنصارها في عالم العرب وعالم الإسلام والعالم الأوسع.
ثالثتها، ان جميع أطراف محور المقاومة مدعوة الى اجتراح استراتيجيا متكاملة لمواجهة الهجوم الصهيوأميركي ووضعها موضع التنفيذ على مستوى بلدان غرب آسيا كلها.
المقاومة المستمرة هي الجواب، دائماً وأبداً، وفي مقابل «رياح السماء» الصهيونية يجب أن تهبّ «رياح الأرض العربية»…
* نائب ووزير سابق.