احتفاء منظمة اليونيسكو به و 18 أيار يوم عالميّ لتكريمه سمير أرشدي: عمر الخيام عابر القرون واللغات ورمز الوفاق الإنسانيّ والتعايش السلميّ
الشاعر الإنجليزي فيتزجرالد بعث الخيّام من مرقده وأسمع أوروبا الحائرة صوته ليملأ الخواء الروحي والمعنوي.
الخمرة في الأدب الفارسي الصوفيّ هي رمز للعشق الإلهي.
يحتفل عالم الشعر والأدب هذه الأيام بذكرى الشاعر الإيراني الحكيم عمر الخيام بعد ألف عام من ولادته في مدينة نيسابور في ضواحي خراسان في ايران، فما سر خلود هذ الشاعر وإعجاب الناس على اختلاف لغاتهم وطبائعهم برباعياته التي تجاوزت ترجماتها للعربية الستين؟
يجيب سمير ارشدي عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب بأن احتفاء منظمة اليونيسكو بالخيام واختيار يوم 2009/5/18 يوماً عالمياً لتكريمه ناجم عن جهود هذا الشاعر لتحقيق الوفاق الإنساني والتعايش السلمي والتسامح في عصر اتسم بالعنصرية والمادية والتشاحن فضلاً عن تطويره لعلوم الفلك والرياضيات والطبيعيات والموسيقى والفلسفة.
حكيم عصره
وأضاف ارشدي: ان الغاية الاساسية من تكريم هذا المفكر العملاق هي تصحيح الصورة التي التصقت به في الأدب العربي خلال القرن الأخير، في حين ان الخيام كان كما كان ابن سينا في الحكمة ويضرب به المثل في النجوم ويعتبر سيد حكماء الشرق والغرب وأزخرهم بحراً وأرفعهم قدراً وأطولهم في الرياضيات باعاً.
فالخيام كان يجيد العربية كما الفارسية ونظم شعراً عربياً وكان من العلماء المسلمين البارزين في القرن الخامس الهجري، حيث فاضت روحه بينما كان ساجداً في آخر لحظات عمره وهو يردد:
سئمت يارب من حياتي
وكل هذا الضيق بالحاجات
وأنت من تخلق كل الورى
من عدم ومن حياة الذات
أدعوك أن تخرجني بالردى
من عدم إلى الوجود الآتي
تراجم
ويضيف الباحث الإيراني ان اكثر من ستين أديباً وشاعراً ترجموا رباعيات الخيام الى العربية بدءاً من احمد رامي، وقد اختارت أم كلثوم منها قصيدة (سمعت صوتاً هاتفاً في السحر) لتكون من أشهر أغانيها. حيث إن أغلب الترجمات عبر لغة وسيطة وهي اللغة الانجليزية، وهو ما جعلها تفقد الكثير من مضامينها، وتعتبر ترجمة الشاعر احمد الصافي النجفي – وهو من كبار شعراء عصر النهضة في العراق (1894 – 1977) – وترجمة الشاعر المصري احمد رامي من افضل الرباعيات المعربة نظراً لترجمتهم مباشرة عن اللغة الفارسية، كما عكفا على دراسة الفارسية وآدابها لا سيما الصافي النجفي الذي أمضى ثماني سنوات يدرس الادب الفارسي في المعاهد الإيرانية، كما لا بد من التنويه بتعريب العلامة محمد الفراتي من سورية، والشاعر إبراهيم العريض من البحرين، والدكتور مصطفى جواد من العراق، والعلامة عباس محمود العقاد لما لترجماتهم من أهمية جليلة ورائعة.
خمرة الوجود
ويشير أرشدي الى ان الخيام من كبار فقهاء زمانه وله رسائل متعددة في الفقه والشريعة، وأمثاله لا يأتون الى الدنيا الا في أحقاب متباعدة متطاولة، انه شاعر ملأ الأرض عبقاً شعرياً تستطيبه مشام أولئك الذين أحبوا الجمال وأدهشتهم تجلياته في عالم الخلق.
ومن المعروف ان الخمره في الأدب الفارسي الصوفي هي رمز للعشق الالهي، فالسكران هو العابد الزاهد والساقي هو الذي يعطي الخمره ويدخل الفرحة إلى قلوب العباد، حيث يرمز عادة الى الباري المتعالي.
ويضيف استاذ اللغة الفارسية في جامعة الكويت سمير ارشدي: ان الذي شاء الخيام ان يقوله للناس من خلال رباعياته هو: لمَ القلق ومزيل القلق موجود؟ وهل هناك ما يستحق ان نقلق من أجله؟ واذا كان هناك ما يبعث في النفس السرور والبهجة فلم العزوف عنه؟ وهو القائل:
اشرب المدام التي تزيل
من القلب هم الكثرة والقلة
وتبعده عن الانشغال
بالاثنتين والسبعين ملة
ولا تتعف عن الكيمياء التي
تناول جرعة واحدة منها
يزيل ألف علة وعلة
بث الروح المعنوية في اوروبا
وأشاد أرشدي بالشاعر الانجليزي فيتزجرالد الذي كسا عظام الخيام لحماً وأعاد اليه الروح من جديد وبعث الخيام من مرقده واسمع اوروبا الحائرة صوته الرخيم ليملأ الخواء الروحي والمعنوي الذي يعاني أبناء قومه.
يرى الخيام ان العمر راسمال الانسان وعليه ان يعرف كيف يقضيه ولا ينسى بان العمر قصير محدود طافح بالهموم يمر عابراً ويصفه بالقول:
قد انطوى سفر الشباب واغتدى
ربيع افراحي شتاء مجدبا
لهفي لطير كان يُدعى بالصبا
متى أتى وأي وقت ذهبا؟
أكثر من ثلاثمئة كتاب باللغة العربية حول هذا الشاعر اللغز الذي حير العالم برباعياته العرفانية وحكمه الانسانية ولا نزال نجهل الكثير من افكاره، شاعراً يدعو للتسامح والألفة ولمّ الشمل بلغة فلسفية خلدها التاريخ، شاعر يلفه التناقض والتضاد وهذا هو السر الكامن في كل فنان ومبدع.