سور الأدب العظيم!!؟؟
كعادتي عندما أبدأ بقراءة أيّة كتابة في مجال الأدب أو الفلسفة أو حتى علم الاجتماع، أحضر كراساً صغيراً وقلماً لأدون عليه العبارات والأفكار العظيمة التي أستشفها من أفكار مبدعي هذه الأعمال الخالدة.
ملاحظاتي كملاحظات كثيرين ممن يهتمون بمجال المطالعة ودراسة الأدب والتاريخ نجد أنّ المؤلفات القديمة فيها من الإبداع والإتقان والجهد الكبير من حيث الادوات الفنية واللغوية والمضمون والنواحي الأخرى الفكرية والجمالية، حيث هناك تأنٍ في الكتابة وتركيز وتأمل في الفكرة والعبِرة المستخلصة للقارئ..
أمّا المؤلفات الجديدة التي تمّت طباعتها منذ عشرين عاماً أو أقل بقليل فهي تختلف من حيث النزعة الإبداعية عن سابقاتها، معظمها كتب ومؤلفات كثيرة الورق قليلة الفكرة، وكأن الكاتب يريد أن يطبع كتابه بسرعة وعجلة لأجل غاية ما مما جعله يفقد جودته أمام المتلقي المثقف الحصيف!!
الخط الفاصل بين ما يُسمّى كاتب وما يسمّى مبدع خط دقيق جداً لا يرى بالعين المجردة، تماماً مثل الخط الذي يفصل بين اللونين الأبيض والأسود. وفي السنوات الأخيرة أخذ هذا الخط يتسع ويكون منطقة رمادية باهتة تتلقف معظم مدّعي الكتابة الأدبية بأجناسها المتعددة شغلهم الشاغل تذييل سيرهم الذاتية بالمانشيتات العريضة بعبارة (أنا أكتب إذاً أنا موجود)!!!
في أعوام الحرب العشرة صدر عدد مهول من الأعمال الأدبية والتي تتحدث عن الثورة والحرب وتداعياتها، الأمر نفسه فيما يخص يوميات الحرب أو السرد المتعلق بحكايا الناجين من الموت، والأكثر إيلاماً تدنّي مستوى الشعر عن أترابه في الزمن الجميل، والحديث منه على وجه الخصوص، صدر عن تمثّل الحدث في الوعي لينسجه اللاوعي في علاقات لغوية جديدة لا تحمل ما يحمله السرد من مباشرة ووضوح، وإنما إحالات ودلالات تجعل من الشعر فن التخيّل اللا متخيّل وكأننا بقراءته نفك طلاسم وشيفرات عقدات كتابه!!
كذلك العمل الروائي قد ينجح في توثيق اللحظة الراهنة، وفي توثيق ما يمكن للتاريخ أن يمحوه فالتاريخ بطبيعة الحال يكتبه المنتصرون إلّا أنّ ذلك لا يبرر هذا الكم الهائل من الأعمال الروائية المتعلقة بالحرب، فالتوثيق عمل آخر ليس من مهام العمل الأدبي!!
الكتابة المعمّقة ذات الأفكار السليمة الصائبة هي مهمة الأدب والفلسفة، هي سور الأدب الذي يحميه من الانهيار والتلاشي..
في العمل الأدبي يحتاج الكاتب إلى نظرة بقدر ما هي بانوراما بقدر ما هي عميقة ومنصفة لأنّ هذه الأعمال ستكون مرجعاً للأبناء والأحفاد في الأعوام المقبلة!!
في الواقع ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقاً لتؤذي الناس وتدمرهم، أحياناً يكفي أن تكون غبياً ونأمل أن يأخذ الاغبياء استراحة في هذا الفترة كي لا يصيب سور الأدب التصدّع والانهيار!!
صباح برجس العلي