خطوة صينيّة لاستعادة السيطرة على هونغ كونغ وغضب أميركيّ وغربيّ
تعتزم الصين سن قوانين للأمن الوطني لمنطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، وفقاً لقرار في هذا الخصوص اعتمدته الهيئة التشريعية الوطنية أمس.
وقد صوّت نواب المجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصينيّ الذين حضروا الاجتماع الختاميّ لدورته السنوية الثالثة، بأغلبية ساحقة للموافقة على قرار المجلس لتأسيس وتحسين النظام القانوني وآليات إنفاذ القانون في هونغ كونغ لحماية الأمن الوطني.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن أدّت الاضطرابات الاجتماعية التي طال أمدها وتصاعد العنف في الشوارع، إلى دخول هونغ كونغ في أخطر وضع منذ عودتها إلى الوطن الأم في عام 1997.
ولدى تقديم المسودّة إلى الهيئة التشريعية الوطنية الأسبوع الماضي، قال المشرّع الكبير وانغ تشن إن “مخاطر الأمن الوطني الملحوظة بشكل متزايد في هونغ كونغ أصبحت مشكلة بارزة”.
وأوضح وانغ، وهو نائب رئيس اللجنة الدائمة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، أن “ثمة حلقات ضعيفة واضحة في النظام القانوني القائم وآليات إنفاذ القانون في هونغ كونغ لحماية الأمن الوطني”.
وقال إنه “بالنظر إلى وضع هونغ كونغ في الوقت الراهن، يجب بذل جهود على مستوى الدولة لتأسيس وتحسين النظام القانوني وآليات إنفاذ القانون في هونغ كونغ لحماية الأمن الوطني”.
وفي خطوة كانت متوقّعة، صوّت نواب الجمعية الوطنية الشعبية البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف، لصالح الإجراء الذي أثار اضطرابات مجدداً في المدينة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في جنوب الصين.
وصوّت نائب واحد فقط ضدّ النص وامتنع ستة آخرون عن التصويت. وصفق النواب طويلاً بعد إعلان نتيجة التصويت في قاعة قصر الشعب في بكين، بحضور الرئيس شي جين بينغ.
وجعلت الصين من هذا القانون أولوية بعد التظاهرات الضخمة التي جرت عام 2019 احتجاجاً على نفوذ السلطة المركزية الصينية، فشجّعت النزعة الاستقلاليّة، إلا أنها ترافقت مع أعمال عنف.
ويؤكد المعارضون الديموقراطيون لنفوذ بكين في المدينة أن “الإجراء يفتح الطريق لتقلص غير مسبوق في الحريات في المركز المالي البالغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة”.
وقالت كلاوديا مو النائبة المؤيدة للديموقراطية في المجلس التشريعي لهونغ كونغ، “إنها نهاية هونغ كونغ”. وأضافت “اعتباراً من الآن ستصبح هونغ كونغ مدينة صينية كغيرها”.
ورأى أحد وجوه المعارضة جوشوا وونغ أن القانون المستقبلي “سيقضي على الحركات الديموقراطية” في هونغ كونغ.
أما في المعسكر المؤيد لبكين، فرحبت رئيسة السلطة التنفيذية المحلية كاري لام بتصويت البرلمان الصيني ووعدت التزاماً بما ورد في النص بـ”تعزيز تطبيق القانون والتعليم دفاعاً عن الأمن القومي”.
وأكد النائب المؤيد لبكين مارتن لياو أن القرار “لن يمسّ بالحقوق والحريات التي يتمتع بها سكان هونغ كونغ”.
وبعد تراجع الحركة الاحتجاجية في الأشهر الأخيرة في ظل الإجراءات المتخذة لمكافحة فيروس كورونا المستجد، نزل آلاف المتظاهرين مجدداً إلى الشوارع الأحد للاحتجاج على مشروع القانون الذي أعلن عنه قبل ثلاثة أيام فقط، وقامت الشرطة بتفريقهم.
ويكلف الإجراء اللجنة الدائمة للمجلس الوطني الشعبي الصيني صياغة مشروع قانون سيتم إدراجه في دستور هونغ كونغ المصغّر، متجاوزاً تصويتاً في المجلس التشريعي المحلي.
وينصّ المشروع الذي عرض على البرلمان الصيني على أن يسمح هذا القانون “بمنع ووقف وقمع أي تحرك يهدد بشكل خطير الأمن القومي مثل النزعة الانفصالية والتآمر وإعداد أو الوقوف وراء نشاطات إرهابية، وكذلك نشاطات قوى أجنبية تشكل تدخلاً في شؤون” هونغ كونغ.
واتهمت بكين مراراً العام الماضي “قوى أجنبية”، خصوصاً أميركية، بتدبير الاضطرابات في هونغ كونغ. كما اتهمت متظاهرين راديكاليين بالقيام بنشاطات “إرهابية”.
ويمكن أن تبدأ اللجنة الدائمة للمؤتمر الوطني الشعبي بمناقشة النص اعتباراً من حزيران وأن يتم تبنيه في نهاية آب، وفق ما ذكر موقع “ان بي سي اوبزرفر” المتخصص بشؤون البرلمان الصيني.
ويقضي المشروع أيضاً بـ”السماح لهيئات تابعة للحكومة المركزية بإقامة فروع متخصّصة بالأمن القومي في هونغ كونغ”.
ويرى المعارضون أن النص يشكل نهاية مبدأ “بلد واحد ونظامان” الذي يحكم العلاقات بين بكين وهونغ كونغ منذ إعادة المنطقة إلى الصين في 1997.
ويثير مستقبل هذا المركز المالي الآسيوي الكبير قلقاً في بقية أنحاء العالم أيضاً، خصوصاً في الولايات المتحدة حيث مهدت إدارة الرئيس دونالد ترامب، بدون أن تنتظر الكونغرس، لعقوبات اقتصادية ضد هونغ كونغ.
وصرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في الكونغرس أول أمس، أنه “لم يعد يعتبر هونغ كونغ منطقة حكم ذاتي تتمتع باستقلالية عن بكين”. وقال “لا أحد يمكن أن يؤكد اليوم أن هونغ كونغ تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية عن بكين”.
عملياً، أصبح بإمكان إدارة ترامب إنهاء الوضع التجاري التفضيلي الممنوح للمستعمرة البريطانية السابقة. لكنها لم توضح ما إذا كانت ستنفذ هذا التهديد.
وذكرت وسائل إعلام أميركية، أن “إدارة الرئيس دونالد ترامب تعتزم إلغاء تأشيرات الدخول للطلاب والباحثين الصينيين الذين لهم علاقة بالكليات المرتبطة بجيش التحرير الشعبي الصيني”.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، عن مصادر تؤكد أن “المسؤولين الأميركيين يناقشون طرقاً مختلفة لمعاقبة الصين على أفعال تتعلق بالمنطقة الإدارية الخاصة بالحكم الذاتي في البلاد (هونغ كونغ)”.
وبحسب بعض المسؤولين الأميركيين، فقد يؤثر الإجراء الجديد على 3 آلاف طالب على الأقل، بما في ذلك أولئك الذين يعملون في مشاريع بحثية مهمة، إذ يدرس ويعمل حوالي 360 ألف طالب صيني في الولايات المتحدة الأميركية.
ووفقاً لأحد المسؤولين الذين لم يجر الإفصاح عن اسمه، “في بعض الحالات، يتوقع من الطلاب الموفدين إلى الخارج جمع المعلومات كشرط للدراسة”.
وفي وقت سابق أعلنت السلطات الأميركية، أنها “تدرس فرض عقوبات على السلطات الصينية بسبب أفعال تتعلق بهونغ كونغ”. وحملت بكين على القرار الأميركي ووصفه مكتب وزارة الخارجية الصينية في منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة بأنه “وحشي”.
كما أصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا بياناً أمس، بشأن قانون جديد للأمن في هونغ كونغ تقول الدول الأربع إنه “يهدد الحريات وينتهك الاتفاق الصيني – البريطاني الموقع في عام 1984 بشأن الحكم الذاتي في المدينة”.
وقالت الدول الأربع في بيان مشترك “ازدهرت هونغ كونغ كمركز للحرية”، كما عبرت عن “قلق عميق يتعلق بقرار بكين فرض قانون للأمن القومي في هونغ كونغ”.
وقالت الدول الأربع “قرار الصين فرض قانون الأمن القومي الجديد على هونج كونج يتعارض بشكل مباشر مع التزاماتها الدولية بموجب مبادئ الإعلان الصيني – البريطاني المشترك الملزمة قانوناً والمسجلة بالأمم المتحدة”.
وتقول الصين إن “التشريع يهدف للتصدي للميول الانفصالية والتآمر والإرهاب والتدخل الخارجي في المدينة، لكن الخطة التي أعلنت في بكين في الأسبوع الماضي أدت لاندلاع أول احتجاجات كبيرة في هونغ كونغ منذ شهور”.
ويعزز قانون الأمن الذي تعده الحكومة الصينية للمدينة مخاوف داخل هونغ كونغ وخارجها من فرض بكين سيطرتها وتضاؤل الدرجة العالية من الحكم الذاتي التي تحظى بها المدينة بموجب نظام “بلد واحد ونظامان” الذي تخضع له هونغ كونغ منذ عودتها إلى الحكم الصيني في 1997.