«أحببتك أكثر مما ينبغي»… سيرة تحرّر وتمرّد على مجتمع بالٍ
} مهى هسي
«الحبّ في مدينتنا ثورة يائسة وانقلاب فاشل لن يُكتب لهما النجاح إطلاقاً…» عندما تتحوّل جاذبية العشق إلى نقطة انعكاس وتعاكس واتفاق وضدّية لا بدّ أن تكون تلك العلاقة العاطفية مصحوبة بأصداء وحدات وتقنيات المونولوج أو الحوار الإشهاري المتحقق ببدايات ونهايات معكوسة وجديدة، كما في رواية «أحببتك أكثر مما ينبغي» للكاتبة السعودية «أثير عبدالله النشمي» الصادرة عن دار الفارابي – بيروت والتي جاء عدد صفحاتها (326).
ليس سهلاً أن تكوني امرأة شرقية في بيئة مغلقة يترعرع فيها حُبٌ تكبّله التقاليد في بلدٍ لا زال يرى في الحبِ خطيئة وجريمة يعاقب عليها حتى لو كانت في بلاد الاغتراب: «وهل ظننت بأن السفارة ستغض الطرف عن فتاة سعودية تجوب شوارع كندا مع حبيبها… (ص. 69)». تنقل الكاتبة كيفَ تعيش البطلة – (جمانا) – العاشقة حبها في الخفاء في غربتها، تتقبل أحياناً أهلها وأشقاءها الذين يحكمونها بذكوريتهم، كما تبدي تعلقها الشديد بوطنها من خلال ذكر تاريخ العيد الوطني للسعودية الذي كان تاريخ اللقاء بـ(عزيز)، ويظهر التعلق أكثر بوطنها من خلال تعلقها بـ(عزيز)، إلا أن الكاتبة في الوقتِ ذاته تعلن امتعاضها من العادات السائدة على لسانِ بطلة ثانوية (هيفاء) الطالبة الكويتية التي تشارك (جمانا) الغرفة، إذ دائماً توجد امرأة ما، بطلة ما، تعرف كيف تكون قوية لنصرة النساء. ونعرف هذا من مجتمعاتنا التي ما زالت تعيش التفاصيل المريرة ذاتها وإن كانت بأثواب أكثر حداثة: «أنا لن أحب سعودياً، خليجنا واحد وعزيزنا واحد..». في تلميح مباشر إلى أنّ كل خليجي يسكنه رجلٌ يشبهُ عزيز. شخصية البطل (عزيز) هي نموذج لشخصيات كثيرة في عالمنا العربي، سعوديٌ مقيم في كندا منذ عشر سنوات، يجد متعته في حياة اللهو والمجون، يحبُ (جمانا) ويرى فيها طهراً يستفز مجونه، يريدها امرأة عذراء، تعامِله على أساس (سي سيّد) ويرى أنّ رجولته تكمن في إذلالها وكسرها، كما تكسر القوانين السعودية – الصارمة – المرأة، يخافُ أن يخسرها كما يخاف أن يخلِص لها، يخافُ أن تتركه كما يخاف أن يخسر حريته وهو يرتبط بها، كمن يخسر جذوره وهو مرتبط بمصالح شخصية في بلاد الاغتراب.
يلتمس القارئ بين صفحات الرواية تقنية الاسترجاع يرصد بنية التواتر برسائل تُعيد قراءة ذاتها، وتعمد الكاتبة إلى الأسلوب الساخر المرح في بعض الحوارات لما يقدّمه للقارئ من جذب ورفاهية وذلك لكسر نمطية السرد الذي جاء أقرب إلى اللغة الشعرية المشحونة بالعاطفة والألم، على الرغم من أن أغلب الحوارات جاءت شبه مكرّرة وغير منطقية في بعض الأحايين: «هل أنتِ مسترجلة؟ Lesbian؟ سألتك: وهل أبدو مسترجلة؟ وقلت ببراءة: لا.» فكيف بشاب قارئ يمسك كتاباً أن يسأل فتاة سعودية مبتعثة يلتقيان لأول مرة إن كانت مسترجلة، حتى وإن كانا في بلاد الغربة؟ ناهيك أن الكاتبة لم تشرح عشرات العبارات والجُمل الإنجليزية التي أوردتها في الرواية، فينظر لها من باب التثاقف على القارئ.
تقرر (جمانة) السفر إلى الرياض، وقضاء الصيف مع أهلها، فيحجز لها (عزيز)، ولكنه قال لها بأنه لن يسافر، على الرغم من رجائها المتكرر له بالسفر معها. لكنها فوجئت بأنه رفيقها في المقعد. حاولت الكاتبة تبرير هذا الموقف، فقالت بأن (عزيز) وصل قبلها، وصعد الطائرة قبلها؛ حينما قال (عزيز) لـ(جمانة) لقد تأخرنا بسببك، لكنها تعود وتقول بأنه رأى (جمانة) في صالة المسافرين وتخفَّى عنها. كيف تكون هي معه في الوقت نفسه في صالة المسافرين، ولا تصعد إلى الطائرة، ويتأخر الجميع بسببها؟ نجد البناء الفني للرواية في هذا المقطع ضعيفًا وغير مقنع: «رجوتك أن تسافر معي لكنك رفضت، غضبت كثيرًا.. لذا لم أودعك وركبت الطائرة وأنا أقاوم دموعي.. لتفاجئني بالمقعد المجاور لمقعدي وعلى وجهك ابتسامة خبيثة.. أشرت إلى ساعة يدك: تأخرتِ وأخّرتِنا، كنا بانتظارك؟» (ص. 18). كما يظهر التناقض في الكثير من الأحايين إذ تارة تصور الكاتبة بطلتها (جمانة) بأنها متحررة من كثير من القيود الاجتماعية، إذْ تنام على كتف حبيبها مكشوفة الوجه طيلة الرحلة: «كانت الرحلة طويلة للغاية فنمت حينما غادرنا هيثرو على كتفك حتى وصلنا إلى الرياض..». وتارة تصوّرها على أنها فتاة ترفض رفضاً تاماً أن يقترب منها (عزيز) بأي شكل من الأشكال.
تحكي (جمانة) وهي تخاطب (عزيزاً) كيف كان أبناء أقاربها يبعثون لها برسائل حب في طفولتها، فيغار عليها، وتطمئنه هي: «لا تقلق يا حبيبي.. لن يفكر رجل من عائلتي بامرأة متمردة تقيم وحدها في الغربة.. عزيز لا تخف، أعرف كيف يفكر شباب العائلة! لن يرغب بي أحد، ولا يهم إن رغب بي أحدهم، المهم هو بمن أرغب أنا». (ص. 156) هنا نجد تناقضاً واضحاً بين ما قدّمت به الكاتبة عن شخصية (جمانة) بأنها فتاة منقادة، خائفة لا تملك من أمر نفسها شيئاً أمام حبيب يسومها سوء العذاب. أضف إلى ذلك الشطحات غير المنطقية، فـ(عزيز) تزوّج من فتاة لبنانية تقطن في (مونتريال)، وقد كان على علاقة جنسية معها منذ بضع سنوات، ويسافر ليمضي أياماً بصحبتها أثناء علاقته بـ(جمانة)، يرسل برسالة الكترونية لـ(جمانة) التي كانت علم بعلاقتهما من صديقهما (زياد): «أتدرين ما الغريب في الأمر يا جمانة؟ الغريب بأنني لم ألمسها منذ أن تزوّجنا.. رغبت بها بالحرام ولم أرغب بغيرك بالحلال مثلما لم أرغب بك بالحرام أبداً.. دائماً ما كنت أراك كحورية لا يستحقّ أن يدنّسها بشر»! (ص. 173)
«أحببتك أكثر مما ينبغي وأحببتني أقلّ مما أستحق!» بهذه العبارة تختم الكاتبة روايتها الأشبه برسالة عاطفية طويلة، ولكن إذا ما تعمقنا أكثر نجد أن في الرواية جانباً اجتماعياً، سياسياً وثقافياً. وكان من السهل على الكاتبة قراءة المجتمع السعودي الذي قد يقف أحياناً عائقاً أمام قلوب تحترق ليسلب خيارات الشباب ويفقدهم التحكم بقراراتهم المرهونة بالعائلة والمجتمع، ربما هي محاولة لرفض الصدام بين أجيال والتأرجح بين الحافات على أمل التغيير.