أردوغان والعقليّة اللااستراتيجيّة في سورية
} ربى يوسف شاهين
نشرت مجلة «فورين بوليسي» عام 2013 مقالاً جاء فيه «أنّ تركيا بصدد انتهاج سياسة خارجيّة جديدة تقوم على مبدأ «صفر مشاكل»، حيث في مقالة لوزير خارجية تركيا السابق «أحمد داوود أوغلو» وصف من خلاله مستقبل تركيا بالدول الأخرى البعيدة والقريبة بـ «المرحلة الجديدة».
لكن الحقائق جاءت مخالفة جُملة وتفصيلاً لمبدأ «صفر مشاكل»، لتطفو على السطح سياسات النظام التركي المُعتمدة على نظريات التوسّع والسيطرة وفرض النفوذ بالقوة، وفق مبدأ السلطنة العثمانية، حيث إنّ سياسة أردوغان التي تقوم على الاحتلال لإنشاء تغيير ديمغرافي معنون بشعار الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق تدخلات تارة إنسانية وتارة احتلالية استعمارية وتارة التوجهين معاً، كما يفعل في سورية وليبيا.
فالملفّ السوري الذي اعتمد فيه أردوغان سياسة المتناقضات واللعب على حبال المراوغة، استطاع بداية تعرية السياسة اللا استراتيجية بين بلدين جارين، وتبعه نزيف عدائي لسياسته العرجاء في التعامل مع الداخل التركي، فما راهن عليه من نتائج في الحرب على سورية، اقتصر على النهب والسرقة للآثار والتحف والمعامل والمصانع وحتى الأنابيب المعدنية وشبكات الريّ، كما حدث في منطقة الغاب، ليتمّ بيعها لسماسرة في تركيا، وقطع المياه لفترات طويلة عن مئات آلاف المواطنين في مدينة الحسكة، وتدمير محطة زيزون الحرارية في إدلب من قبل الحزب التركستاني، وسرقة التجهيزات الإلكترونية المتعلقة بتوليد الكهرباء والمعدات الكهربائية الضخمة، كما تمّ نزع مواسير المرجل البخاري العملاقة، وكلّ ما سبق تمّ تحت إشراف فنيين أتراك.
سياسة العصابات هي السياسة التي اتبعها رجب طيب أردوغان في تعاملاته الداخلية في تركيا، أو مع مجموعاته الإرهابية، ناهيك عن القتل والتجريم والتهجير، التي اتبعها في مناطق عدة في الشمال الغربي والشرقي من سورية، وبالتعاون مع الولايات المتحدة كشريك فعلي في الحرب على سورية.
سياسة أردوغان العثمانية ستفضي به إلى الانهيار السياسي الداخلي، كما حدث باستقالة أحد أعمدة حزب العدالة والتنمية «أحمد داوود أوغلو» من رئاسة الحكومة، وتشكيل أحزاب منافسة لحزب أردوغان، كما انّ الاقتصاد التركي يشهد تحوّلات عديدة تجلت في انهيار العملة التركية، ومع انتشار فايروس كورونا ازدادت الهوة الاقتصادية، وفق مستويات تُنذر بكارثة وانهيار اقتصادي، الأمر الذي دفع أردوغان لطلب المساعدة من البنك الدولي، لترميم ما يُمكن ترميمه جراء سياساته الإرهابية في سورية وليبيا، وكذا جراء تفشي فايروس كورونا.
خلال سنوات الحرب على سورية، وضمن سياسات أردوغان الخارجية في عقد صفقة صواريخ روسية، وما نجم عنها من ردود فعل غربية وأطلسية غاضبة، تغيّرت فيها سياسة تركيا إلى النقيض، وأصبح اسمها يتكرّر في بؤر التوتر، فالصيت السيّئ الذي تركته أنقرة في أغلب بلدان العالم من الغرب حتى الخليج، يشي بأنّ سياسات أردوغان تكاد تصل أو هي وصلت بالفعل إلى الفصل الأخير من الانهيار، خاصة أنّ في تصريحاته بُعداً اخوانياً إرهابياً، ولا ننسى الخلاف التركي المصري حول غاز المتوسط، وسياساته في عموم شرق المتوسط.
سياسات أردوغان لا استراتيجية، تقوم على العداء مع كلّ مَن لا يتفق معه في سياساته الخارجية وطموحاته التوسعية. فالحرب على سورية وتدخلاته الإرهابية في ليبيا، ستكونان المقصلة التي ستنهي حلمه العثماني القائم على التهجير والقتل، ولعب دور الجلاد والطبيب.