أولى

هل يفعلها حسان دياب؟ حكومة ممانعة متحالفة مع الانتفاضة الشعبيّة

 د. عصام نعمان*

 

لعلّ حسان دياب أدرك، بعد مئة يوم في سدّة المسؤولية، أنّ بيت الداء هو نظام المحاصصة الطوائفية وأهله العتاة. ما جرى في مجلس النواب، خصوصاً في جلسته الأخيرة وتداعياتها، لا يترك مجالاً للشك في أنّ البلد بات في حال استعصاء. فاستثارة العصبيات الطائفية باتت طريقة حياة لدى أركان المنظومة المتحكّمة وأعوانهم سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة.

ماذا يمكن أن يفعل حسان دياب في غمرة هذه المتاهة؟

كان أعلن غداة تأليف حكومته أنه يتبنّى مطالب الانتفاضة الشعبية. وقتئذٍ كانت الانتفاضة ناشطة وفاعلة. اليوم هي راكدة وإنْ كانت تستجمع قواها المبعثرة لمعاودة نشاطها. أليس لحسان دياب مصلحة في إيقاظ الانتفاضة وتفعيلها؟

لعله يدرك الآن أن لا خطر على حكومته من المنظومة المتحكّمة. لو كان في مقدورها إسقاط حكومته لما سمحت بقيامها أصلاً. هي حكومة الضرورة التي لا سبيل، في الحاضر والمستقبل المنظور، الى إسقاطها أو استبدالها. حتى لو افترضنا أنّ أهل النظام استبدّ بهم الجنون الى حدِّ قيامهم بإسقاطها في البرلمان، فإنها تبقى بحكم الدستور وتحت وطأة الواقع الضاغط حكومة تصريف أعمال لحين تأليف حكومة بديلة، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً في الظروف المعقّدة الراهنة.

أفترض، بتفاؤلٍ حذر، أنّ حسان دياب ليس طرازاً من الرجال يرضى لنفسه أن يبقى في السلطة مجرد لقبٍ وصورة. أراه عازماً على العمل من أجل أن تكون له القدرة على الفعل. ولعله لا يجهل أنّ في مقدور حكومة تصريف الأعمال القيام بكلّ ما تستوجبه إدارة الشؤون العامة وتأمين المصلحة الوطنية في كلّ الميادين وذلك عملاً بمفهوم أحكام الضرورة الراسخ في إطار القانون العام. فماذا تراه فاعلاً؟

لعلّ حسان دياب في حاجة الى الانتفاضة مثلما الانتفاضة في حاجة إلى مسؤول فاعل في أروقة السلطة راغب وقادر على أن يردّ عنها، بقدر ما يستطيع، غوائل الفجّار من أهل النظام.

هو يستطيع، في نطاق صلاحياته كرئيس لمجلس الوزراء وبالتعاون مع المخلصين من وزرائه، رفض تمرير القرارات والمشاريع المشبوهة والمخالفة للمصلحة العامة، لا سيما تلك التي تنطوي على محاصصة وتقاسم مصالح بين أركان المنظومة المتحكّمة. أكثر من ذلك، يستطيع بوصفه رئيساً للحكومة أن يحول دون تغوّل قوى الأمن في تعاملها مع المحتجّين والمتظاهرين من أنصار الانتفاضة الشعبية، وأن يكشف ويدين الموظفين المخالفين للقوانين والأنظمة النافذة أيّاً كان انتماؤهم الطائفي والسياسي.

إلى ذلك، يستطيع حسان دياب أن يضطلع بمهمة تاريخية لم يجرؤ أحد من المسؤولين قبله على القيام بها. إنها استحقاق تنفيذ أحكام الدستور. نعم، تنفيذ أحكام الدستور. التي لم تنفّذ منذ إعلان استقلال لبنان السياسي العام 1943. ولكي لا نسترسل كثيراً، تكفي الإشارة الى مواد الدستور التي جرى تعديلها لاستيعاب إصلاحات وثيقة الطائف للعام 1989. ذلك أنّ التعديلات الدستورية المُشار إليها (التي أنجزتها حكومة الرئيس سليم الحص العام 1990) تنصّ على وجوب إلغاء الطائفية السياسية كما على إقامة مجلسيْن، واحد للنواب على أساس وطني لاطائفي وآخر للشيوخ لتمثيل العائلات الروحيّة. هذه المواد لم تنفّذ رغم مرور ثلاثين سنة على إقرارها.

لماذا لا يبادر حسان دياب، بادئ الأمر، الى تأليف الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية المنصوص عليها في المادة 95 من الدستور؟ وإذا ما لمس معارضةً أو تلكؤاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب في هذا السبيل، فإنّ في مقدوره تأليف هيئة وطنية من شخصيات واختصاصيين وطنيين مقتدرين مهمّتها وضع قانون انتخابات جديد يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته بغية إجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساسه كما تطالب قوى الانتفاضة الشعبيّة، او إجرائها في موعدها (شهر أيار 2022) كما يُصرّ أركان المنظومة المتحكّمة.

الأرجح انّ مجلس النواب الحالي سيمتنع عن إقرار قانون ديمقراطي للانتخابات كالذي أعلنته وتطالب به القوى الوطنية والتقدّمية الحيّة. في هذه الحال، فإنّ في وسع حسان دياب وحكومته طرحه على استفتاء شعبي عام حتى إذا تمّ إقراره بأكثرية تفوق الخمسين في المئة من المواطنين والمواطنات، تقوم الحكومة بإجراء انتخابات جديدة وفق أحكامه.

صحيحٌ أن الدستور لا يتضمّن مادةً تجيز إقرار قانون الانتخابات باستفتاء شعبي، لكن الدستور لا يتضمّن بالتأكيد مادةً تحظّر ذلك. فالأصل في الأمور الإباحة ما لم يكن ثمة مانع شرعي. فوق ذلك، إنّ الفقرةدمن أحكام مقدّمة الدستور تنصّ على انّالشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة، فهل لقانونٍ يُقرّه مجلس نيابي في ظرفٍ عادي مشروعيّة أقوى وأعدل من قانونٍ يقرّه شعب لبنان في ظرفٍ استثنائي كالذي تمرّ به البلاد والعباد في هذه الآونة؟

ثم أليس من المنطقي اعتماد نظرية الظروف الاستثنائية القائلة بأنّ الظرف الاستثنائي يستوجب بالضرورة تدبيراً استثنائياً؟ إنّ ما تمرّ به البلاد والعباد في هذه الآونة يشكّل ظرفاً استثنائياً بامتياز، فلا أقلّ من اعتماد تدبير استثنائيّ ديمقراطيّ كالاستفتاء الشعبي لإقرار قانون ديمقراطي للانتخابات سيكون بالتأكيد أوّل قانون انتخابات دستوري خلافاً لكلّ قوانين الانتخابات غير الدستورية منذ 1943.

حسان دياب مدعوّ لأن يكون رئيس حكومة أعلى وأفعل من رؤساء الحكومات في زمانه، كما كان سليم الحص على هذا المستوى في زمانه.

أجل، هو مدعوّ لأن يكون رئيساً جريئاً خلاّقاً لحكومة ممانعةٍ جريئة في تصدّيها للفساد والفاسدين، وجريئة في انحيازها إلى صف القوى الوطنية والتقدّمية المنخرطة في جمهور الانتفاضة الشعبية أو الناشطة في موازاتها.

هل يقبل حسان دياب هذا التحدّي التاريخي؟

 

*نائب ووزير سابق.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى